يواجه تحالف "أوبك+" موقفاً غير معتاد. فبعد قضاء عامين في تغذية إنتاج النفط الخامل تدريجياً في عالم ما بعد الجائحة، تواجه المملكة العربية السعودية وشركاؤها سوقاً مختلفة. فالمشهد الذي سيطر خلال الأشهر القليلة الماضية بشأن الضغط من جانب المستهلكين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة لترويض التضخم عن طريق زيادة العرض، يتحول نحو المخاوف بشأن التباطؤ الاقتصادي عالمياً.
دفعت التقلبات خلال الآونة الأخيرة، بما في ذلك انخفاض خام برنت بأكثر من 20% منذ أوائل يونيو، الرياض إلى القول إنَّ خفض الإنتاج قد يكون ضرورياً.
في مواجهة الكثير من عدم اليقين، من المتوقَّع على نطاق واسع أن تحافظ منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وشركاؤها على استقرار الإنتاج خلال الاجتماع يوم الإثنين المقبل. مع ذلك، غالباً ما يرغب وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان مفاجأة المراقبين، ويقول مندوبو "أوبك+" في جلسات خاصة إنَّ جميع الخيارات ما تزال مطروحة على الطاولة.
سيناريوهات متعددة
قال كريستيان مالك، الرئيس العالمي لاستراتيجية الطاقة في "جيه بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase & Co): "يتعين على (أوبك+) البحث بشكل أكبر في مجموعة واسعة من السيناريوهات خلال الاجتماع".
"إنَّها بيئة تتسم بتزايد تقلبات الاقتصاد الكلي مدفوعة بنقاط بيانات متضاربة حول الطلب والركود الاقتصادي. لكنَّها أيضاً سوق نفطية مشددة أو شديدة المنافسة، في ظل عدم اليقين بشأن الإمدادات من ليبيا والعراق".
لقد تغيرت عدة أمور منذ اجتماع "أوبك+" قبل شهر، عندما كان يتعين عليه بحث مناشدات الرئيس جو بايدن لزيادة الإنتاج على نطاق أوسع.
اقتربت أسعار النفط من أطول سلسلة انخفاض لها منذ عام 2020، مما يعرض المكاسب غير المسبوقة التي يتمتع بها السعوديون وشركاؤهم للخطر.
أظهرت الصين، أكبر مستورد للنفط، إشارات على تباطؤ اقتصادي "مقلق"، في حين أنَّ الولايات المتحدة أصبحت على مقربة من الانكماش. في غضون ذلك، تشهد الساحة استئنافاً للمحادثات النووية التي يمكن أن تنعش تدفقات الخام من إيران الدولة العضو في "أوبك".
توازن الأسواق
دفعت تقلبات الأسعار الناتجة عن تلك التطورات وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز للإعلان الشهر الماضي أنَّ العقود الآجلة للنفط الخام انفصلت عن حقائق العرض والطلب، وأنَّ فرض قيود على الإنتاج قد يكون أفضل أداة لاستعادة التوازن في سوق النفط. وقد حظيت هذه الرسالة بتأييد زملائه من أعضاء تحالف "أوبك+".
قال الأمير السعودي عبر مقابلة في 22 أغسطس: "السوق في حالة انفصام، وهذا يخلق نوعاً من السوق المتقلبة للغاية.. (أوبك+) لديه الالتزام والمرونة والوسائل لمواجهة مثل هذه التحديات".
يتم تداول العقود الآجلة لخام برنت بالقرب من 94 دولاراً للبرميل في لندن، منخفضاً 24% في أقل من ثلاثة أشهر.
التصرف بثبات
مع ذلك، من المتوقَّع أن يتجاوز تحالف "أوبك+" الهدوء الحالي في الأسعار، إذ توقَّع 16 من 20 من التجار والمحللين الذين شملهم استطلاع "بلومبرغ" أنَّ التحالف سيظل ثابتاً عندما يقرر مستويات إنتاج أكتوبر في اجتماع عبر الإنترنت يوم الإثنين المقبل.
تتقاسم بنوك استثمار وشركات نفطية بما في ذلك "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs Group Inc) و"شل" (Shell Plc)، وجهة نظر واسعة النطاق في جميع أنحاء الصناعة النفطية مفادها أنَّ الأسواق العالمية ستواجه تشديداً، إذ إنَّ عودة خروج الصين من عمليات الإغلاق تعزز الطلب.
في حين أنَّ الإمدادات من روسيا، العضو في تحالف "أوبك+"، أثبتت حتى الآن أنَّها مرنة بشكل مدهش في أعقاب غزو أوكرانيا، فمن المتوقَّع أن تتعثر خلال الأشهر القليلة القادمة مع بدء سريان عقوبات الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2022. كذلك أكدت الاضطرابات لدى عضو التحالف الآخر، العراق، والاضطرابات في ليبيا على هشاشة الإنتاج العالمي.
قال الأمين العام، المعين حديثاً في منظمة "أوبك" هيثم الغيص، إنَّه يتوقَّع ارتفاعاً "تصاعدياً" للطلب من المستهلكين المتحمسين لاستئناف الحياة الطبيعية بعد عامين من فرض القيود لمواجهة كوفيد. عدلت لجنة "أوبك+" التي اجتمعت في وقت سابق الأسبوع الجاري توقُّعاتها، لتكشف نقص الإمدادات في الربع الرابع من العام الجاري.
قال وارن باترسون رئيس استراتيجية السلع في "اي ان جي غروب ان في" (ING Groep NV) في سنغافورة: "سيكون من الغريب خفض الإنتاج بينما تظهر أرقامهم ( أعضاء تحالف أوبك+) سوقاً أضيق من المتوقَّع".
العلاقات مع الولايات المتحدة
سيكون خفض الإنتاج أيضاً خطوة ذات حساسية على الصعيد السياسي بالنسبة لتحالف "أوبك+".
راهن الرئيس الأميركي بايدن على مصداقيته السياسية بقيامه بزيارة تاريخية في يوليو إلى المملكة العربية السعودية، حيث استقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقبضة مصالحة رمزية بعد سنوات من القطيعة بسبب ملف حقوق الإنسان.
في حين أعلن بايدن أنَّه واثق من مساعدة السعوديين من أجل خفض أسعار البنزين، استجاب تحالف "أوبك+" بإقرار زيادة طفيفة في المعروض بمقدار 100 ألف برميل فقط يومياً خلال سبتمبر. إنَّ اتباع هذه البادرة الهزيلة بخفض الإنتاج يمكن أن يزيد من توتر علاقة الرياض المشحونة في كثير من الأحيان مع واشنطن.
الاتفاق النووي
ثمة مصدر آخر من عدم اليقين يأتي من إيران الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، التي ما تزال تخوض مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية عن مبيعاتها النفطية. يمكن أن يؤدي إبرام اتفاقية ناجحة لإضافة أكثر من مليون برميل يومياً إلى الأسواق العالمية، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
يتطلب الأمر بذل بعض الجهود قبل أن يحدث ذلك ( إبرام اتفاق)، فقد وصف المسؤولون الأميركيون موقف طهران الأخير في المناقشات بأنَّه "غير بناء".
قال رعد القادري، العضو المنتدب لشؤون الطاقة في "يوراسيا غروب" (Eurasia Group Ltd) الاستشارية: "لكنَّ تحالف (أوبك+) سيتحرك بسرعة حال إبرام صفقة" بين الولايات المتحدة وإيران. لكن في الوقت الحالي "سيكف التحالف يده حتى تتضح الصورة أكثر بشأن نتيجة المفاوضات".