إنَّ استيلاء الجيش الروسي على أكبر محطة طاقة نووية في أوروبا، لا يعرّض الأوكرانيين لخطر وقوع حادث نووي فحسب؛ بل قد يقوّض أيضاً خطط تركيب مفاعلات صغيرة جديدة في أماكن نائية.
تكشف شهور من القصف والهجمات الصاروخية على محطة "زاباروجيا" النووية عن نقاط ضعف لم تُضطر مرافق الطاقة تاريخياً إلى أخذها في عين الاعتبار. عادة ما يصمم المهندسون مفاعلات قادرة على تحمل العواصف أو الزلازل أو حوادث الطائرات، لكن، حتى الآن، لم تدخل الحرب في حساباتهم.
يقول مايكل شنايدر، المؤلف الرئيسي لتقرير "وضع الصناعة النووية العالمية" الذي نُشر الأربعاء: "لم يتم تصميم أي محطة طاقة نووية في العالم للعمل في ظل ظروف الحرب.. إنَّ محطات الطاقة النووية معرضة للخطر بشكل فوري".
أميركا تفشل في إضعاف قبضة الكرملين على أسواق الطاقة النووية
أفاد مراقبو "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بوقوع عشرات الهجمات على محطة "زاباروجيا" النووية، إذ أدت الضربات العسكرية إلى قطع إمدادات الكهرباء والمياه بشكل متقطع، وبالتالي؛ إغلاق المحطة المسؤولة عن توليد خُمس الكهرباء في أوكرانيا. وبشكل عام؛ تتابع الصناعة النووية عن كثب، قدرة محطة "زاباروجيا" على الصمود، في الوقت الذي تعمل فيه على تطوير جيل جديد من "مفاعلات الوحدات الصغيرة" (SMRs) لتحل محل أسطول العالم المتقادم من المفاعلات التقليدية.
مفاعلات رخيصة
يقول مصنّعو "مفاعلات الوحدات الصغيرة"، بما في ذلك "نيوسكيل باور" (NuScale Power)، و"تيرا باور" (TerraPower) المدعومة من بيل غيتس، إنَّ معداتهم ستكون رخيصة وسريعة التركيب. هناك حوالي 80 تصميماً فريداً للمفاعلات الصغيرة قيد التطوير في أنحاء العالم، مع قيام بعض البائعين بترويج "مفاعلات الوحدات الصغيرة"، كحلول للمناطق النائية الحدودية التي تحتاج إلى الكهرباء.
"تيرا باور" المدعومة من بيل غيتس تجمع 750 مليون دولار لتوفير طاقة نووية رخيصة
قال شنايدر في مقابلة: "من الناحية النظرية، نحن نتحدث عن آلاف الوحدات التي يجب تركيبها حتى يكون لها تأثير على أسواق الكهرباء أو تغير المناخ... لكن إذا قمت بمضاعفة عدد الوحدات؛ فإنَّك تضاعف أيضاً الأهداف المحتملة".
تخصص نسخة عام 2022 من تقرير "وضع الصناعة النووية العالمية" فصلاً للتهديدات الجديدة التي كشفت عنها حرب روسيا على أوكرانيا. يقوم بإعداد التقرير السنوي كبار الباحثين في مجال الطاقة النووية من جميع أنحاء العالم بتمويل من مؤسسة "ماك آرثر" الأميركية"، و"هاينريش بول" الألمانية.
الحرب والتسرب الإشعاعي
جاء في التقرير المؤلف من 385 صفحة: "كلما زادت حصة الطاقة النووية؛ زادت صعوبة إغلاق جميع المفاعلات كإجراء احترازي في حالة الحرب... الفيزياء لا تتغير في ظل ظروف الحرب. إذا كان انصهار قلب المفاعل النووي ناتجاً عن تأثير الأسلحة على مبنى المفاعل؛ فمن المرجح أن يتسرّب المزيد من النشاط الإشعاعي، لأنَّ حاوية المفاعل التالفة لا يمكنها أن تؤدي الغرض المقصود من الاحتواء".
معايير السلامة
في تحذير مماثل أيضاً، قالت الجهات التنظيمية التي شاركت في المؤتمر العام لـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" الشهر الماضي، إنَّ مورّدي الطاقة النووية بحاجة إلى إعادة النظر في هندسة السلامة، إذا كان يُنتظر من المحطات تحمّل مخاطر الحرب.
أزمة الطاقة تجبر ألمانيا على استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء
يقول أيبرس غوربينار، المدير السابق للسلامة النووية في "الوكالة الدولية للطاقة الذرية": "حتى لو كانت الهياكل مصممة بشكل جيد للغاية؛ لا يمكنك أن تنتظر منها أن تصمد أمام هجوم عسكري... إذ لم يتم تصميمها لهذا الغرض".
على الرغم من أنَّ وزارة الدفاع الأميركية منحت أموالاً إلى شركات "بي دبليو اكس تكنولوجيز" (BWX Technologies)، و"إكس-إنيرجي" (X-Energy)، و"وستنغهاوس" (Westinghouse) من أجل استكشاف جدوى "مفاعلات الوحدات الصغيرة" المنقولة بالشاحنات، والتي يمكن نشرها في مناطق القتال؛ لكنَّ معظم المصمّمين لا يأخذون في الحسبان المخاطر العسكرية. قد يؤدي إجبار المهندسين على إعادة النظر في قضايا السلامة المرتبطة بالحرب إلى زيادة العبء على اقتصاديات هذه التكنولوجيا.
الصين تتجاوز فرنسا في توليد الكهرباء من الطاقة النووية
يقول شنايدر: "نظراً لأنَّ المفاعلات الصغيرة والمتوسطة من حيث الحجم، كانت وستظل مثل المفاعلات الكبيرة، عرضة للتأخير وتجاوزات التكاليف، فإنَّه لا يوجد سيناريو محدد يمكن بموجبه أن تصبح اقتصادية في ظل هذه الظروف". يتوقَّع شنايدر أن تستمر الطاقة النووية في النمو في بعض الدول الآسيوية، بينما تفقد مكانتها ببطء أمام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في أوروبا والولايات المتحدة.