الأسعار ارتفعت 50% والمخزونات تراجعت بشكل غير مسبوق

نقص الديزل يهدد بإشعال العالم ويضع الاقتصادات في مأزق

توضح اللافتة عدم توافر الديزل بينما يصطف الزبائن في طابور للحصول على الوقود في محطة وقود شركة "توتال إنريجيز" في باريس بفرنسا يوم الجمعة الموافق 7 أكتوبر 2022 - المصدر: بلومبرغ
توضح اللافتة عدم توافر الديزل بينما يصطف الزبائن في طابور للحصول على الوقود في محطة وقود شركة "توتال إنريجيز" في باريس بفرنسا يوم الجمعة الموافق 7 أكتوبر 2022 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لا يوجد وقود أكثر أهمية للاقتصاد العالمي من الديزل، إذ إنه يشغّل الشاحنات والحافلات والسفن والقطارات ويحرك آلات البناء والتصنيع والزراعة، كما أنه يُحرَق لتدفئة المنازل. ومع صعود أسعار الغاز الطبيعي أصبح يُستخدم أيضاً في بعض الأماكن لتوليد الكهرباء.

في غضون الأشهُر القليلة المقبلة، ستواجه أنحاء هذا الكوكب كافةً تقريباً خطر شُح المعروض من الديزل، في وقت فاقمت فيه أزمة الإمدادات بجميع أسواق الطاقة على مستوى العالم تقريباً التضخم وخنقت النمو الاقتصادي العالمي.

قد تكون الخسائر ضخمة، إذ تنتشر لتصل إلى كل الأشياء بداية من سعر الديك الرومي الخاص بعيد الشكر، وصولاً إلى فواتير المستهلك لتدفئة المنازل خلال شتاء العام الجاري. في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، سيعني صعود تكلفة الديزل للاقتصاد خسارة 100 مليار دولار، حسب مارك فينلي، باحث الطاقة بمعهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس.

قال فينلي إن "الديزل مرتبط بأي شيء وكل شيء يتحرك في اقتصادنا، ونقل الأشياء هو أحدها. الناس العرضة للتجمد حتى الموت شيء آخر إضافي".

مخزونات منخفضة

على صعيد الولايات المتحدة، بلغت مخزونات الديزل وزيت التدفئة مستويات هي الأدنى في التاريخ في هذا التوقيت من السنة، حسب البيانات التي تعود إلى 4 عقود. تواجه منطقة شمال غرب أوروبا أيضاً احتياطيات منخفضة، ومن المنتظر أن تصل المخزونات إلى مستوى متراجع الشهر الجاري ثم تهبط أكثر مع حلول مارس المقبل، عقب فترة قصيرة من بدء سريان العقوبات التي ستحجب المنطقة عن الإمدادات الروسية المنقولة بحراً. باتت أسواق التصدير العالمية تعاني من نقص المعروض بشدة، حتى إنّ الدول الأكثر فقراً على غرار باكستان أصبحت محرومة، مع إخفاق الموردين في حجز شحنات كافية لتلبية الاحتياجات المحلية للبلاد.

أوضح داريو سكافاردي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة تكرير النفط الإيطالية "ساراس" (Saras) الذي قضى 40 سنة تقريباً في القطاع: "قطعاً تعتبر هذه أكبر أزمة ديزل شاهدتها على الإطلاق".

صعد سعر الديزل في السوق الفورية من ميناء نيويورك، وهو معيار قياسي، 50% تقريباً خلال السنة الحالية. بلغ السعر 4.90 دولار للغالون مطلع نوفمبر الجاري، أي ضعف مستويات العام الماضي تقريباً.

والأكثر وضوحاً هو علاوة السعر التي يتقدمها الديزل، إذ تزداد فروق أسعار الوقود مقابل النفط الخام، وهي علامة على مدى تراجع السعة الإنتاجية لأعمال التكرير، وما يتصل بالإمدادات التي ستُسلم لاحقاً، مما يؤكد يأس التجار من الوصول إلى البضاعة حالياً. بالنسبة إلى منطقة شمال غرب أوروبا، يبلغ سعر العقود الآجلة للديزل نحو 40 دولاراً للبرميل زيادة على سعر برميل خام برنت، مقابل معيار موسميّ على مدار 5 أعوام يصل إلى 12 دولاراً فقط. تُتداول عقود الديزل الآجلة في بورصة نيويورك تسليم ديسمبر المقبل بنحو 12 سنتاً زيادة عن أسعار عقود يناير المقبل. ويقارن ذلك بعلاوة سعر تبلغ أقل من سنت في مثل هذا الوقت من السنة الماضية.

ما الذي يسبب النقص؟

توجد معوقات كبيرة في السعة الإنتاجية لأعمال التكرير عالمياً. وتعاني إمدادات النفط الخام من نقص فعليّ نوعاً ما، لكن الاختناق يكون أشد وطأة عندما يرتبط الأمر بتحويل تلك السلعة الخام إلى وقود على غرار الديزل والبنزين. يرجع ذلك بطريقة جزئية إلى ما فعله وباء فيروس كورونا، عقب تقويض عمليات الإغلاق للطلب ودفع شركات التكرير لوقف بعض معاملها الأقل ربحية. لكن التحول الوشيك بعيداً عن الوقود الأحفوري تسبب أيضاً في ضعف ضخ الاستثمارات بهذا القطاع. منذ 2020 تراجعت سعة التكرير الأميركية بما يفوق مليون برميل يومياً. خلال هذه الفترة بأوروبا، تآكلت عمليات الإنتاج في المصافي بسبب اضطرابات أعمال الشحن والإضرابات العمالية.

يمكن أن تكون الأمور أكثر صعوبة مع ابتعاد الاتحاد الأوروبي قريباً عن الإمدادات الروسية. تعوّل أوروبا على الديزل بصورة تفوق أي دولة أخرى في العالم. يجري تسليم 500 مليون برميل تقريباً سنوياً عن طريق السفن، ومن المعتاد أن يجري تحميل نصف تلك الكمية عبر المواني الروسية، حسب بيانات شركة "فورتيكسا" (Vortexa). ووقفت الولايات المتحدة الواردات القادمة من روسيا، التي كانت مورداً مهماً لمنطقة الساحل الشرقي للبلاد في شتاء السنة الماضية.

هناك أيضاً التداول المفرط، في خلفية المشهد، وهو نمط في السوق معروف باسم عمولة تأجيل التسليم، عندما تكون علاوات السعر بالنسبة إلى الإمدادات لعمليات التسليم الفورية أكبر من تلك طويلة الأجل. ولم يكن هذا الفارق في السعر كبيراً بصورة استثنائية فقط، بل ظلت عمولة تأجيل التسليم لفترة طويلة بصورة استثنائية. ويحفز نمط سوق عمولة تأجيل التسليم الموردين للبيع حالياً عوضاً عن الاحتفاظ بالمنتج لتعظيم المخزونات.

بروتوكولات الطوارئ

في الولايات المتحدة، أسفر شح الإمدادات على امتداد منطقة الساحل الشرقي عن فرض حصص مقننة للموردين وبدء تفعيل بروتوكولات الطوارئ، رغم أن فصل الشتاء لم يبدأ بعد.

تُعَدّ المنطقة الشمالية الشرقية، وهي المنطقة الأعلى كثافة سكانية في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تكون درجات الحرارة غالباً تحت درجة التجمد خلال فصل الشتاء القارس، أيضاً الأشد اعتماداً على زيت التدفئة للحفاظ على المنازل دافئة (يُعتبر الديزل وزيت التدفئة هما نفس المنتج بالولايات المتحدة، ولكنهما يخضعان للضرائب بصورة مختلفة). حتى مع حدوث أفضل السيناريوهات، سيصبح المستهلكون هناك مثقلين بأعباء فواتير للطاقة هي الأعلى منذ عقود خلال شتاء السنة الجارية. وبالفعل ضاعفت الحكومة تقريباً توقعاتها لمقدار الزيادة، إذ توقعت أن العائلات التي تستخدم زيت التدفئة يمكن تنتظر زيادة لما تدفعه 45% مقارنة بالشتاء الماضي، مرتفعة عن تقديرات أكتوبر الماضي التي بلغت 27%.

من المؤكد أن نقص الديزل طويل الأمد في كل مناطق الولايات المتحدة أمر غير مرجح، نظراً إلى أن البلاد مُصدِّر صافٍ للوقود. لكن على الأرجح سيكون هناك تكرار للأعطال المحلية وصعود الأسعار، لا سيما على الساحل الشرقي، إذ يسفر نقص خطوط الأنابيب عن حدوث اختناقات ضخمة. وتعوّل المنطقة بصورة هائلة على خط أنابيب "كولونيال" الممتلئ في الغالب. ويفاقم قانون الشحن الذي مضى عليه قرن، والشهير باسم "قانون جونز"، صعوبة نقل الوقود المحلي، ويشجع المنتجين بمنطقة ساحل الخليج على تفضيل عمليات التصدير على توفير الإمدادات للسوق المحلية.

تأثير هائل

بداية من مطلع فبراير المقبل سيفرض الاتحاد الأوروبي حظراً بموجب العقوبات على عمليات التسليم الروسية المنقولة بحراً. وسيتعين إيجاد بديل لتلك البراميل الروسية بطريقة، ما إذا كان اقتصاد المنطقة سيواصل العمل كما هو اليوم. ومن غير الواضح حتى الآن طريقة حدوث ذلك وما إذا كان سيحدث بالأساس.

كما ستفاقم برودة الشتاء المشكلات الأوروبية. في كل مناطق شمال غرب القارة، من المنتظر أن تتراجع المخزونات إلى 211.9 مليون برميل في مارس المقبل، وهو الشهر الذي يلي بدء سريان عقوبات الاتحاد الأوروبي، حسب شركة الاستشارات "وود ماكينزي" (Wood Mackenzie)، وسيكون ذلك هو المستوى الأدنى في سجلات تعود إلى سنة 2011.

مع الاقتراب سريعاً من حلول الموعد النهائي لبدء تطبيق العقوبات، ما زالت أوروبا تستورد كمية ضخمة من الديزل عبر روسيا، كما أنها تجلب كميات كبيرة من السعودية والهند وغيرهما. على إثر ذلك، سجّلت الواردات المنقولة بحراً خلال شهر أكتوبر الماضي أعلى مستوياتها منذ بداية 2016 على أقل تقدير، حسب بيانات من "فورتيكسا" جمعتها "بلومبرغ".

شهدت ألمانيا فعلاً نقصاً في الوقود، إذ أعاق هبوط منسوب نهر الراين عمليات التسليم وخفض الإنتاج، في حين عانت مصافي التكرير في المجر والنمسا المجاورتين أيضاً من أعطال كبيرة. وخنقت موجة من الإضرابات العمالية، نتيجة مطالب الأجور، الإنتاج الفرنسي.

قال سكافاردي، الرئيس التنفيذي السابق لـ"ساراس": "في حال لم تعُد روسيا مورّداً مرة أخرى فإن ذلك سيؤثر بشدة في النظام، وسيكون من الصعب فعلاً علاجه".

معاناة الدول الأشد فقراً

جعل النقص في الوقود العالمي إرسال البلدان المصدرة على غرار الصين والهند شحنات إلى دول في أوروبا، التي باستطاعتها دفع فوارق سعرية كبيرة، عملية أكثر ربحية بالنسبة إليها. ومن المنتظر أن يزداد إجمالي صادرات الوقود الصيني بمقدار 500 ألف برميل يومياً ليصل إلى 1.2 مليون برميل تقريباً مع حلول نهاية العام الجاري، حسب شركة استشارات القطاع "إف جي إي" (FGE).

يبقى أن نراقب ما إذا كان ذلك سيصبح كافياً لسدّ فجوة العرض على مستوى العالم، فيما تتألم البلدان الأشد فقراً التي لا تستطيع تحمّل زيادة الأسعار.

قال وزير الطاقة السريلانكي، الذي تعاني بلاده من ضائقة مالية، إنها تواجه صعوبات على صعيد تحمّل أسعار الوقود العالمية، وليس بمقدورها الحصول على ما يكفيها من الإمدادات. مددت تايلندا العمل بالتخفيض الضريبي على الديزل سعياً منها لحماية المستهلكين من صعود الأسعار، في ظل توقع الحكومة أن هذا الإجراء سيتكلف 551 مليون دولار تقريباً في شكل عائدات مفقودة. وتطمح فيتنام إلى إقرار تدابير طارئة، بما فيها استغلال بنكها المركزي لتقديم قروض أكثر للشركات المحلية المنتجة للوقود من أجل تدعيم الإمدادات.

قالت أمريتا سين، رئيسة الأبحاث بشركة "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects)، إنّ أزمة نقص الديزل "تُلحِق الضرر بالاقتصاد العالمي، وإنّ حل مشكلة نقص المعروض يحتاج في النهاية إلى إضافة سعة إنتاجية جديدة لأعمال التكرير".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك