كيف تقنع الأوروبيين بالتخلي عن الوقود الأحفوري الروسي؟

لافتة على جانب الطريق في الولايات المتحدة في عام 1974 بعد حظر النفط العربي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود - المصدر: بلومبرغ
لافتة على جانب الطريق في الولايات المتحدة في عام 1974 بعد حظر النفط العربي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بينما يتفاقم الشعور باليأس لدى القادة الأوروبيين إزاء سُبل جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوقف غزو أوكرانيا، يظهر أن كل شيء تقريباً مطروح للنقاش على الطاولة. يشمل ذلك إقناع الناس بالاعتماد على كميات وقود أقل أو حتى تقنين حصص الحصول على إمدادات الطاقة لتفادي عمليات الاستيراد من روسيا.

"سيكون السياسيون مترددين في التحرك عبر هذا الطريق"، بيد أنه يتوجب على صنّاع السياسة في أوروبا دراسة كل الخيارات المتاحة، ومن بينها حملة لإحداث تغييرات في نمط الحياة، وفقاً لجاي هيكس، الخبير في مجال الطاقة، الذي سجّل استجابة حكومة الولايات المتحدة في كتابه "أزمات الطاقة: نيكسون وفورد وكارتر والخيارات الصعبة في السبعينيات".

خلال الأسبوع الماضي، عقب انعقاد اجتماع لوزراء الطاقة الأوروبيين، قالت باربرا بومبيلي، وزيرة التحول البيئي الفرنسية: "يتعين علينا تدعيم قدرتنا على الصمود عبر استحداث آليات للحد من الاستهلاك بطريقة طوعية".

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ عملية الاختيار قد لا تكون حتى في أيدي المشرعين. هدد ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي يوم الاثنين بوقف ضخ الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1"، فيما تسعى روسيا إلى كسر التصميم الغربي على فرض عقوبات صارمة على اقتصادها وأفراد النخبة الحاكمة. قد يُحدِث ذلك تأثيراً مكافئاً لعملية الحظر النفطي التي جرت خلال سنة 1973، عندما توقفت الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط عن تصدير الخام إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية التي تقدم الدعم لإسرائيل في أثناء حرب أكتوبر.

روسيا: العقوبات قد تفرض علينا إعادة التفكير في التزاماتنا بالطاقة

سوق الديزل هي المتضرر الأكبر من حظر المملكة المتحدة للنفط الروسي

دفع الحظر الحكومات الغربية إلى اتخاذ تدابير جذرية من أجل الحد من العجز في النفط. وحضّ الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون بعد ذلك المواطنين على خفض الاستهلاك لديهم ووضع حدود لسرعة القيادة تبلغ 55 ميلاً في الساعة لتقليص الطلب على النفط. سعت الحملات الإعلانية الحكومية لحشد التأييد لهذه التدابير، إذ رفعت شعارات من نوع "لا تكن مستهلكاً للوقود". وقال نيكسون في خطاب ألقاه عقب أسابيع من إعلان الحظر:

"أزمة الوقود لا تعني بالضرورة وجود معاناة فعلية بالنسبة إلى أي مواطن أمريكي، بيد أنها ستتطلب قدراً من التضحيات من قِبل الأمريكيين كافة".

من الممكن أن تنجح تحركات طوعية من هذا النوع في الوقت الحالي أيضاً. قد يسفر خفض درجة حرارة المباني بنحو درجة مئوية واحدة في كل أنحاء أوروبا عن تقليص الطلب على الغاز الروسي بنسبة تبلغ 7% خلال السنة الحالية، حسب وكالة الطاقة الدولية. من الممكن التخلص من 1% أخرى من الطلب عبر الإسراع في عملية الاستبدال بأدوات الغلي العاملة بالغاز مضخات حرارية كهربائية، وهي أكثر توفيراً للاستهلاك بثلاث مرات.

وقالت ميغ جاكوبس، الباحثة في جامعة "برينستون": "من أجل وضع حملة خاصة بالتضحية وتحفيز السلوك الفردي، سيكون من المفيد ربطها بأعمال الولاء للوطن". بيّن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذه العلاقة بطريقة جلية من خلال وضع الهجوم على بلاده في إطار أنه هجوم على الديمقراطية بحد ذاتها.

اطلع على التطورات الاقتصادية المتأثرة بالأزمة الروسية-الأوكرانية

توجد أيضاً ذريعة واقعية يمكن تقديمها في ظل بلوغ أسعار الطاقة الأوروبية مستويات قياسية. ويرى مارك رودهاوس، المؤرخ الاقتصادي لدى جامعة "يورك"، أن "الناس يمكن إغراؤهم باستخدام المصلحة المالية المباشرة لهم من خلال الحد من قيمة فواتيرهم". ويقول: "بإمكانك القول إنك لا تقدم حالياً المساعدة لنفسك فقط، بل هو تعبير عن حب الخير للغير".

إجراءات صارمة

بالعودة إلى سنة 1973، كانت حالة عدم اليقين المتعلقة بأزمات إمدادات الطاقة تعني أن على نيكسون الاستمرار في طرح إجراءات أشد صرامة للنقاش على الطاولة. فقد قال في نفس الخطاب: "من الحصافة فقط أن نكون في حالة تأهب لتقليص الاستهلاك من المنتجات النفطية، على غرار البنزين، عن طريق توزيع حصص مقننة أو من خلال فرض نظام ضريبي يتسم بالعدالة". تحوّل الحد الأقصى الوطني للسرعة إلى قانون مع مطلع سنة 1974 وفقاً لقانون "حفظ الطاقة على الطرق السريعة في الحالات الطارئة". وجرى تطبيق نظام توزيع الحصص المقننة من البنزين في بعض الولايات، إذ سمح للسيارات التي تحمل لوحات ذات أرقام زوجية فقط شراء الوقود في الأيام ذات التواريخ الزوجية.

مع ذلك، لم يقُم أي رئيس للولايات المتحدة جاء من بعد جيمي كارتر -خليفة نيكسون- باستدعاء روح التضحية من مواطني البلاد. حتى الرئيس جو بايدن لم يحضّ إلى الآن سوى على مزيد من ضخ الإمدادات محلياً ومن الدول المنتجة الكبرى في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم ذلك أظهر استطلاع للرأي نُشر في يوم الاثنين أن الأمريكيين سيتقبلون زيادة الأسعار إذا كان ذلك سيسهم في وقف الحرب.

اقرأ أيضاً: لا حل أمام أوروبا إلا تقنين استخدام الطاقة فوراً

في حال كان لدى أي شخصية سياسية الشجاعة لاقتراح تطبيق نظام الحصص المقننة، فتوجد ثلاثة أمور يتعين أخذها في الاعتبار، حسب رودهاوس.

أولاً: يجب أن يدرك الشعب خطورة الأزمة. ليس من المفترض أن يكون ذلك صعباً بالنظر إلى التغطية الإخبارية الشاملة للحرب والصور المرعبة التي تُبَث بشكل فوري وتُنشَر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ثانياً: يتعين أن تأتي أي تعليمات تضع حدوداً للاستهلاك مصحوبة بشروط صريحة حول توقيت رفعها. من دون هذه الحدود من الممكن أن يظهر الأمر وكأنه عملية استيلاء على السلطة أو إساءة استغلال السلطة.

أخيراً: يتعين أن تتسم طريقة توزيع الحصص المقننة بالعدل، وأن تراها الجماهير بهذه الطريقة. في أثناء الحرب العالمية الثانية، نال الأطباء البريطانيون حصة من البنزين تزيد على حصة المواطنين الآخرين تعبيراً عن التقدير للخدمات المقدمة من قِبلهم. في الآونة الأخيرة، كانت توجد شكاوى محدودة من أن عمليات توزيع اللقاحات في غالبية البلدان تعطي الفئات السكانية الأكبر عمراً والأشد ضعفاً الأولوية.

يشتمل أغلب السيناريوهات المرتبطة بالمناخ على تقليص استهلاك الطاقة كواحد من مئات التدابير التي ستساعد الدول على بلوغ الحياد الكربوني، بيد أنه من الصعب دفع غالبية الناس للتعامل مع الاحتباس الحراري على أنه حالة طارئة. لا يوجد أحد لديه شكوك في الطبيعة الطارئة للحروب، التي تلغي قيوداً سياسية عديدة، بما في ذلك بذل تضحيات تتعلق بالطاقة. ووفقاً لبريوني ورثينغتون، عضو مجلس اللوردات والرئيس المشارك لمجموعة "بيرز فور ذا بلانت" (Peers for the Planet)، فإنه "إذا لم يكن ذلك الآن فمتى يكون؟".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك