كان دانيال يرغين في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي عام 2013 عندما تلقى طلباً مخيفاً: هل يمكنه طرح سؤال الجمهور الأول على فلاديمير بوتين؟
يتذكر قائلاً: "بدأت طرح سؤال، وذكرت كلمة "النفط الصخري"، في إشارة إلى مصدر غير تقليدي للنفط والغاز الطبيعي الذي كان يتدفق بحرية في ذلك الوقت في الولايات المتحدة بسبب تطور تقنيات الإنتاج"؟ وبدأ بالصراخ في وجهي، قائلاً إن النفط الصخري بربري".
ناقش يرغين، نائب رئيس "ستاندرد آند بورز غلوبال" (S&P Global)، هذه الحادثة في الحلقة الأخيرة من البودكاست "وات غوز أب" (What Goes Up)، إلى جانب رؤى أخرى من كتابه "الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصراع الأمم". يقول يرغين إن النفط الصخري والغاز في الولايات المتحدة لهما تأثير على الجغرافيا السياسية أكبر بكثير مما يدركه الناس. وشكل هذا تهديداً لبوتين بطرق متعددة، خاصة وأن الغاز الطبيعي الأمريكي سينافس نظيره الروسي في أوروبا.
فيما يلي بعض النقاط البارزة في المحادثة والتي تم تنقيحها قليلاً وتجميعها.
سؤال: كيف أصبحت الولايات المتحدة منتجاً كبيراً للنفط والغاز؟
جواب: كانت ثورة. كان لدينا ثمانية رؤساء على التوالي- بدءاً من ريتشارد نيكسون وصولاً إلى باراك أوباما- يقولون: "نريد أن نصبح مستقلين في مجال الطاقة". وبدا أنها مزحة، أمر لن يحدث أبداً. ولكن كانت هناك تقنية تسمى تكنولوجيا النفط الصخري، والتي تتضمن التكسير الهيدروليكي، كما يطلق عليه، إلى جانب الحفر الأفقي. وكان هناك شخص مهووس حقاً، ومن المثير للاهتمام، رؤية دور الأفراد المهووسين في التغيير الاقتصادي، يُدعى جورج بي ميتشل، والذي كان مقتنعاً أنه إن عملت بطريقة ما، رغم استحالة ذلك وفق الكتب المعتمدة، فيمكنك أن تنجح. وطوال 20 أو 25 عاماً، كان محط سخرية، ولكنه نجح بعد ذلك. وحتى فيما يتعلق بشركته الخاصة، كان الناس يقولون له ألا ينفق المال عليها. ولكنه لو لم ينفق هذا المال، فلست متأكداً من أننا سنكون حيث نحن الآن.
ثم في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأنا رؤية المنقبين، المستقلين كما يطلق عليهم. بدأت الشركات الصغيرة في تكييف تلك التكنولوجيا. ثم قال الناس: "إن إمدادات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، باتت ترتفع بدلاً من أن تنخفض". وبعد ذلك قالوا، حسناً، إن نجحت هذه التقنية مع الغاز، فربما تنجح مع النفط أيضاً، في عام 2008 أو 2009. وبالتالي حدث كل هذا حقاً في تلك الفترة منذ عام 2008 تقريباً، عندما بدأ كل شيء بالفعل، بدأت ثورة النفط الصخري. وانتقلت الولايات المتحدة إلى وضع مختلف تماماً. لو قلت للناس في عام 2002 إن الولايات المتحدة ستكون أكبر منتج للنفط في العالم، وأكبر من روسيا حتى، ومن المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وإنها هذا العام ستكون أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، كانوا سيقولون لك إنك تعيش في عالم الخيال.
سؤال: خطر لي بينما كنت أقرأ كتابك أن الولايات المتحدة تنتقل من كونها مشهورة بأنها أكبر مستهلك للطاقة في العالم إلى كونها الآن منتجاً رئيسياً ما يتسبب في تصعيد التوترات الجيوسياسية. هل سيختلف تأثير أمريكا في هذه البيئة؟
جواب: هذا صحيح تماماً. أتعامل مع الكثير من الأمور من أوكرانيا إلى المناخ في الكتاب، لكنني أبدأ بالنفط الصخري لأن للنفط الصخري تأثير على الجغرافيا السياسية أكبر بكثير مما يعرفه الناس. أروي قصة في الكتاب تدور في الوقت الذي كنت فيه في سانت بطرسبرغ في مؤتمر كان بوتين يتحدث فيه أمام 3,000 شخص، وطُلب مني طرح السؤال الأول. بدأت بطرح السؤال، وذكرت كلمة "النفط الصخري". وبدأ الصراخ في وجهي قائلاً إن النفط الزيتي بربري. كان يعلم أن النفط الصخري الأمريكي يمثل تهديداً له من ناحيتين. الأولى، لأنه يعني أن غاز الولايات المتحدة الطبيعي سينافس غازه الطبيعي في أوروبا، وهذا ما نراه اليوم. وثانياً، أنه سيعزز حقاً مكانة أمريكا في العالم ويمنحها نوعاً من المرونة لم تكن تتمتع به عندما كانت تستورد 60% من نفطها.
حظر بايدن للخام الروسي يرمي الكرة في ملعب عمالقة النفط الصخري
بدأت طرح السؤال ببراءة. كنت سأطرح عليه سؤالاً عادياً حول تنويع الاقتصاد. وقلت "النفط الصخري"، وكان تعرضي لصراخه أمام 3,000 شخص تجربة غير سارة حقاً. أما الشخص الآخر على المنصة فكانت المستشارة ميركل، التي كانت مستشارة ألمانيا طوال 16 عاماً. ويمكنك أن ترى العداء بين الاثنين. لكن تتعرض ميركل الآن لانتقادات بسبب سياسات مثل إغلاق محطات الطاقة النووية التي أدت إلى زيادة اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي. وحكم التاريخ يتغير قليلاً.
سؤال: كيف أخطأ الجميع فهم روسيا إلى هذا الحد؟
جواب: الآن هناك نوع من المراجعة الذي يقول إنه لم يكن يجب على العالم التجارة مع روسيا، ولم يكن ينبغي لهم أن يحاولوا دمج روسيا في الاقتصاد العالمي، خاصة أن بوتين أصبح أكثر سلطوية. لكن المرء يقول: "حسناً، ما البديل؟ أن نتركها تفسد هناك؟ أفضل شيء هو ترسيخها في العالم. كان بوتين في السلطة الآن مثل جوزيف ستالين تقريباً. وأعتقد أنه أصبح استبدادياً أكثر فأكثر. أما الأشخاص الذين عرفوه على مر السنين فقالوا إن كوفيد غيّره. كان معزولاً لعامين. لم يكن يلتقي برجال الأعمال من الغرب. لم يكن يلتقي بمسؤولين حكوميين غربيين وهكذا دواليك. لذلك لا أعتقد أنه كان هناك بديل لعدم محاولة دمج روسيا في العالم، ولكن من الواضح أن ما يحدث الآن هو أن العالم، على الأقل العالم الغربي، يغلق الباب في وجه روسيا.
سؤال: هل ستكون أوروبا قادرة على المواجهة دون الخضوع لروسيا ومطالبها عندما يحل الشتاء التالي؟
هذا هو السؤال الذي يثقل كاهلنا الآن لأنه فيما يتعلق بالنفط، هناك ما يكفي من النفط الخام في العالم. عليك أن تنقله فحسب، ولكن بين المخزونات الإستراتيجية، وانخفاض الطلب في الصين، يمكنك إدارة ذلك. عندما تدخل في منتجات مثل الديزل، يصبح الأمر أكثر صعوبة. وبعد ذلك ستذهب إلى أصعب شيء مع الغاز الطبيعي، وهذا سيحدث بالضبط مع دخول الشتاء. لذا فإن السؤال الأهم الآن هو هل يمكنهم ملء الخزانات ليتمكنوا من تجاوز الشتاء، وبالمناسبة، ليس الدف فقط هو المطلوب، بل الحفاظ على عمل الصناعات أيضاَ. وأعتقد أنه يمكننا القول إن بوتين اتخذ سلسلة من القرارات التي كانت غير عقلانية، اعتمادا على أن جيشه كان جيداً حقاً، وأن أوكرانيا لن تكون قادرة على المقاومة، وأن الولايات المتحدة قد اختبرت للتو الخروج من أفغانستان وكانت منقسمة بشدة، أن أوروبا كانت تعتمد على طاقته لدرجة أنهم سيقولون: "حسناً، هذا فظيع، لكن الحياة تستمر". لم يحدث أي من ذلك. لكني أعتقد أنه ما يزال يقوّم بحساباته. وقال إن اضطراب الطاقة هذا، ونحن نرى اضطراباً كبيراً في أسواق الطاقة، سيكون تهديداً كبيراً للاقتصاد الأوروبي لدرجة أن التحالف الموجود الآن سينهار. أعتقد أن هذا هو رهانه الآن. وما أشرت إليه هو كعب أخيل: ماذا سيحدث عندما تدخل أوروبا فصلي الخريف والشتاء. وكان لدينا صناعي ألماني واحد على الأقل، قال: "هذا أمر خطير للغاية بالنسبة للاقتصاد الأوروبي. يجب أن نتفاوض على شيء ما مع بوتين".