فاجأت المملكة العربية السعودية السوق بخفض كبير في إنتاج النفط الخام، وهو تأكيد جريء على دورها بقيادة صناعة النفط العالمية، جاء مباشرة من الحاكم الفعلي للمملكة.
ورأبت هذه الخطوة تصدعات في تحالف أوبك+ وكانت بمثابة تحول جذري عن بعض أولويات السياسة النفطية السعودية خلال الفترة الأخيرة. لكن هذه النقاط كانت باهتة مقارنة بالتأثير العالمي للقرار، حيث قفزت أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوى لها في 10 أشهر، وارتفعت أسهم شركات الطاقة العملاقة في لندن وحفارات النفط الصخري في تكساس.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إنَّ بلاده ستجري تخفيضات طوعية بمليون برميل يومياً على إنتاج النفط لشهري فبراير ومارس، مضيفاً أنَّ إنتاج النفط السعودي سيكون 8.125 مليون برميل يومياً من أول فبراير.
وأضاف وزير الطاقة السعودي، وهو يعلن بسعادة عن الخفض يوم الثلاثاء:
نحن حراس هذه الصناعة .. بادرة حسن النية هذه من قيادتنا باسم صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
منذ مطلع الأسبوع، كان تركيز سوق النفط على الاجتماع بين منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها (أوبك+). حيث كانت روسيا تضغط منذ أواخر ديسمبر من أجل زيادة المعروض بحوالي 500 ألف برميل يومياً لشهر فبراير، وكان هناك سبب للاعتقاد بأن هذا التوجه سيسود. لكن المملكة العربية السعودية حطمت تلك الافتراضات، وتعهدت بخفض إضافي أحادي الجانب بمقدار مليون برميل يومياً في فبراير ومارس، بينما حافظت معظم دول المجموعة المتبقية على الإنتاج ثابتاً، فيما سُمح لروسيا وكازاخستان معا بإضافة 75000 برميل يومياً من الإمدادات في كل من هذين الشهرين، وهي زيادة رمزية، قال عنها وزير النفط الإيراني بيجان نمدار زنقانة إنها بالكاد ستسجل في السوق.
تلقين المضاربين درساً
كان العديد من المستثمرين مخطئين تماماً. إذ ارتفع خام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 5%، متخطياً سعر 50 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ انتشار جائحة فيروس كورونا. وارتفع فرق السعر بين العقود المستقبلية لخام غرب تكساس الوسيط ذات أجل التسليم في الأشهر الأخيرة من 2021 و2022 - المعروف باسم Dec-Red-Dec والذي تفضله صناديق التحوط التي تركز على النفط - إلى أعلى مستوى له في عام واحد، مما أجبر المستثمرين المراهنين على هبوط الأسعار أن يُعيدوا شراء رهاناتهم.
لقد كانت خطوة محسوبة من قوة عظمى نفطية سبق لها أن حذرت المضاربين أن ينتبهوا لأنفسهم.
وصرح الأمير عبد العزيز بن سلمان في مقابلة مع بلومبرغ نيوز بعد اجتماع أوبك+: "نحن نتحمل مسؤولية رعاية السوق، وسنتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بذلك. لقد قلت مراراً وتكراراً، لا بل وجهت نصائح، بأن لا يراهن على تصميمنا.. أولئك الذين استمعوا يقطفون الآن الثمار، أما الآخرين فنتمنى لك التوفيق في تألمهم".
المساومات
وحصلت معظم دول أوبك+ على جزء على الأقل مما أرادته من اتفاق يوم الثلاثاء، لكن "المساومات" التي كانت ضرورية لتأمين توافق في الآراء تظهر هشاشة التحالف.
تتعارض الزيادات في الإنتاج الممنوحة لروسيا وكازاخستان، والتي وصفها الأمير عبدالعزيز بن سلمان بالضرورية لأسباب موسمية، مع الشعار السعودي الراسخ بأن جميع أعضاء أوبك+ يجب أن يأخذوا نصيبهم العادل من عبء التخفيضات. وشهدت دول مثل نيجيريا والعراق والإمارات العربية المتحدة رفض طلباتها السابقة للحصول على علاوات خاصة لزيادة الإنتاج.
وبرأي بيل فارين برايس، المدير في شركة إنفيروس للأبحاث: "يبدو أن المملكة العربية السعودية قد تخلّت عن تعهدها بعدم حمل كل العبء الثقيل لمنظمة أوبك وحلفائها. وهذا الأمر، بالإضافة إلى التأثير الإيجابي للسعر، سيقلل من التزام الآخرين.. هذه هي النتيجة الحتمية".
انقسامات استراتيجية
سلط اتفاق أوبك+ الأخير الضوء على الأولويات المختلفة للزعيمين الفعليين للتحالف، فبينما تفضل السعودية التضحية بحجم المبيعات مقابل ارتفاع الأسعار، ترغب موسكو بزيادة الإنتاج قبل أن يتمكن منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة من سد الفجوة.
ورحب نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك علناً بخطوة المملكة، قائلاً للصحفيين إنها "هدية رائعة للعام الجديد لصناعة النفط بأكملها". لكنه خلف الأبواب المغلقة، طلب من وزير الطاقة السعودي عدم المضي قُدُماً بهذه الخطوة.
وبحسب أمريتا سين، المؤسس الشريك لـ"إنرجي أسبكتس" للاستشارات، فإنه "من وجهة نظر روسيا، إذا لم تكن أوبك+ مستعدة لزيادة الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل فقط في سوق يبلغ فيها السعر 50 دولاراً، فعندئذ، في الوقت الذي تكون فيه المجموعة مستعدة لزيادة الإنتاج، ربما تكون قد فقدت بالفعل حصتها في السوق".
وارتفعت أسعار أسهم شركات التنقيب عن النفط الصخري في الولايات المتحدة بعد الإعلان السعودي بخفض الإنتاج، وتحركت سنداتها فجأة. كما ارتفعت أسهم شركة إكسون موبيل بنسبة 8% تقريباً، بينما قفزت أسهم شركة "إي أو جي ريسورسز" أكبر شركة نفط صخري أمريكية من حيث القيمة السوقية بحوالي 11%.
ويَعتبر بيورنار تونهوجين، من شركة "ريستاد إنرجي" الاستشارية أن السعودية "لا تُقدِّم فقط وسادة ناعمة لسوق النفط، لكن أيضاً مجموعة كاملة من البطانيات وأغطية الأسرة، لا بل على الأرجح السرير نفسه".
وقالت منظمة "أوبك" في بيانها الختامي، إنَّ الاجتماع أقرَّ بأن معنويات السوق قد تعززت مؤخراً من خلال برامج اللقاحات، وتحسين أسواق الأصول، لكنَّها شدَّدت على الحاجة إلى توخي الحذر بسبب ضعف الطلب السائد، وضعف هوامش التكرير، وارتفاع المخزونات المتراكمة، وغير ذلك من أوجه عدم اليقين الأساسية.