مع انتهاء عام 2020، أكثر الأعوام اضطراباً في تاريخ النفط، يواجه حالياً تحالف أوبك+، الذي يضم الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" ومنتجين آخرين بقيادة روسيا، مهمة معقدة أو حساسة.
وسيقرر تحالف المنتجين بقيادة السعودية وروسيا ما إذا كان بإمكانه الاستمرار في استعادة إمدادات الخام دون تجاوز تعافي الأسعار، الذي أمضى معظم عام 2020 في العمل على تحقيقه.
وتعتقد موسكو أن التحالف، الذي خفض الإنتاج خلال الوباء، يمكنه ضخ 500 ألف برميل أخرى من النفط الخام في فبراير، علاوة على الزيادة المقررة خلال شهر يناير الحالي. ولم تكشف الرياض عن موقفها وأبقته سراً، وتوخت قدراً أكبر من الحذر.
وبحسب وصف جيوفاني ستونوفو، المحلل في "يو بي إس جروب" في زيورخ: "يبدو أن أوبك+ يحاول توجيه ناقلة نفط عملاقة عبر مسار ضيق".
ومهما كان قرار التحالف النهائي، فإنه مستعد للتعامل مع كل السيناريوهات المحتملة.
ويعقد التحالف اجتماعه غداً في 4 يناير، على أن يكون دورياً كل شهر، بدلاً من الاجتماع بضع مرات في السنة، من أجل ضبط مستويات الإنتاج بدقة أكبر.
وبعد الدروس القاسية على مدار 2020، أصبح اهتمام التحالف بكل التفاصيل مفهوماً.
انهيار الأسعار
بدأت تحديات أوبك+ في فبراير 2020، عندما انهار الطلب على النفط في الصين بنسبة 20%، حيث أغلقت أكبر دولة مستوردة في العالم اقتصادها، للتغلب على فيروس كورونا المستجد.
ثم اشتبكت الرياض وموسكو حول كيفية الرد على صدمة الطلب، وهو الخلاف الذي ضرب التحالف الذي يضم 23 دولة، وأدى إلى نشوب حرب أسعار شرسة.
وبحلول أبريل 2020، كان العالم يشهد تخمة من معروض النفط الخام لدرجة أن العقود الآجلة للولايات المتحدة جرى تداولها تحت الصفر لأول مرة في التاريخ.
وجرى إصلاح العلاقات بعد تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غير المتوقع كونه انتقد الكارتل لسنوات، حيث توسط للتوصل لاتفاق ودّي، أدى إلى إجراء أكبر تخفيضات في إنتاج منظمة أوبك على الإطلاق.
أما الآن، فيثير التخلص التدريجي من تلك القيود على إنتاج النفط خلافات جديدة. ففي الشهر الماضي، وصلت محادثات أوبك+ إلى طريق مسدود استمر 5 أيام، حيث اختلفت السعودية والإمارات، وهما حليفتان على مدار سنوات عديدة في المجالين السياسي والطاقة، حول مدى سرعة ضخ كميات كبيرة من النفط في الأسواق.
انقسام الحلفاء
بينما أرادت المملكة تأجيل أيّ زيادة لإنتاج النفط الخام لمدة ثلاثة أشهر، دفعت جارتها الإمارات، الحريصة على ضخ الاستثمارات بالطاقة الإنتاجية والترويج لمعيار نفطي إقليمي جديد، باتجاه تحديد جدول زمني أسرع.
ورغم التوصل إلى حل ّوسط، إلاّ أن الانقسام لفترة وجيزة في شراكتهما الطويلة، حيث لوّحت أبوظبي بمغادرة أوبك، ترك بعض الآثار.
وتسيطر مسألة وتيرة استعادة الإنتاج على اجتماع أوبك+ غداً الاثنين. فحالياً، يخفض التحالف الإنتاج بمقدار 7.2 مليون برميل يومياً أو حوالي 7% من الإمدادات العالمية، وهو قرر إعادة 1.5 مليون برميل يومياً إلى السوق على دفعات جرى تحديدها بعناية.
وأشار نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى استعداد بلاده للمضي قدماً في الاتفاق، مُصرّحاً الشهر الماضي أن الأسعار في النطاق الأمثل بين 45 و55 دولاراً للبرميل. ومُعتبِراً أنه إذا امتنع أوبك+ عن تعزيز الصادرات، فإن المنافسين سيسدون الفجوة بكل سهولة.
برأي جان ستيوارت، المتخصص بملف الطاقة العالمية في " كورنرستون ماكرو"، فإن "السوق بحاجة إلى النفط. ويبدو أن الرأي السائد في أوبك+ هو السعي للحصول على حصة في السوق.. لا يمكنك دعم عودة النفط الصخري الأمريكي".
ولم يصرح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان عن موقف بلاده علانية، مُبقياً بذلك المضاربين في حالة "تأهب".
هناك سبب قوي للمضي قدماً في زيادة الإنتاج. إذ استقرت أسعار النفط فوق 50 دولاراً للبرميل في لندن، رغم تعهد أوبك بتوفير إمدادات إضافية، مدعومة بتطورات اللقاحات والاستخدام القوي للوقود في آسيا.
وقد يظل العرض والطلب على النفط متوازنين على نطاق واسع في النصف الأول من العام الحالي، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية في باريس.
ويؤكد دوج كينج، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق "ميرشنت كوموديتي فاند"، الذي يدير استثمارات بقيمة 170 مليون دولار: "تتمتع السوق بدعم أساسي، على نحوٍ يجب أن تتجاهل زيادة متواضعة في المعروض".
إن خيار زيادة الإنتاج قد يريح بعض أعضاء أوبك مثل العراق، حيث تواجه بغداد أزمة اقتصادية متصاعدة تفاقمت بفعل القيود المفروضة على مبيعات النفط، وتكافح من أجل تجاوز تراكم تخفيضات الإنتاج في 2020.
طلب غير مؤكد
لكن هناك أيضاً حجج عدّة لكبح إنتاج النفط بشكل إضافي حالياً.
إذ لم تتح الفرصة لشركات تكرير النفط حتى الآن لامتصاص ارتفاع الإمدادات خلال شهر ديسمبر، كما أن سلالة كورونا الجديدة الأكثر عدوى تعيق توقعات الطلب.
وبينما لا تتوقع وكالة الطاقة الدولية وجود أي فائض إنتاج جديد، فقد حذرت من أن فائض المخزون الحالي سيستمر حتى نهاية العام إذا رفع أوبك+ الإنتاج.
ورغم انتعاش السوق، لا تزال أسعار النفط الخام أقل بكثير من المستويات التي يحتاجها معظم أعضاء أوبك لتغطية الإنفاق الحكومي.
وأخيراً، يجب على أوبك+ مواجهة تأثير الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن، الذي أشار إلى استعداده لإحياء اتفاق نووي مع إيران يمكن أن يؤدي إلى توافر أكثر من مليون برميل يومياً في السوق من صادرات النفط الخاضعة حالياً للعقوبات الأمريكية.
ويَعتبر بوب مكنالي، رئيس "رابيدان إنرجي غروب" والمسؤول السابق في البيت الأبيض، أنه "من المحتمل أن يزيد أوبك+ الإنتاج في فبراير.. لكن فيما يتعلق بالتغلب على وفرة الخام بسبب كورونا من العام الماضي، فإن التحالف لا يزال بعيدا عن تحقيق هدفه".