إحباط محاولات دخول البلاد إلى الاتحاد الأوروبي دفع أنقرة للتقدم بطلب رسمي للمجموعة حديثة العهد

لماذا تسعى تركيا للانضمام إلى "بريكس" رغم عضويتها في الناتو؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - بلومبرغ
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في حقبة الأربعينيات كانت تركيا تخشى من روسيا؛ فأصبحت حليفة للولايات المتحدة، وسرعان ما انضمت إلى "الناتو"، وهو التحالف العسكري الذي تأسس لحماية أوروبا من الهجوم السوفييتي خلال الحرب الباردة.

لكن منذ وصول الرئيس رجب طيب أردوغان إلى السلطة في عام 2003، بدأ تدريجياً في إعادة تقديم تركيا باعتبارها قوة مستقلة قادرة على تكوين صداقات جديدة حتى لو أغضبت الأصدقاء القدامى. 

وعلى مدى العقد الماضي، سعت تركيا للتقارب مع عدد من خصوم الولايات المتحدة، بما في ذلك الصين وروسيا، وإيران، إذ دفعتها عدم الثقة المتزايدة في القوى الغربية، للبحث عن إقامة شراكات جديدة. وفي الوقت الراهن تسعى تركيا للانضمام إلى تلك الدول الثلاث في مجموعة بريكس التي تضم دولاً ناشئة. 

لماذا تسعى تركيا للانضمام إلى "بريكس"؟ 

في ظل الشعور بالإحباط الناجم عن عدم إحراز تقدم في محاولتها المستمرة منذ عقود للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، طلبت تركيا رسمياً الانضمام إلى بريكس. ويتمثل الهدف من الخطوة، حسب أشخاص مطلعين على الأمر، في تعزيز نفوذ تركيا على الساحة العالمية وتكوين علاقات جديدة خارج نطاق حلفائها الغربيين التقليديين. 

يقول المسؤولون في إدارة أردوغان إن مركز الثقل الجيوسياسي يتحول بعيداً عن الاقتصادات المتقدمة، وإن الانضمام إلى بريكس يمكن أن يعزز العلاقات الاقتصادية لتركيا مع روسيا والصين. 

مجموعة بريكس -التي تحمل الأحرف الأولى من أسماء الدول الأعضاء الأوائل، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا— تضم بعضاً من أكبر الاقتصادات الناشئة، وتقدم نفسها بديلاً لما يراه المشاركون، مؤسسات يهيمن عليها الغرب مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. 

ويمكن لأعضاء "بريكس" الجدد توسيع علاقاتهم السياسية والتجارية والحصول على تمويل من خلال بنك التنمية الخاص بالمجموعة. وانضمت أربع دول جديدة إلى بريكس وهي إيران والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا ومصر، في بداية عام 2024. ومن المقرر أن يشارك أردوغان في قمة بريكس المقررة بكازان، روسيا، التي التي تنطلق أعمالها اليوم. 

ما سبب التوتر بين تركيا والغرب؟

خلال معظم سنوات الحرب الباردة، كانت روسيا بمثابة الدولة المجاورة المعادية التي دفعت تركيا إلى البحث عن حلفاء أقوياء للدفاع عن أراضيها. لكن العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين بدأت في التدهور منذ حوالي عقد.

اتهم أردوغان الحكومات الغربية بدعم الاحتجاجات المناهضة لحكومته التي اندلعت في تركيا خلال عام 2013 عقب انتفاضات الربيع العربي. وفي عام 2014، عندما بدأت الولايات المتحدة في تقديم الأسلحة إلى المسلحين الأكراد في سوريا الذين كانوا يساعدون في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، اعتبرت تركيا، التي تخوض صراعاً مع الانفصاليين الأكراد، الخطوة بمثابة خيانة.

تعززت قناعة تركيا بضرورة أن تتولى الدفاع عن نفسها بنفسها خلال أكتوبر 2015، عندما سحبت الولايات المتحدة ثم ألمانيا الدفاعات الجوية من البلاد، بعد حملتها ضد العنف المتزايد الذي يشنه المسلحون الأكراد.

وبعد شهر، وتحت ضغط من الولايات المتحدة، ألغت تركيا خطتها لشراء نظام دفاع صاروخي من شركة صينية تديرها الدولة، وفُرضت عليها عقوبات من جانب واشنطن  بسبب ما تردد عن بيعها صواريخ إلى إيران.

متظاهرون يطلقون الألعاب النارية باتجاه سيارة مدرعة للشرطة خلال اشتباكات مع الشرطة التركية في إسطنبول في 27 أغسطس2015 ( صورة أرشيفية)-
متظاهرون يطلقون الألعاب النارية باتجاه سيارة مدرعة للشرطة خلال اشتباكات مع الشرطة التركية في إسطنبول في 27 أغسطس2015 ( صورة أرشيفية)- - بلومبرغ

 

تصاعد خطاب أردوغان المناهض للغرب بعد محاولة فاشلة من أتباع رجل دين كان يقيم في الولايات المتحدة للإطاحة بحكومته خلال عام 2016. 

في العام نفسه، توقفت المفاوضات بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وبعد عام، اشترت تركيا نظام دفاع صاروخي روسي متقدم يحمل اسم (إس-400). واستلمت تركيا  النظام الصاورخي الروسي في عام 2019 بعد أن توقفت محادثات الحصول على نظام دفاع أميركي مماثل وهو "باتريوت"، بسبب رفض واشنطن تقاسم التكنولوجيا.

بعد إبرام صفقة "إس-400"، منعت الولايات المتحدة تركيا من شراء طائرات مقاتلة من طراز "إف-35" بسبب مخاوف من احتمال استخدام النظام الروسي لجمع معلومات استخبارية بشأن قدرتها على التخفي. 

فرضت الولايات المتحدة في وقت لاحق، عقوبات قطعت فعلياً العلاقات بين الوكالة التركية الرئيسية لشراء الدفاعات والمؤسسات المالية الأميركية، مما حرمها من الحصول على المعدات العسكرية والتكنولوجيا. 

ويزيد خطاب أردوغان المناهض المتزايد لإسرائيل من تعقيد علاقات تركيا مع الشركاء الغربيين، إضافة إلى انتقاده لإمدادات الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة إلى تل أبيب وسط حملتها العسكرية العقابية التي تشنها في قطاع غزة ضد حركة حماس الفلسطينية. كما احتضن أردوغان حركة حماس، بينما تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.

ما العلاقات الجديدة التي تعززها تركيا؟

 فتحت تركيا مقرات لعشرات البعثات الدبلوماسية في أفريقيا وأميركا اللاتينية إذ يسعى أردوغان للعب دور رئيسي في الشؤون العالمية. كما وعد أن تكون تركيا أول دولة من حلف الناتو تنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعة أمنية دولية بقيادة الصين كانت تركز نشاطها أساساً على دول آسيا الوسطى، ولكنها تتوسع الآن نحو الشرق الأوسط.

أصبحت روسيا شريكاً اقتصادياً رئيسياً لتركيا، حيث وفرت 42% من استهلاكها للغاز الطبيعي، كما أرسلت 6.3 مليون سائح إلى البلاد في العام الماضي. وتقوم الشركة الحكومية الروسية، "روساتوم"، ببناء محطة طاقة نووية بتكلفة 24 مليار دولار على ساحل تركيا المُطِّل على البحر المتوسط، وطلبت الحكومة التركية منها بناء محطة أخرى.

تُجري تركيا محادثات مع الصين لبناء محطة نووية ثالثة. كما تسعى لجذب مزيد من الاستثمارات الصينية في مصانع إنتاج السيارات الكهربائية، وكذلك إقامة شراكة مع الصين لمعالجة احتياطي من العناصر الأرضية النادرة، بما في ذلك استخراج العناصر من الأرض وتحويلها إلى شكل يمكن استخدامه في الصناعة. 

ما المخاطر والنتائج المحتملة لانضمام تركيا إلى "بريكس"؟ 

استراتيجية أردوغان في الحفاظ على توازن العلاقات بين روسيا والغرب، تعيق الجهود الغربية الرامية إلى تشكيل جبهة موحدة للضغط على موسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وفي يوليو، حذر أردوغان الدول الأعضاء في "الناتو" من اتخاذ خطوات من شأنها أن تجر الحلف إلى الحرب. فيما حذر مسؤولون أميركيون مراراً من أن الكيانات التركية تواجه خطر خرق العقوبات الأميركية ضد المؤسسات الروسية وحماس. لكن إذا مارست الولايات المتحدة الضغوط الشديدة على أردوغان، فقد يؤثر ذلك سلباً على العلاقات مع دولة تعتبرها الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. 

تستضيف تركيا رؤوساً نووية أميركية في قاعدة جوية بالقرب من سوريا وراداراً للإنذار المبكر، ويُعد جزءً من قدرات الدفاع الصاروخي الباليستي لحلف الناتو. كما استقبلت تركيا ملايين اللاجئين من الشرق الأوسط وآسيا وعملت كحاجز ردع أمام تدفقهم إلى أوروبا.

بدورها، تحرص تركيا على تجنب أي خطوة قد تعرض عضويتها في أهم تحالف عسكري للخطر، أو تتسبب في وقف صفقة شراء طائرات "إف-16" أميركية الصنع و تحديث معداتها العسكرية الأخرى.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك