ارتفعت أسعار الكهرباء في بعض الدول 1000% عن مستويات ما قبل زحف بوتين على أوكرانيا

لا حل أمام أوروبا إلا تقنين استخدام الطاقة فوراً

صممات أنابيب غاز في أوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
صممات أنابيب غاز في أوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يواجه العالم أخطر شح في الطاقة منذ أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي، التي ضربت سوق المواد البترولية وحده، لكن اليوم تشهد أهم مصادر للطاقة في العالم، وهي النفط والغاز الطبيعي والكهرباء والفحم الحراري، ضربة متزامنة وموجعة.

قفزات أسعار النفط الخام وحدها لا تضرّ كما في السابق لأن حصة المواد البترولية في مزيج الطاقة العالمي انخفضت منذ أزمة نفط السبعينيات، متراجعة إلى 30% بعدما كانت 45% في 1973. لكن تؤثر الأزمة حالياً على كافة مصادر الوقود تقريباً، باستثناء الطاقة المتجددة.

يمثل النفط والغاز الطبيعي والفحم معاً أكثر من 75% من الاستهلاك الأولي للطاقة في العالم. إن أضفنا الوقود الحيوي، المصنوع من زيوت الذرة والزيوت النباتية باهظة الثمن، تكون الضربة موجعة جداً.

فيما يتصدر النفط عناوين الأخبار، فإن الغاز والكهرباء يثيران مخاوف بالغة للغاية في أوروبا، التي تعد مركز صدمة الطاقة الحالية. يُحدد سعر الطاقة في القارة وفقاً لأغلى مصدر، وهو حالياً محطات الطاقة العاملة بالغاز المستورد من روسيا.

ارتفعت أسعار الكهرباء قصيرة الأجل الاثنين لما فوق 550 يورو (597.46 دولار) لكل ميغاواط/ ساعة في بعض الدول، أو أعلى بنسبة 1000% من مستويات ما قبل الأزمة. عند هذه المستويات، فإن أجزاء كبيرة من الصناعة التحويلية في القارة، خاصة الشركات كثيفة الطاقة مثل مصاهر الألمنيوم أو مصانع الورق، ببساطة غير مُجدية.

ارتفعت تكلفة الغاز الطبيعي في سوق الجملة إلى مستوى قياسي بلغ 345 يورو لكل ميغاواط/ ساعة، فيما كان سعره منذ عام أقل من 15 يورو. بلغت تكلفة الفحم، وفقاً لمعيار API4 في جنوب أفريقيا، حوالي 450 دولاراً للطن المتري، بعدما كانت تتداول بأقل من 100 دولار للطن قبل عام.

تشمل كل شيء

أثّرت أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي إلى حد كبير على نظام النقل في العالم، حيث أصبحت تكاليف القيادة والشاحنات والطيران باهظة الثمن. لكن هذه المرة انتقلت الصدمة إلى ما هو أبعد من وسائل النقل، وهي التدفئة والطهي والكهرباء.

سعى قادة الدول الغربية منذ غزت روسيا أوكرانيا قبل أسبوعين تقريباً لاستثناء الطاقة والسلع من العقوبات التي فرضوها على الكرملين، لكن السياسة فشلت بشكل مذهل. تعطل تدفق الموارد الطبيعية؛ وكانت النتيجة، في بعض الأسواق مثل القمح، توقفاً كاملاً. أصبحت الثغرات في سوق السلع الأساسية من الناحية السياسية عصية على الحل، حيث يدفع الغرب اليوم مزيداً من الأموال لروسيا بقيادة فلاديمير بوتين أكثر مما كان قبل الغزو، وربما أكثر من مليار دولار في اليوم.

واجه القادة الغربيون خياراً مريراً. بإمكانهم فرض حظر رسمي على النفط الروسي والسلع الأخرى، فيما يشهدون ارتفاعاً في الأسعار، أو إتاحة الفرصة لاستمرار حركة التجارة، المعطلة كما هي عليه حالياً، وبالتالي تمويل الكرملين. لقد اختاروا طريقاً ثالثاً مستحيلاً، وهو التحدث علانية عن الحظر دون تنفيذه فعلياً. كانت النتيجة مزيداً من ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين في الغرب وعائدات أعلى لبوتين.

يعكس النهج المتشدد الصعوبات المتمثلة بعزل روسيا عن أسواق الطاقة العالمية. فأوروبا تشتري وحدها ما يقرب من 25% من نفطها من موسكو و50% من فحمها إضافة لنحو 40% من غازها. يذهب الغاز والفحم نحو توليد الكهرباء التي تأتي بالتالي بشكل غير مباشر من روسيا.

دفع الناس للتقنين

سيتطلب حظر صادرات الطاقة الروسية تقنين الوضع في أوروبا. سيتعين على صانعي السياسات حث المواطنين على خفض الطلب على غرار أسلوب ترشيد الاستهلاك في سبعينيات القرن الماضي، وإلا فإن الأسعار المرتفعة ستدمر الطلب على الطاقة، وتجبر الأسر الأشد فقراً على شراء كميات أقل من الطاقة ودفع الاقتصاد للركود. لكن بدلاً من تطبيق وفورات في الطاقة، فإنهم يتركون قوى السوق تعمل. سيؤدي ذلك إلى نفس الشيء الذي عانت منه أوروبا قبل 40 عاماً حين كانت تعاني أزمة النفط، التي أفضت لتضخم مصحوب بالركود، عبر مزيج مؤلم يجمع بين التضخم المرتفع والنمو الاقتصادي المنخفض، بالإضافة إلى البطالة. في فرنسا فقط يبذل السياسيون جهوداً جادّة لمطالبة المواطنين بتقليل الطلب.

لابد أن ينخفض الطلب الآن. فلا يمكن تعويض الحظر المفروض على تدفقات الطاقة الروسية من خلال زيادة المعروض من أماكن أخرى. قد يؤدي إنتاج النفط الصخري الأمريكي وزيادة إنتاج المملكة العربية السعودية وغيرها إلى تدفق المزيد من النفط إلى الأسواق. لكن هذا لا يكفي ليعوّض النفط الروسي. هناك مصادر أقل للتعويض بالنسبة للغاز والفحم.

هناك إجراءات بسيطة يجب اتخاذها، وهي: تقليل حدود السرعة على الطرق السريعة، وحث المستهلكين على خفض منظمات الحرارة لديهم درجة بسيطة، وتشجيع استخدام وسائل النقل العام عن طريق تقليل تكلفة التذاكر، أو السماح للناس بالركوب في عطلات نهاية الأسبوع مجاناً. تستعد الوكالة الدولية للطاقة لأزمة مثل هذه شهدتها منذ أكثر من 40 عاماً ولديها كُتيب إرشادات جاهز للاستخدام من 78 صفحة تحت عنوان "توفير النفط في فترة زمنية قصيرة للغاية". الحسم هو الحلّ. فإذا لم يتمكن السياسيون من رسم خارطة الطريق نحو المستقبل، فإن قوى السوق ستفعل ذلك، وهي لا ترحم.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات