يمثِّل وقف الرئيس الأمريكي جو بايدن مشروع خط أنابيب "كيستون إكس إل"، لنقل النفط الخام من كندا إلى ساحل الخليج الأمريكي، المقدَّرة تكلفته 9 مليارات دولار أوضح إشارة حتى الآن على أنَّ إنشاء خطوط أنابيب كبيرة جديدة في الولايات المتحدة؛ أصبح مهمة مستحيلة.
وتعهد بايدن الذي تولى مهام منصبه يوم الأربعاء بإعادة تشكيل قطاع الطاقة في الولايات المتحدة، وتسريع الانتقال من الوقود الأحفوري، وسيكون إلغاء خط الأنابيب المقترح بالرمال النفطية الكندية أحد أولى تدابيره الكبيرة في مجال البيئة.
وقبل تنصيب بايدن يوم الأربعاء، كانت صناعة النفط والغاز في حالة تأهب عندما يتعلَّق الأمر ببناء بنية تحتية رئيسية جديدة.
وعلى الرغم من سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب المؤيدة للوقود الأحفوري، اضطرت شركات الطاقة مثل "وليامز كوس" (Williams Cos) و"دومينيون إنرجي إنك" (Dominion Energy Inc)، لإلغاء مشاريع جديدة تحت تأثير معارضة شديدة.
وقال آلان أرمسترونغ الرئيس التنفيذي لشركة "ويليامز" في مقابلة: "لا أستطيع أن أتخيَّل الذهاب إلى مجلس الإدارة، والقول "نريد بناء خط أنابيب جديد .. لا أعتقد قد توفَّر أي تمويل لأيِّ خطوط أنابيب كبيرة عبر البلاد، وأقول ذلك بسبب مقدار الأموال المهدورة".
يمثِّل تراجع صناعة النفط والغاز انتصاراً لحركة أنصار البيئة. وحوَّلت الجماعات التي دشنت حملات تحت شعار "احتفظ بها (مصادر الوقود الأحفوري) في الأرض" اهتمامها بشكل متزايد إلى خطوط الأنابيب. إنَّ بناء خطوط أنابيب في معظم أنحاء الولايات المتحدة، هو عمل أصعب بكثير من حفر آبار النفط والغاز.
ويرجع مصدر الصعوبة لبناء خطوط أنابيب جديدة إلى العديد من التصاريح الفيدرالية والتراخيص الصادرة عن الولايات التي يمكن اللجوء بشأنها إلى ساحة المحاكم بسهولة أكبر في أغلب الأحيان. وقد سعت إدارة ترمب إلى تبسيط التصاريح الفيدرالية، لكنَّ العديد من المشاريع تعرَّضت لضربة قاتلة في المحاكم.
وقالت كاتي بايز، العضو المنتدب في " فيسكالنوت ماركتس" (FiscalNote Markets)، التي تتعقَّب قضايا السياسات بالنسبة للشركات الاستثمارية: "لن يكون بمقدور أيّ شركة الإعلان عن بناء خط أنابيب جديد في ظل رئاسة جو بايدن".
ضعف الجدوى الاستثمارية
من المرجَّح أن يواجه بناء خطوط الأنابيب صعوبات للحصول على الموافقة في ظل الإدارة الجديدة، وفقاً لمراقبي صناعة الطاقة، وبينهم محلِّلون في بنك الاستثمار الدولي "مورغان ستانلي".
ويقول آلان أرمسترونغ الرئيس التنفيذي لشركة "ويليامز" الذي تشغل شركته خطَّ أنابيب الغاز "ترانسكو" (Transco) الممتد من خليج المكسيك إلى الساحل الشرقي، إنَّ التكاليف المرتبطة بإجراءات التقاضي إلى جانب مخاطر التأخير، تعني أنَّ إنشاء مشاريع بين الولايات في الولايات المتحدة لم يعد له أي مبرر.
ويتحدث أرمسترونغ من واقع خوض تجربة حديثة. وتخلَّت شركة " ويليامز"عن خط أنابيب الغاز الطبيعي " كونستييوشن" (Constitution) في عام 2020 بعد سنوات من المعارك القانونية مع نيويورك بشأن التصاريح المائية.
كما جرى إيقاف خطة شركة "ويليامز"، وتحمل اسم " نورث إيست سابلاي إنهانسمينت" (Northeast Supply Enhancement)، التي كانت ستضيف أجزاء خطوط الأنابيب في نيويورك، وبنسلفانيا، ونيوجيرسي إلى خطوط الأنابيب الحالية لـ"ويليامز"، بشكل فعَّال في عام 2020، وسط معارضة من حاكم نيويورك "أندرو كومو".
وفي الواقع ، شهد عام 2020 مواقف صعبة لأيِّ شركة نفط تحاول بناء خط أنابيب رئيسي.
و في يوليو، ألغت شركة "دومينيون إنرجي إنك"، وشريكتها " ديوك إنرجي كورب"
( Duke Energy Corp) خطَّة لإقامة مشروع الغاز الطبيعي على ساحل المحيط الأطلسي، الذي تبلغ تكلفته 8 مليارات دولار على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة بعد معارك قانونية، مما سمح بحدوث عقبات وتضخُّم في التكاليف.
وبعد أقل من 24 ساعة، قضت محكمة أمريكية بإغلاق خط أنابيب "داكوتا أكسيس" (Dakota Access)، على الرغم من تهميش الأمر لاحقاً.
وفي مينيسوتا، تستمر الاحتجاجات الميدانية من جانب نشطاء البيئة والسكان الأصليين في إعاقة اقتراح شركة "إنبريدج" (Enbridge) لاستبدال خط أنابيب النفط الخام "لاين ثري" الذي ينقل النفط الخام من ألبرتا إلى ويسكونسن.
عقبات تنظيمية
وفي الوقت نفسه، فإنَّ مشروع الغاز الطبيعي "ماونتين فالي" (Mountain Valley) الذي تبلغ قيمته 6 مليارات دولار، ويمتد لمسافة 303 أميال (488 كيلومتراً) -الذي يعدُّ إلى جانب خط "لاين ثري" آخر مشاريع خطوط الأنابيب الضخمة المتبقية قيد التطوير في الولايات المتحدة- يواجه عقبات تنظيمية بعد سنوات من تكلفة التجاوزات والتأخيرات.
وتراجعت أسهم شركة "إيكويتترانس ميدستريم كورب" (Equitrans Midstream Corp)، التي تبني خط الأنابيب بين ولاية "وست فرجينيا"، و"جنوب فيرجينيا" بنسبة 9.9% يوم الثلاثاء بعد فشل اجتماع الجهات التنظيمية الاتحادية بواشنطن في دفع المشروع قدماً.
وقال كريستي تيزاك، العضو المنتدب في "كلير فيو إنرجي بارتنرز" (ClearView Energy Partners)، إنَّ مشروع الغاز الطبيعي "ماونتين فالي" "قد يكون الأخير على مدار فترة طويلة".
وأعربت شركة" تي سي إنرجي كورب" التي كان من المقرَّر أن تبني خط أنابيب "كيستون"، عن أسفها يوم الأربعاء لقرار بايدن، وقالت إنَّه سيؤدي إلى فقدان آلاف الوظائف.
وقال جيمس كولمان أستاذ قانون الطاقة بجامعة "ساوثرن ميثوديست"، إنَّ الشركة الكندية يمكن أن تطعن بقرار بايدن، لكنَّ "متابعة طريقك لإكمال مشروع ناجح، ليس أمراً جيداً على الإطلاق".
وفي حين تستقبل صناعة الطاقة أخبار وقف خط أنابيب "كيستون"، فإنَّها تواجه حقائق قاسية أخرى.
وأدى فيروس كوفيد-19 لتراجع الطلب على مصادر الطاقة في حين تظلُّ آفاق التعافي إلى مستويات ما قبل الجائحة غير مؤكَّدة.
مشروع "كيستون" يفقد جاذبيته
وعلى الرغم من أنَّ خط أنابيب "كيستون" نفسه مهم لمنتجي النفط الكنديين، إلا أنَّه فقد الكثير من جاذبيته السابقة للمصافي على ساحل الخليج الأمريكي بعد سنوات من زيادة إمدادات النفط الصخري.
وفي حين تراجعت أسعار النفط ، كان قطاع الطاقة المتجددة يحقق نجاحات. لقد غادر المستثمرون قطاع الوقود الأحفوري بأعداد كبيرة، وتوافدوا على الشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح وغيرها من التقنيات البديلة. وقد يحدِّد الاتجاه نحو الطاقة المتجددة نوع مشاريع البنية التحتية الكبيرة المقرِّر إقامتها في السنوات القادمة.
وتركِّز شركة "ويليامز" حالياً على سلسلة توسيع بنيتها التحتية الحالية، مستفيدة من الوسائل القائمة لتلبية الطلب المتزايد. وتسعى الشركة أيضاً إلى دمج الوقود المتجدد في أنظمتها.
وقال أرمسترونغ، إنَّه مع ازدياد صعوبة إنشاء خطوط أنابيب جديدة، "سيكون لخطوط الأنابيب الحالية ميزة كبيرة".
وقالت كاتي بايز، العضو المنتدَب في "فيسكالنوت ماركتس" (FiscalNote Markets)، عن أعمال خطوط الأنابيب: "بالنظر إلى أبعد من ذلك، من الصعب تخيُّل أننا لن نشهد دورة بناء مرة أخرى.. ولكن من المرجَّح أنَّ دورة البناء التالية ليست مرتبطة بالغاز أو النفط، بل بالهيدروجين أو ثاني أكسيد الكربون".