أثار الانهيار السريع لحكومة أفغانستان أمام حركة طالبان مخاوف من وقوع كارثة إنسانية، كما أثار أزمة سياسية للرئيس الأمريكي جو بايدن، وتسبب في مشاهد من الإحباط في مطار كابول. أيضًا أثار تساؤلات حول ما حدث لأكثر من تريليون دولار أنفقتها الولايات المتحدة في محاولة لإحلال السلام والاستقرار في بلد مزقته عقود من الحرب.
في حين أن معظم هذه الأموال ذهب إلى الجيش الأمريكي، فقد أُهدرت مليارات الدولارات على امتداد الطريق، مما أدى في بعض الحالات إلى تفاقم جهود بناء علاقات مع الشعب الأفغاني الذي كان الأمريكيون يقصدون مساعدته.
أمضت هيئة رقابية خاصة شكّلها الكونغرس الأمريكي السنوات الـ13 الماضية في توثيق نجاحات وإخفاقات الجهود الأمريكية في أفغانستان. في حين أن الحروب دائماً ما تكون سبباً للهدر، فإن الأموال الأمريكية التي جرى إنفاقها على نحو خاطئ تبدو واضحة كالشمس، لأن الولايات المتحدة كان لديها 20 عاماً لتغيير مسارها.
في ما يلي 10 مشاريع حددتها هيئة رقابة أمريكية –هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان، أو "سيغار" (Sigar)- بأنها مجهودات مهدرة:
طائرات بقيمة 549 مليون دولار بيعت "خردة"
تضمنت الجهود المبذولة لبناء سلاح جوي أفغاني إنفاق ما لا يقل عن 549 مليون دولار على 20 طائرة إيطالية الصنع من طراز "جي 222" مزدوجة التوربين. لكن تُركت 16 من الطائرات عالقة وسط أعشاب مطار كابول الدولي بعد أن أدت مشكلات الصيانة المستمرة إلى جعلها غير قابلة للطيران. جرى بيعها في النهاية خردة مقابل 6 سنتات للرطل، أي مقابل 32 ألف دولار.
أبلغت وزارة العدل في مايو 2020 هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان أنها "لن ترفع دعوى خاصة بالقضايا الجنائية والمدنية المتعلقة ببرنامج الطائرات (جي 222) الفاشل، ونتيجة لذلك لن يُحاسَب أي شخص".
طريق لا يؤدي إلي شيء
أنفقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 176 مليون دولار لبناء طريق بطول 101 كيلومتر (63 ميلاً) بين مدينة غارديز وإقليم خوست. وبعد أقل من شهر من الانتهاء وجد مفتشو إعادة إعمار أفغانستان أن خمسة قطاعات قد دُمرت، كما جرى تجريف جزأين آخرين، وفقاً لمراجعة شهر أكتوبر 2016.
فشل نقل الكهرباء
وجد المفتشون أن سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي أساء إدارة عقد بقيمة 116 مليون دولار مع شركة أفغانية لبناء محطة كهرباء لإمداد الطاقة لأكثر من مليون أفغاني.
أدى سوء الإدارة إلى إنفاق الولايات المتحدة ما يقرب من 60 مليون دولار على مشروع لم يكن قيد التشغيل "لأن قضايا حيازة الأراضي وحق الطريق لم تُحَلّ، ولم يكن في العقد بند لربط نظام النقل بطريقة دائمة بمصدر الكهرباء، حسب ما ذكرته هيئة التفتيش العامة الخاصة بإعادة إعمار أفغانستان في شهر مارس 2018.
وجد مدققو هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان أن النظام قد يكون أيضاً "غير سليم من الناحية الهيكلية ويشكل خطراً" على الأفغان الذين يعيشون بالقرب من أبراج وخطوط النقل، أو يعملون في محطة فرعية قريبة.
تمويه الغابة
أنفقت الولايات المتحدة ما يصل إلى 28 مليون دولار لشراء زي رسمي عسكري للجيش الأفغاني بأنماط مموهة لا تتناسب مع البيئة. لكنّ مسؤولي البنتاغون قالوا إنه جرى اختيار التصميم لأن وزير الدفاع الأفغاني في ذلك الوقت اعتقد أنه يبدو جيداً.
وأضاف تقييم أُجري في يونيو 2017: "لقد أحب أنماط الغابات والحضر والمعتدلة".
في مذكرة إلى القوة في ذلك العام، قال وزير الدفاع آنذاك، جيم ماتيس: "بدلاً من تقليل هذا التقرير أو تبرير قرارات تبديدية، أتوقع من جميع مؤسسات وزارة الدفاع أن تستخدم هذا الخطأ محفزاً لتسليط الضوء على ممارسات التبذير".
"مبانٍ ذائبة"
أنفقت الولايات المتحدة 500 ألف دولار مع مقاول أفغاني في مايو 2012 لبناء ساحة للتدريب بمركز تدريب الشرطة الخاصة الأفغانية في مقاطعة "لوغار". وقد صُممت لمحاكاة قرية أفغانية نموذجية واستخدامها لإجراء محاكاة لعمليات البحث والتطهير.
لكنّ المفتشين وجدوا أن المياه قد بدأت في اختراق الجدران في غضون أربعة أشهر من سيطرة الولايات المتحدة على ساحة التدريب. كان الطوب المستخدم في البناء يحتوي على كثير من الرمل وقليل من الطين، وبدأ في التآكل. ووصفت عملية تدقيق جرت في شهر يناير من عام 2015 الهياكل باسم " مبانٍ ذائبة".
الحرب على المخدرات
لطالما كانت أفغانستان أكبر منتج لخشخاش الأفيون في العالم. إلى جانب الخسائر البشرية، كان يُنظر إلى تجارة المخدرات الأفغانية على أنها تقوّض أهداف إعادة الإعمار والأمن من خلال تمويل الجماعات المتمردة، وإذكاء الفساد الحكومي وتقويض شرعية الدولة.
على مدى 15 عاماً، أنفقت الولايات المتحدة نحو 8.6 مليار دولار على جهود مكافحة المخدرات الأفغانية. ومع ذلك، بحلول عام 2017، وصلت زراعة الخشخاش وإنتاج الأفيون إلى مستويات قياسية، و"لا يزال إنتاج المخدرات والاتجار بها مترسخين"، كما جاء في تقرير هيئة التفتيش العامة، الخاصة بإعادة إعمار أفغانستان.
مقر قيادة فارغ
أنفق الجيش الأمريكي 36 مليون دولار على منشأة للقيادة والسيطرة تبلغ مساحتها 64 ألف قدم مربع (5,950 متر مربع) في معسكر "ليذرنيك" في إقليم "هلمند"، التي كانت بها غرفة حرب ومسرح إحاطة صحفية ومساحة مكتبية تكفي لـ1,500 شخص.
كتب أحد مدققي هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان في شهر يوليو 2013: "يبدو أنه أفضل مبنى مشيد رأيته في رحلاتي في أفغانستان. لسوء الحظ، هو غير مستخدم وغير مشغول، ومن المفترض أنه لن يجري استخدامه أبداً للغرض المقصود منه".
فندق مقصوف
اكتشفت هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان "عيوباً خطيرة في الإدارة والإشراف" بقيمة 85 مليون دولار متعلقة بالقروض التي قدمتها مؤسسة "أفورسيس برايفت إنفسمتنت كوروبريشين" (Overseas Private Investment Corporation) لتشييد فندق مكون من 209 غرف، بالإضافة إلى مبنى سكني مجاور يضم 150 غرفة يسمى "كابول غراند ريزيدنس"، يقع مباشرة مقابل السفارة الأمريكية في كابول.
وجدت عملية تدقيق في شهر نوفمبر من عام 2016 أن كلاً من الفندق والمبنى السكني غير مكتمل، وأن قذائف فارغة متروكة، كما جرى التخلف عن سداد القرضين.
معسكر غير مستخدم
أنفق البنتاغون 3.7 مليون دولار لبناء معسكر قرب حدود تركمانستان للجيش الوطني الأفغاني. على الرغم من كونه جاهزاً للاستخدام جزئياً في وقت تقييم هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان في عام 2013، فإنه ظل غير مستخدم مع أن "جميع المناطق الأساسية -مثل مبنى الإدارة والمراحيض وميادين الرماية- فارغ".
قال مسؤول في البنتاغون للمفتشين إن المعسكر لم يُستخدم لأنه يفتقر إلى صالة طعام.
جيش أفغانستان
أنفقت الولايات المتحدة نحو 83 مليار دولار على مدار ما يقرب من 20 عاماً في محاولة للوقوف على قوة يمكنها محاربة حركة طالبان وضمان استقرار أفغانستان. لكن طالبان أعادت بناء قوتها وانهار الجيش الأفغاني في أسابيع مع انسحاب الولايات المتحدة. حتى القادة العسكريون الأمريكيون بدوا مذهولين من تقدم المسلحين.
وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، يوم الأربعاء: "لا توجد تقارير تفيد بأنني توقعت تبخر قوة أمنية قوامها 300 ألف شخص خلال 11 يوماً".
شحنت الولايات المتحدة مئات الأطنان من المعدات، لكن مع اقترابهم من كابول استولى مقاتلو طالبان على طائرات حربية وطائرات هليكوبتر وأسلحة وذخيرة مقدمة من الولايات المتحدة مخصصة للجيش الأفغاني.
سُئل جون سوبكو، الذي أشرف على تدقيقات هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان، الشهر الماضي، قبل الانهيار الأفغاني، عما إذا كان الإنفاق العسكري قد ضاع. فأجاب: "هذا أمر صعب، ومن الصعب القول إن كل شيء قد ضاع. وعلى الرغم من وجود مشكلات خطيرة، ولدي مخاوف جدية وأعتقد أن جيشنا لديه مخاوف جدية ومعظم المراقبين لديهم مخاوف جدية، فإن القصة لم تنتهِ بعد. لم يجرِ عرض المشهد الأخير. لا يزال بإمكانهم قلبه".