تعكف شركات النفط الكبرى على التخارج من أصول روسية تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، لكن برميل النفط الخام البالغ قيمته 100 دولار يخفف من حدة الأمر.
أجبر الغزو الروسي لأوكرانيا عمالقة الطاقة العالميين على قطع معظم علاقاتهم مع موسكو، فيما أدى أيضاً إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، وبالتالي سنشهد موسم أرباح مليء بالتناقضات في الربع الأول، إذ ستكون هناك أرباح تشغيلية ضخمة وخسائر محاسبية ضخمة في الوقت ذاته.
تشير تقديرات المحللين التي جمعتها "بلومبرغ" إلى أن أكبر خمس شركات نفط عالمية ستسجل على الأرجح صافي دخل إجمالي بقيمة 34 مليار دولار، باستثناء قيمة الخسارة غير المتكررة من التخارج من روسيا. وستكون هذه القيمة الأعلى منذ عام 2011، لكن قد يقابلها عمليات شطب مجمعة ناتجة عن تخارج "إكسون موبيل" و"شل" من مشاريع سخالين للنفط والغاز الخاصة بهما، وسعي "بريتش بتروليوم" لبيع أسهمها في "روسنفت" التي يسيطر عليها الكرملين.
الأمر ليس بالسوء الذي يبدو عليه، فالخسائر المحاسبية لا تعني خروج الأموال اليوم، كما أن الرقم المهم حقاً بالنسبة للمستثمرين -والذي يتمثل في التدفق النقدي الحر- يواصل السير نحو تسجيل أعلى مستوى له في 14 عاماً. وتُعدّ التوقعات الخاصة ببقية العام قوية بنفس القدر.
قالت لورا هوي، محللة الأسهم لدى "هارغريفز لانسداون"، إن "الخروج من روسيا لا ينبغي أن يحيد أرباح صناعة النفط عن المسار الصحيح". "ستظل أسعار النفط مرتفعة على الأرجح في المدى القريب مع استمرار شح المعروض، وهذا من شأنه أن يعوض بشكل عام الأثر السلبي لوقف العمليات في روسيا".
يبدأ موسم التقارير بنتائج "توتال إنرجيز" يوم الخميس، تليها "إكسون" و"شيفرون" في اليوم التالي، كما ستعلن "بريتش بتروليوم" و"شل" ومقرهما لندن أرباحهما الأسبوع المقبل. ويتناقض ذلك مع أقرانهم الروس، مثل منتجة الغاز "نوفاتيك"، التي لن تنشر نتائج الربع الأول.
خفف الربع الأول من عام 2022 الضغوط المالية التي تواجهها شركات النفط الكبرى نتيجة تفشي وباء كوفيد إلى حدٍّ كبير. ارتفع النفط الخام لفترة وجيزة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى نحو 140 دولاراً للبرميل في لندن، وسجل الغاز الطبيعي الأوروبي أرقاماً قياسية، ثم تراجعت الأسعار في الأسابيع الأخيرة، لكنها ما تزال مرتفعة للغاية حيث تناقش أوروبا إمكانية تقييد واردات الطاقة الروسية.
يضع هذا الأمر شركات النفط الكبرى في موقف تُحسد عليه، فلن يكون هناك مزيد من المعاناة مع الأسعار المنخفضة وتراجع الطلب والانتقادات المتزايدة بشأن تغير المناخ. وبدلاً من ذلك، أصبحت الحكومات حول العالم بشكل مفاجئ يائسة لجذب منتجي الطاقة وتأمين إمدادات إضافية.
تحسباً لأوقات أفضل في المستقبل، قفزت قيمة شركات "شل" و"إكسون" و"شيفرون" بنحو 30% هذا العام، لكن حرب أوكرانيا ما تزال تخيم على الصناعة، كما أن أسهم شركتي "بريتش بتروليوم" و"توتال إنرجيز"- وهما شركتان تتعاملان بقدر كبير مع روسيا- لم يكن أداؤهما جيداً.
النزوح الروسي
تعد "توتال إنرجيز" الشركة النفطية الكبرى الوحيدة التي ترفض التخارج من روسيا، فهي تمتلك حصة 19.4% في شركة "نوفاتيك" المنتجة للغاز، وحصصاً في مشاريع الغاز الطبيعي المسال الكبيرة.
في هذا الشأن، قال الرئيس التنفيذي للشركة، باتريك بويان، إن الخروج من البلاد سيعيد الموارد القيمة "إلى بوتين مجاناً"، لكن استمرار تواجد الشركة سيبرز وسط البقية.
كانت شركة "بريتش بتروليوم" أول من أعلن عن تخارجها من روسيا، لكن حجم تعاملها مع البلاد يقزم حجم أعمال الشركات الأخرى، وقد يؤدي التخلي عن حصتها البالغة 20% تقريباً في "روسنفت" إلى شطب ما يصل إلى 25 مليار دولار. تواصلت الشركة، ومقرها لندن، بشركات حكومية في آسيا والشرق الأوسط، بما فيها "سينوبك غروب" (Sinopec Group) و"إنديان أويل" (Indian Oil Corp)، بحثاً عن مشترين.
تتحدث "شل" مع مشترين صينيين محتملين يسعون للحصول على حيازتها البالغة 27.5% في مشروع "سخالين-2" للغاز الطبيعي المسال. بينما قالت "إكسون" إنها تعمل على التخارج من مشروع النفط "سخالين-1". تنشط شركة "شيفرون" في روسيا من خلال خط أنابيب "سي بي سي" فقط، وهو خط أنابيب ينقل الخام المنتج في كازاخستان إلى ميناء على ساحل البحر الأسود في روسيا.
قد تكون قيمة الضربة الناتجة عن مغادرة روسيا أقل من عشرات المليارات من الدولارات المسجلة في الربع الأول.
قال أوزوالد كلينت، المحلل في "برنشتاين": "يمكن أن يكونوا قادرين على تسييل أصولهم بتقييمات أعلى من القيمة الصفرية التي تتوقعها السوق حالياً.. والمفاجأة المتعلقة بروسيا لا يجب بالضرورة أن تكون سيئة".
مع ذلك، قد تكون عملية إيجاد مشترين أمراً صعباً. كان المشرعون في موسكو يدرسون مشروع قانون منذ أوائل مارس لإنشاء إدارة خارجية للأصول الروسية الرئيسية المملوكة لشركات من "دول غير صديقة".
ضغوط الإنفاق
عند النظر إلى ما وراء التكاليف غير المتكررة المتعلقة بروسيا، يرجح أن تتضخم خزائن عمالقة الطاقة. يتوقع المحللون أن تولد الشركات الخمس الكبرى تدفقات نقدية حرة بقيمة 36 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وهو أعلى رقم منذ عام 2008، ويتوقعون أيضاً ارتفاع هذا الرقم بشكل أكثر في الربع الثاني.
لذلك، فإن السؤال الكبير بالنسبة للمدراء التنفيذيين قد لا يتعلق بتأثير الحرب في أوكرانيا، بل ماذا سيفعلون بكل هذه الأموال؟
يود الساسة والمستهلكون رؤيتهم يضاعفون استثماراتهم في النفط والغاز الذي يقدم إنتاجاً سريعاً، ما قد يخفف من نقص الإمدادات الحالي، أو يسد الفجوة التي أحدثتها المزيد من العقوبات المفروضة على روسيا، لكن هذا من شأنه إلغاء تعهدات الشركات بتقديم نقديتها الحرة للمساهمين. "يتمثل جزء من التحدي في قطعهم وعداً للمستثمرين بالبقاء منضبطين وتحقيق عوائد في شكل عمليات إعادة شراء وتوزيعات الأرباح"، كما يقول مات مورفي، المحلل المقيم بمدينة كالغاري ويعمل لدى "تيودور بيكرينغ هولت آند كو" (Tudor Pickering Holt & Co).
يُعدُّ النفط الصخري الأمريكي المجال الوحيد الذي يمكن أن تعزز الصناعة إنتاجه سريعاً، لكن المنتجين هناك يعانون من تضخم التكلفة ونقص العمالة والمعدات، خاصة في حوض بيرميان.
من هذا المنطلق، قال مورفي: "سيصعُب على كبار المشغلين تحقيق زيادات في إنتاج المواد تتجاوز خططهم الراهنة".