يزداد إقبال المشترين المتعطشين للطاقة على بدائل الوقود الأرخص والأكثر تلوثاً بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وعدم ظهور أي مؤشرات على تراجع أسعاره، إلى جانب صعوبة الحصول على الإمدادات.
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال في آسيا إلى نحو 50 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وعلى أساس مقارنة الغاز مع بدائل الوقود الأخرى، تُعادل أسعاره ضعف الديزل تقريباً في مطلع أغسطس، بينما ظلت أسعار النفط عالي الكبريت والفحم أرخص، وفقاً لبيانات "ستاندرد آند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس" (S&P Global Commodity Insights).
الوضع مشابه في أوروبا، إذ بلغ سعر الغاز الطبيعي نحو 60 دولاراً، أي ما يعادل 3 أضعاف على الأقل سعر النفط عالي الكبريت والبروبان، وفقاً لشركة استشارات الطاقة "إف جي إي" (FGE).
طلب متزايد
أصبح الغاز الطبيعي الأكثر طلباً في أسواق السلع الرئيسية مع مواصلة روسيا -وهي أحد كبار المُصدّرين للغاز المنقول عبر الأنابيب إلى أوروبا والغاز الطبيعي المسال المتجه لآسيا- خنق التدفقات وسط أزمة طاقة عالمية. كما لا يوجد إمدادات كافية لتداولها وسط توقعات بتدهور الأوضاع أكثر مع اقتراب فصل الشتاء. في الوقت نفسه، أصبح الوقود بعيداً عن متناول بعض الدول بعد ارتفاع أسعاره، ما دفع المشترين الأغنياء والفقراء -على حد سواء- إلى البحث بشكل متزايد عن البدائل.
اقرأ أيضاً: المخاوف من إمدادات الشتاء ترفع أسعار الغاز الأوروبية
قال ستيف سوير، مدير التكرير في شركة استشارات الطاقة "إف جي إي"، إنه في ظل مخاوف ضيق الإمدادات الشديد خلال الشتاء المقبل "أعلنت الكثير من الحكومات مؤخراً عن السماح بزيادة استخدام زيت الوقود والفحم في محطات الكهرباء. وطالما هناك مرونة بشأن استخدام بدائل الغاز الطبيعي؛ نشكك في استنفاد مخزوناته بسرعة حالياً".
خلال الخميس الماضي، رفعت وكالة الطاقة الدولية توقعها لنمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 380 ألف برميل يومياً، ليصل إلى 2.1 مليون برميل يومياً وسط توقع تحول الصناعة ومحطات الكهرباء إلى الاعتماد على النفط. كما أن الطلب الإضافي الذي أدى إلى مراجعة التوقعات يتركّز "بشكل كبير" في الشرق الأوسط وأوروبا.
ضغوط اقتصادية
اتفق داميان كورفالين، رئيس أبحاث الطاقة في "غولدمان ساكس" مع رأي وكالة الطاقة الدولية، حيث توقع أن يمثّل التحول من الغاز إلى النفط 1.5 مليون برميل يومياً من الطلب الإضافي هذا الشتاء، مقارنة بمليون برميل يومياً العام الماضي. وقال في مقابلة مع بلومبرغ إن الطلب سوف يتركز في قطاع الكهرباء وباقي الصناعات.
في آسيا، تُعدّ باكستان وبنغلاديش من بين البلدان التي تمتلك محطات كهرباء كبيرة يمكنها التحول من الغاز الطبيعي إلى أنواع الوقود من النفط لتوليد الكهرباء.
قال ماكس فان دير فيلدين، المستشار الرئيسي لشركة "وود ماكينزي" إن باكستان وبنغلاديش تتمتعان "بقدرة كبيرة على توليد الكهرباء باستخدام النفط، بينما تواجه الدولتان عجزاً شديداً في الميزانية يمنعهما من مواصلة شراء الغاز الطبيعي المسال باهظ الثمن، حيث يحاولان عن طريق استخدام النفط مواصلة إنارة الأضواء مع تجنب مزيد من الضغوط الاقتصادية".
انتكاسة بيئية
يمثّل التحول من استخدام الغاز انتكاسة للجهود العالمية لاستخدام طاقة أنظف، إذ لجأت العديد من الدول إلى استخدام الغاز الطبيعي ضمن جهود إزالة الكربون، باعتباره الوقود الأحفوري الأقل تلوثاً، بينما تزيد البدائل الأكثر تلوثاً، بما فيها الفحم إلى الوقود السائل من صعوبة تحقيق الدول أهدافها المناخية.
اقرأ أيضاً: الحرب الروسية تزيد إدمان العالم للفحم
قال محللو "فيتش سوليوشنز" في 8 أغسطس إن مفوضية الاتحاد الأوروبي ستواصل تعزيز زيادة الاعتماد على توليد الطاقة بالفحم خلال العامين الجاري والمقبل، في انعكاس مؤقت للانخفاض طويل الأجل في استهلاك الفحم بأوروبا.
كما يشجّع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي محطات الكهرباء عالمياً على التحول من استخدام الغاز إلى الفحم كلما أمكن ذلك.
تحول محدود
لكن تبقى هناك حدود لإمكانية التحول في استخدام الوقود. إذ يُعدّ نقص القدرة على توليد الكهرباء باستخدام النفط إحدى المشكلات، كما قد يصعب إعادة تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل بالنفط أو الفحم.
قال ساوير من "إف جي إي": "يعتمد إعادة تشغيل تلك المحطات على مدى جودة إغلاقها وصيانتها، ولا تتوقع أن تعمل تلك المحطات بين عشية وضحاها".
ذكر فان دير فيلدين كذلك أن معظم محطات توليد الكهرباء باستخدام النفط في اليابان متوقفة عن العمل حالياً، فالمحطات قديمة وتكلفة إعادة تشغيلها مرتفعة، ولن تعمل إلا لفترة قصيرة، كما يؤدي تشغيلها إلى انتكاسات بيئية وسياسية. قال فيلدين: "يستمر النمو السنوي في طلب محطات الكهرباء على النفط في اليابان لكنه مايزال محدوداً".
اقرأ أيضاً: الطقس الحارّ يرفع سعر الكهرباء باليابان لأعلى مستوى في 18 شهراً
رغم ذلك، يصعُب تجاهل حوافز التكلفة المتعلقة باستبدال الوقود، إذ تتوقع "إف جي إي" توجه مزيد من الدول نحو إعادة تشغيل المحطات التي تعمل بالنفط. فيما قال ساوير: "يجب بدء التحول الآن؛ إذا أرادوا الاستعداد والعمل على تلبية الطلب في الشتاء".