ظهر الشرّير الذي يُفسِد محاولة الصين السيطرة على أسعار الطاقة وإلجامها. إنه القطاع الصناعي عديم الكفاءة والمتعطش دائماً إلى الكهرباء.
رغم محاولة الحكومة زيادة الإنتاج، يتسبب الفيضان في مقاطعة شانكسي، مركز إنتاج الفحم في الصين، في زيادة أسعاره إلى 1508 يوانات (234 دولاراً) للطن المتري.
يترتب على ذلك أن الحكومة ستحتاج إلى اتخاذ إجراءات إضافية من أجل منع تعطل التوربينات في محطات توليد الكهرباء وما ينتج عن ذلك من انقطاع التيار والإظلام في شتاء الصين الشمالية البارد. ومعنى ذلك ممارسة ضغوط على المصانع التي تستهلك نصيب الأسد من الكهرباء.
فحم الصين يبلغ الذروة بعد فيضانات ضربت إمداداته
الأمطار الغزيرة والفيضانات تجبر أكبر مقاطعة منتجة للفحم في الصين على توسيع تجميد الإنتاج
استهلاك هائل للكهرباء
في الولايات المتحدة، يشكّل طلب القطاع الصناعي نحو 25% فقط من إجمالي الطلب على الكهرباء، فيما يصل في الصين إلى 59% من الإجمالي، بما يزيد على مجموع استهلاك جميع المنازل والمتاجر والمكاتب في البلاد.
تمثّل الكهرباء الرخيصة واحدة من الأدوات الضرورية في عملية التنمية، وتشجّع الحكومة تقليدياً كبار المستهلكين بأسعار للكهرباء تقلّ كلما زاد استهلاكهم.
ومع اعتماد شبكة الكهرباء على الفحم في ثلثَي إمداداتها، تحدد تكلفة استخراج الفحم من المناجم قيمة ما تدفعه الشركات الصناعية المستهلِكة مقابل الكهرباء.
الصين تتأهب لخفض صادرات الوقود لمواجهة الطلب المحلي
ارتفاع أسعار الفحم
المشكلة أن أسعار الفحم ليست في طريقها إلى الانخفاض. وقد قفزت التكاليف السنوية بنسبة 40% في عام 2017 بعد فترة ممتدة من الانكماش قبل عام 2016، عندما أُغلق عدد كبير من المناجم الخطرة غير الخاضعة للإشراف والرقابة.
ولم تعُد الأسعار إلى الانخفاض حتى انتشر فيروس كوفيد-19، ومنذ ذلك الوقت ارتفعت بنسبة 57% في أغسطس الماضي مقارنة باثني عشر شهراً سابقة.
ربما كانت هذه الزيادة مقبولة إذا كان المستهلكون النهائيون يحوّلون هذه الكهرباء إلى سلع عالية القيمة، ولكن في معظم الأحوال لا يحدث ذلك.
وتستهلك الصين حالياً كمية أكبر من الكهرباء لكل فرد مقارنة مع المملكة المتحدة وإيطاليا، ولكنها لا تقترب منهما من حيث الناتج الاقتصادي.
تقليل الانبعاثات الكربونية
وفي إصرار على تحقيق أهداف الرئيس تشي جين بنغ بوقف زيادة انبعاثات الكربون بحلول عام 2030، وتحقيق صفر انبعاثات بحلول 2060، يركز صُناع القرار على القطاعات التي يطلق عليها "مزدوجة الارتفاع" –أي تلك التي يرتفع فيها استهلاك الكهرباء وانبعاثات الكربون معاً–باعتبارها مصدر المشكلة.
وهي الصناعات الكثيرة التي حققت أسرع معدل للنمو في العقود الأخيرة، مثل الإسمنت والصلب والمعادن الأساسية وتكرير البترول والكيماويات والزجاج، وهي في مجموعها مسؤولة عن أكثر من نصف الانبعاثات الكربونية في الصين.
تعديل قواعد التسعير
بمقتضى القواعد المعدّلة التي أصدرها واضعو الخطة الاقتصادية لدى "الهيئة الوطنية للإصلاح والتنمية" هذا الأسبوع، سيستمر مستهلكو الكهرباء في الأغراض السكنية والزراعية في دفع تعريفة ثابتة للكهرباء، فيما يتحمّل مستهلكون آخرون بمعدلات قليلة أسعاراً متغيرة للكهرباء داخل نطاق معيّن.
ومن ناحية أخرى، لن تُفرَض قيود على الأسعار التي تتحملها الصناعات كثيفة الاستهلاك. ونتيجة ذلك، سيقع على عاتقها كل تكلفة إحداث التوازن في ميزانية المرافق، وسيؤدي ذلك إلى تخفيف ضغوط الطلب على الشبكة، ويشجع الشركات المستهلكة التي تفتقد الكفاءة على التطوير وتحقيق قيمة مضافة، حسب تصريحات وان جين سونغ، مدير التسعير لدى "الهيئة الوطنية للإصلاح والتنمية"، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء الماضي.
رفع التكاليف عالمياً
يبدو أن في ذلك حلاً جيداً، غير أننا لا ينبغي أن نستخفّ بتأثيراته الخارجية. خلال العقود الأخيرة ارتبط العالم بانخفاض أسعار الكهرباء في الصين من أجل صناعة عديد من السلع، فنحو نصف كمية المعادن يُنتَج داخل الصين، كما أن خُمس إجمالي النفط في العالم يُكرَّر هناك.
من "أيفون" إلى الحليب.. أزمة الطاقة في الصين تضرب جميع السلع حول العالم
وتعتمد المنتجات كثيفة استهلاك الطاقة من الألمنيوم إلى الألواح الشمسية إلى البتكوين على تكلفة الكهرباء الرخيصة للقطاع الصناعي في الصين من أجل تخفيض التكاليف.
ومع توقع ارتفاع أسعار الكهرباء بالنسبة إلى القطاعات كثيفة استهلاك الكهرباء وانبعاثات الكربون، فقد لا نرى نهاية للضغوط التضخمية التي تتدفق، متخللة الاقتصاد العالمي من مناجم شانكسي التي أغرقها الفيضان.
إذا كانت الصين تريد إدارة هذا الانتقال دون أن تُحدِث شللاً في الاقتصاد، فيجب عليها أن ترفع الضغوط عن جانب العرض في نظام الطاقة، وفي نفس الوقت تتخذ إجراءات من أجل خفض نمو الطلب.
الاعتماد على الطاقات المتجددة
وهنا تتدخل الطاقة المتجددة. في نفس وقت إلغاء تخفيض الأسعار على الصناعات كثيفة الاستهلاك، كذلك تُرفع حدود الطاقة الإنتاجية عن مشاريع توليد الكهرباء من مصادر خالية من انبعاثات الكربون.
واجهت مقاطعات الصين قبل ذلك قيوداً على كمية الطاقة الكهربائية التي يُسمح لها باستهلاكها، وهذا هو أحد العوامل الذي ربما أسهم في معظم حالات قطع التيار في الفترة الأخيرة.
ستُرفع هذه القيود مستقبلاً بالنسبة إلى أعمال توليد الكهرباء من مصادر متجددة، مما يوفر دوافع قوية لدى حكام المقاطعات للتخلي عن استخدام الطاقة الكهربائية المستخرجة من الفحم بتكلفتها العالية وقيود الاستهلاك المفروضة عليها، واستبدال طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية ثابتة التكلفة بها، ودون قيود على الاستهلاك.
الصين تكشف عن مشروع ضخم للطاقة المتجددة بقدرة 100 غيغاوات
الانتقال إلى الطاقة النظيفة
في ضوء أن توليد الكهرباء النظيفة الخالية من الكربون أرخص فعلاً من معظم محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، فإنّ هذه التغييرات قد تكون حافزاً على أن تفطم الصين من إدمان الاعتماد على الوقود الثقيل. وسيصبح بالإمكان توليد النسبة الأكبر من الكهرباء من الرياح أو المحطات الشمسية أو المصادر الهيدروليكية أو النووية.
أما محطات الكهرباء الحرارية فسيجري زيادتها أو تخفيضها باستمرار حتى تغطي الطلب في أوقات الذروة، وستُسعَّر بطريقة تفاضلية على مدار اليوم بما يسمح لها بتحقيق أرباح بعد غروب الشمس أو في فترات ضعف الرياح.
كل ما هو مطلوب حتى يعمل هذا النظام بكفاءة عالية أن تطلق بكين شهية الاستثمار الكبيرة عند حكوماتها الإقليمية على وليمة توليد الكهرباء الرخيصة عديمة الانبعاثات الكربونية المتاحة حالياً.
فحتى الآن، ما زالت الصين مترددة وترفض هذا النوع من الانتقال السريع الذي تحتاج إليه هي ومناخ الكرة الأرضية.
وينبغي أن تكون حالة الاضطراب والترنح في منظومة الكهرباء لديها التي تعتمد على الفحم في ذاتها محفزاً في تسريع عملية الانتقال.