لا تُظهر صادرات النفط الخام الروسية، وهي مصدر رئيسي لإيرادات نظام فلاديمير بوتين، أي إشارات تدل على أنها بدأت في الانهيار وسط اختفاء المشترين الأوروبيين.
واصلت الشحنات في الأيام السبعة حتى الثامن من أبريل تعافيها الذي بدأ الأسبوع الماضي، بعد انخفاضها باستمرار منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، هذا وفقاً لأول متتبع من "بلومبرغ نيوز" يتتبع جميع النفط الخام الذي يغادر محطات التصدير في الدولة على متن ناقلات عابرة للمحيطات.
وبلغت الشحنات الأسبوعية ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً في أول أسبوع كامل من أبريل، وهو أعلى مستوى شوهد حتى الآن العام الجاري، وهو ما يمثّل ارتفاعاً بمقدار الربع تقريباً عن الأسبوع السابق.
وينطبق نفس النمط على إيرادات رسوم التصدير التي تتلقاها الدولة الروسية من الشحنات الخارجية، وفي الأسبوع المنتهي في 8 أبريل، قفزت مرة أخرى لتعادل أعلى مستوى لها العام الجاري، بعد انخفاضها في الأسبوعين السابقين.
ومدعوماً بمزيج من أحجام الصادرات الأعلى والزيادة في الرسوم واجبة الدفع لكل برميل في أبريل، كسب الكرملين ما يقدر بنحو 230 مليون دولار من صادرات النفط الخام المنقولة بحراً في الأسبوع المنتهي في 8 أبريل، بناءً على حسابات المبلغ مستحق الدفع على كل شحنة غادرت الموانئ الروسية في ذلك الأسبوع.
خصومات سعرية
ولكن بينما لا يظهر تأثير حظر الاستيراد والعقوبات الذاتية على أحجام الصادرات الإجمالية، هناك مجال واحد يظهر فيه بالفعل تأثير واضح، المسافات التي يتم شحن البضائع إليها للعثور على مشترين راغبين في الشراء.
قالت شركات نفط أوروبية كبرى، بما في ذلك "شل" و"توتال إنرجي"، والتي تشغِّل عادة سفناً كبيرةً تنقل الخام الروسي عبر مصافيها كل أسبوع، إنها ستتوقف عن الشراء بدافع الاستياء من الحرب في أوكرانيا، وتوقفت الولايات المتحدة عن شراء جميع النفط الروسي وستحذو بريطانيا حذوها بحلول نهاية العام، وتشير البيانات الأولية إلى أن لذلك تأثيراً.
وفي الوقت نفسه، هناك مؤشرات على أن التجار بدؤوا العمل على طرق لجلب المزيد من النفط الخام إلى آسيا، حيث يرغب المشترون في الاستفادة من الخصومات الكبيرة على النفط الروسي.
الباب الخلفي الذي يُبقي تدفق النفط الروسي إلى أوروبا
وتُحمِّل أعدادٌ متزايدةٌ من سفن النفط الخام الكبيرة للغاية، وهي ناقلات عملاقة قادرة على حمل مليوني برميل، الخامَ الروسي من سفن أصغر في البحر الأبيض المتوسط وأماكن أخرى.
قبل الحرب، كانت روسيا ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، بعد السعودية، وكانت تشحن ما يقرب من 5 ملايين برميل من النفط الخام يومياً بقيمة سوقية فورية تزيد على 500 مليون دولار، وكان بعض هذا الخام يُسلّم عن طريق خطوط الأنابيب مباشرة إلى مصافي التكرير في أوروبا والصين، ولكن كان يُنقل نحو 60% عن طريق البحر.
الغزو الروسي يدفع أوروبا لتسريع وتيرة التحول نحو الوقود الأخضر
وفي الأشهر المقبلة، تخطط بلومبرغ لتتبع تدفق النفط الخام المنقول بحراً من روسيا بصفة مستمرة، وتقديم نظرة أسبوعية حول كيفية تأثير الحرب على تلك التدفقات، وإبراز التأثير على الاقتصاد الروسي المعتمد على النفط.
اختفاء أسواق
تختفي سريعاً الأسواق التقليدية في شمال غرب أوروبا لصادرات روسيا عبر بحر البلطيق، إذ يمتنع المشترون ذاتياً عن شراء نفط موسكو، ونصف السفن المحملة في الموانئ شمال غرب روسيا في بريمورسك وأوست لوغا الأسبوع الماضي إما متجهة إلى آسيا، أو لا تُظهر وجهاتها النهائية، وتشير معظم تلك المجموعة الثانية إلى وجهات مثل جبل طارق أو مالطا، ما يوحي بأنها قد تتجه إلى آسيا عبر قناة السويس أو لإجراء عمليات نقل من سفينة إلى سفينة في البحر الأبيض المتوسط.
ويصبح البحر الأبيض المتوسط موقعاً مفضلاً لنقل شحنات النفط الخام الروسي من السفن الصغيرة إلى ناقلات عملاقة فائقة عابرة للقارات لشحنها إلى آسيا.
ارتفعت الصادرات من محطة نوفوروسيسك على البحر الأسود الأسبوع الماضي، وقفزت إلى أقل من 800 ألف برميل يومياً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حجم الشحن في الأسبوع السابق، عندما تراكمت السفن التي تنتظر التحميل خارج الميناء.
تبقى معظم الشحنات من نوفوروسيسك داخل منطقة البحر الأبيض المتوسط والتي تشمل موانئ البحر الأسود في بلغاريا ورومانيا حيث أُفرغت ثلاث من الشحنات السبع.
من بين 21 شحنة من خام الأورال المحملة من بريمورسك وأوست لوغاونوفوروسيسك في الأسبوع المنتهي في 8 أبريل، تتجه ست شحنات إلى الهند وأربعٍ إلى وجهات غير معروفة والباقي يبدو أنه سينقل شحناته داخل أوروبا، وفق إشارات وجهتها.
لا تزال الشحنات من ميناء مورمانسك في القطب الشمالي تجد أسواقاً في شمال غرب أوروبا إذ تتجه جميع الشحنات الثلاث التي تم تحميلها في الأسبوع المنتهي في 8 أبريل إما إلى روتردام في هولندا أو فيلهلمسهافن في ألمانيا، وفق إشارات وجهتها.
تتجه جميع الشحنات من موانئ روسيا الثلاثة في المحيط الهادئ، والتي تهيمن عليها صادرات خام إسبو من ميناء كوزمينو، إلى الصين تقريباً، بينما تنقل شحنات عَرَضيّة فقط إلى أماكن أخرى.
الإبحار لمسافات أطول
ربما يظهر التأثير الأولي الأكبر لحظر استيراد الخام الروسي والعقوبات الذاتية على شرائه في الرحلات الطويلة جداً والاستثنائية التي بدأت بعض الشحنات الشروع فيها.
وتُنقل الشحنات من السفن التي تتوقف في المحطات الروسية إلى سفن أكبر بكثير من أجل الاستفادة من اقتصاديات الحجم في الرحلات الطويلة إلى الصين والهند، ويمكن أن تستخدم السفينة الفائقة، المعروفة في لغة الصناعة بناقلة الخام الكبيرة جداً أو (VLCC)، لتجميع الشحنات من ثلاث سفن أصغر، تُعرف باسم "أفراماكس" (Aframaxes)، والتي غالباً ما تحمل البراميل من غرب روسيا.
وحجزت "فيتول غروب"، أكبر متداولة نفط مستقلة في العالم، السفينة الفائقة "سيراسر" (Searacer)، للتحميل من مدينة سكاجن الدنماركية، وهي وجهة شائعة لنقل الشحنات الروسية من سفينة لأخرى.
وبدلاً من ذلك، ظلت السفينة قبالة المغرب منذ منتصف مارس، حيث نقلت ثلاث شحنات من خام الأورال، واحدة محملة في البحر الأسود والأخرى في بحر البلطيق، من سفن أصغر، وتتجه الآن مرة أخرى إلى المحيط الأطلسي، ما يشير إلى أن وجهتها التالية التي ستتوقف فيها هي خليج سالدانها في جنوب أفريقيا لكن تاريخها الثابت يشير إلى أن وجهتها النهائية هي الصين.
إيطاليا تشتري غازاً إضافياً من الجزائر لخفض اعتمادها على روسيا
ناقلة النفط العملاقة التالية التي ستأخذ النفط الخام الروسي قبالة سبتة هي "إيلاندرادينالي"، التي وصلت إلى هناك في 4 أبريل. وبدأت أول عملية نقل للشحنات في 9 أبريل من سفينة "تيجاني" (Tigani) من طراز أفراماكس"، التي حمّلت حمولتها في ميناء بريمورسك في بحر البلطيق في أواخر مارس.
وبالمثل، ملأت "يونيبك" (Unipec)، الذراع التجارية لشركة النفط الصينية العملاقة "سينوبك"، جزءاً من ناقلة النفط العملاقة "نيسوسرينيا" (Nissos Rhenia) بشحنات من ناقلتين من طراز "أفراماكس" قبالة روتردام، وتتجه السفينة حالياً إلى نينغبو في الصين حيث من المتوقع أن تصل في منتصف مايو.
الشحنات المتجهة للهند
يجد الخام الروسي الرخيص، الذي يُباع بتخفيضات قياسية مقارنة بأنواع الخام القياسية الدولية، مشترين راغبين في الهند.
لأول مرة منذ عامين، تبحر ناقلة نفط من طراز "أفراماكس" من بحر البلطيق إلى الدولة الآسيوية، وتتجه سفينة "موسكوفسكي بروسبكت" (Moskovsky Prospect) إلى فادينار بشحنة من خام الأورال محملة من ميناء بريمورسك، وتبحر في رحلة أطول ناقلة "سويز ماكس ماتالا" (Suezmax tanker Matala)، متجهة من مورمانسك في الساحل القطبي الروسي إلى باراديب على الساحل الشرقي للهند، وهي رحلة من المتوقع أن تستمر لأكثر من شهر.
ليس الأمر سهلاً بالنسبة لناقلات النفط التي تحمل الخام الروسي، إذ عبرت "بكين سبيريت" المحيط الأطلسي بشحنة من نفط فاراندي الخام من شركة "لوك أويل" محمّلة من ميناء مورمانسك وتوجهت في البداية إلى فيلادلفيا، وفي منتصف الطريق عبر المحيط، عادت أدراجها، متجهة إلى البحر الأبيض المتوسط لتُفرغ حمولتها في نهاية المطاف في مصفاة "آي إس إيه بي" (ISAB) التابعة لشركة "لوك أويل" في جزيرة صقلية الإيطالية.