من السهل أن نلقي اللوم على أصحاب محطات البنزين في زيادة تكلفة الوقود، ومع ذلك، ليس هؤلاء هم مصدر معاناة قائدي السيارات في المملكة المتحدة الذين يواجهون ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، بل إنهم مجرد وجوه آدمية مضطرة إلى استقبال الغضب الذي ينبغي أن يتجه وجهة أخرى.
ارتفعت تكلفة ملء خزان الوقود لسيارة ركوب عائلية عادية بضخ 15 غالوناً أميركياً (55 لتراً) إلى ما يزيد على 100 جنيه إسترليني (أو 120 دولاراً)، مما يضيف مزيداً من الأعباء على ميزانية الأشخاص الذين مازالوا يترددون في استخدام وسائل المواصلات العامة خوفاً من الإصابة بفيروس كوفيد، ومن أن يواجهوا قريباً جداً أسبوعاً من الإضرابات يهدد بتعطيل جانب كبير من شبكة السكك الحديدية في البلاد.
من حيث القيمة المطلقة، زادت أسعار البنزين في محطات الوقود بما يتجاوز 40 بنساً في سعر اللتر الواحد، أو ما يعادل نحو 1.85 دولار في سعر الغالون الأميركي، منذ بداية العام. وفي 15 يونيو الجاري، بلغ متوسط سعر اللتر على مستوى البلاد 1.87 جنيه إسترليني (أو 8.61 دولار للغالون الأميركي)، وسط مجموعة من العوامل التي ساهمت في دفع الأسعار للارتفاع.
اقرأ أيضا: أسعار البنزين في أميركا تقفز لأعلى مستوى على الإطلاق والغالون يتخطى 5 دولارات
أسعار النفط
ارتفاع أسعار خام النفط عامل من العوامل التي ساهمت كثيراً في زيادة التكلفة في محطة الوقود. وبدأت أسعار النفط ترتفع فعلاً بعد تعافي الطلب عالمياً من أزمة جائحة كورونا بوتيرة أسرع من زيادة المعروض. وقد عانت منظمة "أوبك +" للدول المنتجة للنفط في سعيها إلى تنفيذ خططها الخاصة باستعادة كمية المعروض تدريجياً إلى مستوياتها السابقة على ظهور الجائحة، بعد أن قامت بتخفيض الإنتاج بما يزيد على 10 ملايين برميل يومياً (أو نحو 10% من إجمالي الإنتاج العالمي) في أبريل 2020. غير أن المنظمة أخفقت في بلوغ المستهدف الجماعي للإنتاج في الأشهر الأخيرة بسبب بلوغ عدد كبير من الدول الأعضاء حدود طاقتها الإنتاجية القصوى التي انخفضت بسبب نقص الاستثمار في السنتين الماضيتين. ثم تلقت أسعار النفط دفعة أخرى لأعلى بعد غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر فبراير الماضي ورد الدول المستوردة في أوروبا على ذلك برفض براميل النفط الروسية.
تحالف "أوبك+" يتلمّس خطواته المقبلة في ظل الضغط الأميركي
ماذا تعني زيادة "أوبك+" الإنتاج لأسواق النفط العالمية؟
عندما ننظر إلى حركة أسعار النفط بالنسب المئوية، نجد أن أسعار الخام ارتفعت بنسب أعلى كثيراً من أسعار الوقود في المحطات. فقد زاد سعر النفط بنسبة تجاوزت 60% منذ بداية العام الحالي، مقارنة مع زيادة بنحو 30% فقط في أسعار البنزين في المحطات.
تخفيض الضرائب من جانب الحكومة لم يكن له تأثير يذكر على الأسعار. فقد محت الزيادة المطلقة في تكلفة ضريبة القيمة المضافة أي تأثير إيجابي من خفض الحكومة رسوم الوقود بواقع 5 بنسات عن اللتر (أو ما يعادل نحو 26 سنتاً في كل غالون أميركي عند بداية تطبيقها). وتحصل رسوم الوقود بقيمة ثابتة – تبلغ حالياً 52.95 بنس في كل لتر (أو 2.44 دولار في كل غالون أميركي) – في حين أن ضريبة القيمة المضافة تحصل بنسبة 20% على السعر النهائي (الذي يشمل رسوم الوقود).
مع استمرار الزيادة في أسعار البنزين منذ تخفيض رسوم الوقود، ارتفعت ضرائب القيمة المضافة المستحقة السداد، وتجاوزت زيادتها ما تم توفيره من خفض الرسوم. ففي حين كانت الحكومة تحصل نحو 83 بنساً عن كل لتر من مبيعات البنزين تحت بندي رسوم الوقود وضريبة القيمة المضافة في بداية مارس الماضي، فإنها تحصل حالياً 84 بنساً، وفقاً للبيانات الصادرة عن مؤسسة أبحاث السيارات "آر إيه سي فاونديشن" (RAC Foundation).
لا عجب في أن منظمات تجار الوقود والمستهلكين تطالب الآن بتخفيض كبير آخر في قيمة الرسوم. ورغم أن ذلك سيلقى ترحيباً من قائدي السيارات، فلا يرجح أن يساهم في تخفيف الأزمة لفترة طويلة. فالمشكلة هي، مثلما أوضح هنا، أن تخفيض الأسعار يحفز الطلب، وفي سوق تتسم بنقص في المعروض على مستوى العالم، سيؤدي ذلك طبعاً إلى مزيد من ارتفاع الأسعار.
معامل التكرير
تمثل تكلفة المواد الأولية (خام النفط والوقود الحيوي) مع الضرائب نحو 84% من أسعار البنزين بالمحطات في المملكة المتحدة، ونسبة مماثلة أيضاً من أسعار زيت الديزل. يتبقى بعد ذلك نحو 30 بنساً من سعر اللتر (أو 1.37 دولار من سعر الغالون الأميركي) لتغطية تكاليف تحويل النفط الخام إلى وقود، وتكاليف الشحن، والتخزين والبيع. وتستحوذ معامل تكرير النفط لإنتاج الوقود على معظم هذه القيمة، إذ أن الفرق بين أسعار النفط الخام وأسعار الجملة للبنزين يبلغ نحو 22 بنساً في اللتر (أو1.01 دولار أميركي للغالون)، ولا يتبقى سوى 8 بنسات للتر (أو 36 سنتاً أميركياً في الغالون) لتغطية تكلفة التسليم والتوزيع وتجار التجزئة.
تكلفة تكرير النفط ارتفعت بالتوازي مع ارتفاع كل التكاليف الأخرى. وأدت الزيادة في أسعار الغاز الطبيعي، التي حلقت خلال فصل الشتاء ومازالت مرتفعة وسط الاضطرابات التي تتعرض لها صادرات الغاز الروسية بعد غزو أوكرانيا، إلى رفع تكلفة تنقية الوقود من الكبريت، وهي عملية ضرورية للتوافق مع المعايير البيئية بالنسبة لهذه المنتجات.
حدود الطاقة الإنتاجية
رغم ذلك، تتعرض شركات النفط إلى ضغوط من جانب الحكومات على جانبي المحيط الأطلسي، وسوف تزداد حدة هذه الضغوط مع بداية الإعلان عن أرباحها الفصلية التي سيظهر ارتفاعها نتيجة تحليق الأسعار إلى أعلى، بينما نفس هذه الزيادة في الأسعار تشعل معدلات التضخم.
في المملكة المتحدة، أسعار البنزين مرتفعة بسبب الزيادة الكبيرة في الضرائب، غير أنها تواصل الارتفاع بسبب صعود صاروخي في أسعار النفط. وفي ضوء محدودية الزيادة في الطاقة الإنتاجية عالمياً، سواء طاقة إنتاج النفط أو تكريره، تصبح الطريقة الوحيدة لتخفيض تلك الأسعار هي أن يتراجع مستوى الطلب حتى يلتقي مع الكمية المتاحة من المعروض. ورغم أن تخفيض الضرائب يحظى بشعبية واسعة، فإن ذلك لن يحل المشكلة الأساسية التي تتمثل في ضرورة تراجع الطلب – ليس في المملكة المتحدة فقط، وإنما في كل مكان بالعالم.