تركت واشنطن وبروكسل ثغرة تكفي لمرور ناقلات النفط عبر سياستهما الحالية للعقوبات

نفط وغاز روسيا يتدفقان رغم مناشدات بمقاطعتهما

رجل يحمل يافطة تقول "لا مزيد من غاز بوتين" قرب مبنى البرلمان الألماني - المصدر: بلومبرغ
رجل يحمل يافطة تقول "لا مزيد من غاز بوتين" قرب مبنى البرلمان الألماني - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

استمر الغرب بشراء النفط والغاز الذي تسعى موسكو جاهدة لبيعه في خامس أيام غزو روسيا لأوكرانيا وفيما تستعد كييف لمواجهة الأسوأ، وبالتالي جَنَتْ روسيا مئات ملايين الدولارات في كل يوم منها لتدعم آلة حربها.

تمكنت واشنطن وبروكسل من ترك ثغرة تكفي لمرور ناقلات النفط عبر سياستهما الحالية للعقوبات، ما سمح للتجارة بالاستمرار. أجرى المسؤولون الغربيون اتصالاتهم الهاتفية وطمأنوا التجار وبنوكهم بأنهم قادرون على الاستمرار بشراء ودفع ثمن النفط والغاز الروسيين.

لكن كييف تدعوهم للتوقف عن استيراد النفط والغاز الروسيين. فقد كتب وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا على حسابه الشخصي على "تويتر" خلال عطلة نهاية الأسبوع: "نحن نصر على فرض حظر كامل على النفط والغاز الروسي. عمليات الشراء الحالية تعني دفع ثمن قتل رجال ونساء وأطفال أوكرانيا".

كما هو حال أي إجراء آخر بدا غير مستساغ وغير مرجح قبل بضعة أيام فقط، مثل استهداف خط أنابيب "نورد ستريم 2" ونظام سويفت لتحويل العملات الأجنبية، أو توريد أسلحة هجومية، فإن سلاح النفط يلوح في الأفق كعقاب اقتصادي بإمكانه إثارة رد عسكري خطير.

تصدر روسيا نحو 8 ملايين برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة وغيرها من السوائل النفطية، وهو ما يشكل جزءاً كبيراً من الطلب العالمي الذي يبلغ حوالي 100 مليون برميل يومياً. عادةً ما يتجه نحو ثلثي الإمدادات الروسية إلى دول صناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا.

كهرباء أوروبا

تشعر ألمانيا بالقلق من أن أوروبا لن يكون لديها غاز يكفيها حتى فصل الربيع، وهذا قد يتبعه انقطاع في التيار الكهربائي. كما تخشى الولايات المتحدة ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولاراً أو حتى 200 دولار للبرميل قبل انتخابات التجديد النصفي لديها. تكاد الرسالة تكون متوافقة في واشنطن وبرلين، حيث إن فرض عقوبات على النفط والغاز الروسي سيضر الغرب أكثر من موسكو، ولا يوجد شئ تقريباً من شأنه ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أي في الوقت الراهن لن يحدث هذا الأمر.

لخص جون أرنولد، وهو تاجر سلع أساسية سابق مشهور، تلك المدرسة الفكرية، قائلاً: "مهما بلغ غضب العالم من بوتين، إلا أن هذا الثمن ليس ما يرغب الغرب بدفعه".

يبدو البعض الآخر وكأنه متقبل لهذه الفكرة. فقد طرحت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس خلال عطلة نهاية الأسبوع إمكانية وضع سقف لمشتريات النفط الروسي، وبالتالي خفضها بشكل تدريجي. من المفارقات أن هذه الخطوة تبدو تماماً أشبه لحظر النفط العربي في 1973، الذي حدد تخفيضاً شهرياً في الإنتاج بنسبة 5%. ويتساءل مسؤولون غربيون آخرون، إن لم يكن الآن فمتى؟

لا أستطيع تصور أن الوضع الراهن لتجارة الطاقة يمكن أن يدوم إلى الأبد. إذا لم تسفر المحادثات بين أوكرانيا وروسيا عن بعض النتائج السريعة، فإن الصور ومقاطع الفيديو المروعة التي ستأتي حتماً عقب اندفاع روسيا نحو أكبر المدن الأوكرانية، بما فيها كييف، ستؤدي إلى تصعيد الرأي العام في الغرب.

مرهونة بطول الحرب؟

إذا استمرت الحرب، فإن المسألة ستتعلق بمتى، وليس ما إذا ستُفرض عقوبات على تجارة الطاقة. توقفت بعض شركات التكرير الأوروبية عن شراء النفط الخام الروسي، وهي خطوة تعد بمثابة عقوبات ذاتية تفرضها الشركات على علاقاتها بروسيا. حتى مع تشجيع البيت الأبيض لتجار النفط على الاستمرار، فإن نقل النفط الروسي، خاصة عبر البحر، أصبح أمراً صعباً بشكل متزايد.

أصبحت كندا الإثنين أول دولة في مجموعة السبع تستخدم سلاح النفط. فقد أعلن رئيس الوزراء، جاستن ترودو أن بلاده لن تستورد مزيداً من نفط روسيا، وهي خطوة رمزية بشكل كبير لأن كندا لا تستورد سوى القليل منه، لكن كما قال ترودو إن "هذا الإجراء يرسل رسالة قوية".

وصف تجار النفط هذه الخطوة لي بهذه الطريقة: لا شيء على الصعيد الرسمي يعيق تجارة الطاقة، لكن هناك الكثير من الشوائب التي من شأنها التأثير على حركتها، لذا ثمة تهديد بعطل قد ينشأ في أي وقت.

يؤشر سعر تداول خام أورال الروسي الرئيسي على مدى إحجام السوق عن شراء النفط الروسي حيث بلغ أدنى مستوى له مقارنة بخام برنت القياسي، فقد بلغ الفارق يوم الجمعة 11.50 دولار للبرميل. ومن المرجح أن تتسع الفجوة في السعر بين خامي النفط أكثر.

من المؤكد أن الصين والهند قد تشتريان المزيد، لكن البلدين ليس بإمكانهما أن يحلا محل الطلب الأوروبي. إذا نضب الطلب، فإن الخام الروسي سيبدأ بالعودة إلى الموانئ، وبالتالي فإنه في ظل التخزين المحلي المحدود، ودون خيار تحويل الناقلات إلى وحدات تخزين عائمة، سيضطر المنتجون الروس لإغلاق الآبار، ما قد يلحق بها ضرر دائم.

اللجوء للاحتياطيات

لدى الدول الغربية تدابير طارئة. فقد وضعت واشنطن، خلال محادثات مع الدول الأوروبية ووكالة الطاقة الدولية، خطة لإطلاق ما بين 60 و 75 مليون برميل من احتياطيات النفط الاستراتيجية للغرب هذا الأسبوع، إذا لزم الأمر. رُتب الاجتماع الوزاري الطارئ لوكالة الطاقة الدولية الثلاثاء للتصريح بالإفراج عن تلك الاحتياطيات واستكشاف مزيد من التدابير.

لا ترى منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفاؤها "أوبك +" حتى الآن ضرورة للحياد عن خطتها لتعزيز الإنتاج الشهري بمقدار 400 ألف برميل يومياً، لكن قد تشعر السعودية والإمارات بضرورة استخدام طاقتهما الفائضة في حال نشوب اضطراب فعلي.

هناك حاجة للمزيد، حتى لو واجه نصف النفط الروسي فقط عقوبات رسمية أو اتخذت الشركات قرارات بوقف التعامل مع روسيا. يجب أن تكون احتياطيات النفط الطارئة التابعة لوكالة الطاقة الدولية نظرياً قادرة على استيعاب نقص ما يصل إلى 5 ملايين برميل يومياً لبضعة أشهر، لكن الغرب سيحارب اضطراباً لا نهاية منظورة له بمخزون محدود. من هذا المنطلق، يتوقع السوق أن تُستنفذ الاحتياطيات عاجلاً أو آجلاً، وأن ترتفع أسعار النفط أيضاً.

إن الخطر الأكبر الكامن وراء استخدام سلاح النفط والغاز عسكرياً وليس اقتصادياً، إذ يمكن أن يعتبره الكرملين قدحاً لزناد حرب.

تجني روسيا نحو مليار دولار في اليوم من تصدير نفطها وغازها وفقاً للأسعار السائدة، وخفض هذه القيمة يوازي مذبحة بالنسبة للنظام الاقتصادي. لقد وضع بوتين بالفعل قوة الردع النووي في حالة تأهب قصوى، وبالتالي إذا وُضع النفط والغاز على الطاولة، فإن بوتين سيزاود على ذاك الرهان.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
Javier Blas

Javier Blas

Energy and commodities columnist at Bloomberg.
للإتصال بكاتب هذا المقال:@JavierBlas