ستحتفظ السعودية بمليارات الدولارات من عوائد النفط الضخمة في الحساب الجاري للحكومة حتى نهاية العام الحالي، حيث ستقرر حينها كيفية توزيعها، ما يعتبر تحولاً في استراتيجيتها مقارنة بفترات الازدهار السابقة.
في السابق، كان يتم ترجمة صعود أسعار النفط والإنتاج بسرعة إلى ارتفاعٍ في الاحتياطيات الأجنبية والودائع في البنوك المحلية، وأحياناً كان يؤدي إلى زيادة سريعة في الإنفاق الحكومي.
أما هذه المرة، لن تنفق الحكومة الأموال إلا بعد إعادة بناء احتياطياتها التي استنفدت على مدى ثماني أعوام من أسعار النفط المنخفضة. ويمكنها بعد ذلك استخدام بعض السيولة لسداد الديون أو ضخها في أدوات الاستثمار الحكومية، بما في ذلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي القوي، وصندوق التنمية الوطني، الذي يركز على البنية التحتية المحلية.
قال وزير المالية، محمد الجدعان في تصريح لبلومبرغ: "الفائض المُحقق في الربع الأول يظهر في الحساب الجاري للحكومة، ولم يودع بعد في الاحتياطيات الحكومية، ولم يتم تحويله إلى مجموعات أخرى.. سيتم هذا التخصيص بعد تحقق الفائض، أي بعد إقفال السنة المالية".
ارتفع الحساب الجاري للحكومة لدى البنك المركزي بـ70 مليار ريال (19 مليار دولار) في الربع الأول من العام، عندما سجّلت السعودية فائضاً في الميزانية بـ15 مليار دولار.
إنفوغراف.. السعودية تسجّل فائضاً في ميزانية الربع الأول بدعم من النفط
تحل تعليقات وزارة المالية لغزاً حيّر بعض المحللين الذين يغطون أخبار السعودية. والذين كانوا يتطلعون إلى أين ستظهر تلك المليارات من الدولارات.
قفزت إيرادات أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم بفضل تخطي سعر الخام مستوى 100 دولار بالتزامن مع زيادة الإنتاج. وتوقّع الجدعان في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 19% هذا العام.
من جانبه، توقّع زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "بلومبرغ إيكونوميكس"، أن يصل إجمالي صادرات النفط السعودية إلى 287 مليار دولار هذا العام، في حال حافظت أسعار النفط الخام على مستواها المرتفع.
أوضح مسؤولون في السابق أنه سيتم استخدام الكثير من الأموال الفائضة لتسريع الجهود لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط- المصدر الرئيسي الحالي للدخل في المملكة العربية السعودية.
وقال وزير الاقتصاد والتخطيط، فيصل الإبراهيم لـ"بلومبرغ"خلال مقابلة في دافوس: "سيتم استثمار المكاسب المفاجئة من الإيرادات الإضافية التي سنحصل عليها من ارتفاع أسعار النفط، بشكل أساسي بمرونة.. سواء كان في إعادة بناء الاحتياطيات، أو سداد الديون، أو الاستثمار في مشاريع تحويلية فريدة عبر صندوق الثروة السعودي، فهذا يساعدنا حقاً في تسريع خطط التنويع الاقتصادي".
يُعدّ "صندوق الاستثمارات العامة" البالغ قيمته 600 مليار دولار، في صميم خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنشيط الاقتصاد والاستثمار في الصناعات غير النفطية الجديدة مثل السياحة.
يمتلك الصندوق معظم المشاريع الضخمة في المملكة، بما في ذلك "نيوم" (وهي مدينة جديدة بقيمة 500 مليار دولار) بالإضافة إلى مشاريع التطوير السياحية على ساحل البحر الأحمر، ومجمع ترفيهي ضخم مخطط له بالقرب من الرياض.
من جانب آخر، كتب محمد أبو باشا، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار المصري "المجموعة المالية-هيرميس"، في مذكرة: "لقد تحولت مسؤولية تعزيز النمو إلى الكيانات المملوكة للدولة خارج الميزانية، بقيادة صندوق الاستثمارات العامة". وهذا يجعل "انعكاس أسعار النفط المرتفعة على الاقتصاد بشكل غير مباشر أكثر من أي وقت مضى".
قفزت الاحتياطيات في مارس بدعم من توزيعات أرباح عملاقة النفط "أرامكو السعودية". لكن كانت الزيادة أقل مما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي، عندما كان متوسط أسعار النفط فوق 60 دولاراً للبرميل.
لم يستفد جزء من الاقتصاد، القطاع المصرفي المحلي. في الماضي، كانت أسعار النفط المرتفعة تعني تدفق الودائع الرخيصة إلى البنوك السعودية، مما يساعد على إبقاء على الإقراض بالعملة المحلية بفائدة متدنية.
ومع ذلك، تواجه البنوك السعودية أقسى ظروف السيولة المالية منذ عام 2016، كما تُقاس بسعر الفائدة السائد بين البنوك السعودية لمدة ثلاثة أشهر، "سايبور"، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط. حيث انطلق المعدل حتى قبل رفع سعر الفائدة الإجمالي 75 نقطة أساس من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حتى الآن هذا العام.
وقالت كارلا سليم، الخبيرة الاقتصادية في "ستاندرد تشارترد": "تعكس الزيادة في معدلات (سايبور) بعض التأخير بين صعود أسعار النفط وزيادة السيولة المحلية". "السيولة الفائضة في النظام المصرفي، التي يتم قياسها بالأحجام المودعة في تسهيلات إعادة الشراء العكسي لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، تقلصت بشكل حاد".
من جهتها، قالت وزارة المالية في بيانها إن المعروض النقدي وفير. وألمحت إلى أن السعودية غيرت أيضاً الطريقة التي تدير بها ثروتها من النفط، عبر وضع حد أدنى وسقف لاحتياطياتها التي تُقاس كحصة من الناتج المحلي الإجمالي. سيساعد ذلك في "حماية وضعنا المالي من الصدمات المحتملة في المستقبل".