لن يستطيع ماسك أو غيره السيطرة على الإنفاق في ميزانية ترمب

إيلون ماسك - المصدر: بلومبرغ
إيلون ماسك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يفضل دونالد ترمب فرض تخفيضات ضريبية كبيرة، مع تعهده بحماية مزايا الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، ويعد أيضاً بتقليص معدلات الهجرة بشكل كبير. لكن هذه السياسات تجعل من الصعب الحفاظ على برامج التقاعد لفترة أطول. من الناحية الحسابية، هذه المعادلة غير قابلة للتطبيق، خاصة في ظل اقتصاد يعاني من ضغوط التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.

خطة ترمب وماسك للقضاء على الهدر الحكومي

وهنا يظهر دور إيلون ماسك حيث تتضمن الخطة الاقتصادية الجديدة لترمب أنه سيعتمد على لجنة حكومية لزيادة الكفاءة، ويقترح أن يرأسها ماسك، بهدف القضاء على الهدر في النظام وتحقيق التوازن المالي المنشود.

سياسياً، تعد هذه الخطوة ذكية. ولكن هناك حقيقة يجب أن يدركها ترمب وماسك، وهي أن الحكومة الفيدرالية فعالة بالفعل في وظيفتها الأساسية، وهي تحويل الأموال إلى كبار السن.

يجب على ترمب أم يحاول القضاء على الهدر في النظام الحكومي وتحقيق التوازن المالي المنشود ومراعاة حقوق كبار السن
يجب على ترمب أم يحاول القضاء على الهدر في النظام الحكومي وتحقيق التوازن المالي المنشود ومراعاة حقوق كبار السن - بلومبرغ

 

سواء أحببت ماسك أم لا، من الواضح أنه شخص مجتهد، واهتمامه بالتركيز على المنتجات قاد إلى نجاح شركاته مثل "تسلا" و"سبيس إكس". أما استحواذه على "تويتر" فلم يكن بنفس النجاح من الناحية التجارية، رغم أنه نفذ تسريحات جماعية أثارت انتقادات واسعة من اليسار (وهو ما يعتبره ترمب مكسباً)، إلا أن الأمور استقرت في النهاية (وهو أمر قد لا يعني ترمب كثيراً). اللافت أن ماسك قد يكون قادراً على تحقيق الأمر ذاته مع الحكومة الفيدرالية من خلال تدقيق الحسابات، وتخفيض عدد البيروقراطيين، والاستغناء عن الأشخاص المسؤولين عن بعض المشاكل. فكرة تحقيق التوازن في الميزانية من خلال القضاء على الهدر ليست جديدة، فقد كانت شائعة في الثقافة الشعبية خلال التسعينات، كما تجسدت في أفلام مثل "ديف" وكتب مثل "أوامر تنفيذية". 

هذا يثير تساؤلاً حول سبب إقدام رؤساء في العالم الحقيقي، مثل جورج بوش الأب وبل كلينتون، على توقيع قوانين تهدف إلى تقليص العجز المالي تضمنت زيادات ضريبية غير مرغوبة وتخفيضات في الإنفاق. هل كانوا يفتقرون إلى المحاسبين المناسبين؟

الأرجح أن هذه الفكرة ستستمر في الظهور ليس لأنها قابلة للتنفيذ فعلياً، بل لأنها جذابة سياسياً.

في الواقع، البند الأكبر في ميزانية الحكومة هو الضمان الاجتماعي، الذي يُدار بكفاءة مدهشة. البنود الكبيرة الأخرى تشمل الفائدة على الديون، التي رغم أنها ليست أفضل استخدام للأموال، إلا أنها لا تتعلق بالكفاءة بشكل مباشر. كما أن هناك الجيش، الذي يسعى ترمب إلى زيادة الإنفاق عليه بدلاً من تقليصه.

تتضمن الخطة الاقتصادية الجديدة لترمب أنه سيعتمد على لجنة حكومية لزيادة الكفاءة
تتضمن الخطة الاقتصادية الجديدة لترمب أنه سيعتمد على لجنة حكومية لزيادة الكفاءة - بلومبرغ

أما البنود الكبيرة الأخرى في الإنفاق المحلي فهي الرعاية الطبية (Medicare) وبرنامج المساعدات الطبية (Medicaid). السؤال هنا هو: هل يمكن جعل هذه البرامج أكثر كفاءة؟ هذا يعتمد جزئياً على كيفية تعريف الكفاءة. تكاليف الإدارة لهذه البرامج منخفضة للغاية مقارنة بشركات التأمين الخاصة، وهو ما يمكن اعتباره سيفاً ذا حدين. تستفيد الرعاية الطبية من حجمها الكبير لفرض دفع مبالغ أقل للأطباء والمستشفيات مقارنة بما يدفعه القطاع الخاص، وهي استراتيجية فعالة إلى حد ما. أما برنامج المساعدات الطبية فيدفع معدلات أقل حتى، مما يؤدي إلى رفض بعض مقدمي الرعاية الطبية قبول المرضى المعتمدين عليه.

النتيجة هي أن هذه البرامج، مثل الرعاية الطبية والمساعدات الطبية، لا تحتوي على هدر كبير يمكن تقليصه دون التأثير على الخدمات المقدمة. الفرصة الكبيرة الوحيدة لتخفيض التكاليف دون التأثير على جودة الرعاية، هي تلك التي بدأ الرئيس جو بايدن بالفعل في استغلالها جزئياً؛ من خلال استخدام القوة الشرائية للرعاية الطبية لإجبار شركات الأدوية على تقديم أسعار أقل لعشرة أدوية شائعة. يمكن توسيع هذه الخطوة لتوفير مزيد من الأموال دون التأثير على قدرة المرضى على الحصول على الأدوية. ومع ذلك، يعارض المحافظون هذه الفكرة، حيث يرون أن الأرباح الكبيرة من الأدوية الناجحة ضرورية لتمويل البحث والتطوير.

بعيداً عن الدخول في هذا الجدل، يمكن القول إن مفهوم "الهدر الحكومي" غالباً ما يكون مسألة وجهة نظر.

في الشركات الخاصة مثل "تسلا" أو "إكس"، تكون الحسابات المالية واضحة: إما أن يؤدي بند معين إلى تحقيق إيرادات أو لا. قد يكون من الصعب أحياناً التنبؤ بجدوى بعض النفقات، ولكن في النهاية تكون النقاشات عادةً واضحة. الأمر يختلف بالنسبة للرعاية الطبية، التي تميل إلى قبول المطالبات بشكل أكبر مقارنة بالتأمين الخاص، وهذا أمر يفضله العديد من كبار السن. هناك اقتراحات لتطبيق تحليل أكثر صرامة لتكاليف وفوائد تغطية الرعاية الطبية، لكن ذلك قد يؤدي إلى زيادة البيروقراطية بدلاً من تقليصها. وهذا هو الجدل الذي أثير في عهد أوباما حول "لجان الموت".

إذا تفحّص إيلون ماسك ميزانية الحكومة الفيدرالية بنداً بنداً، فسيجد أن الكثير من الحالات تشبه ما ذكرته؛ إذ قد يكون هناك مجال واسع للاختلاف حول ما إذا كان ينبغي للحكومة القيام ببعض المهام، لكن هناك القليل جداً من "الهدر الصافي" كما قد نراه في شركات مثل "تويتر"، التي ربما يكون فيها موظفون لا يساهمون بشكل فعلي في تشغيل الشركة الأساسي.

على سبيل المثال، وعد دونالد ترمب مراراً بإلغاء وزارة التعليم، مشيراً إلى أن الحكومة الفيدرالية تتدخل في قضايا ينبغي تركها للولايات والمناطق التعليمية. ورغم وجود بعض التدخلات، إلا أن دور الوزارة يتمثل في الغالب في توزيع الأموال على شكل قروض طلابية أو منح للمناطق التعليمية. وببساطة، إلغاء الوزارة وتسريح الموظفين لن يؤدي إلى تقليل كبير في الإنفاق. كما أنه من غير المنطقي توزيع هذه الأموال دون إشراف، ما يعني أن التدخل سيكون ضرورياً إلى حد ما.

أما إذا انسحبت الحكومة الفيدرالية تماماً من تمويل التعليم، فقد يوفر ذلك بعض الأموال، لكن العواقب ستكون واضحة جداً. على سبيل المثال، قد تضطر الولايات إلى تسريح نسبة من معلميها بسبب اختفاء الإعانات الفيدرالية، التي تُقدم للمدارس التي تخدم الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض.

إذا كنت مشككاً بما يكفي في القطاع العام، قد تبدو العديد من البرامج الحكومية، مثل قروض الجامعات، وبرنامج تعليم الروضة "هيد ستارت" (Head Start)، ورعاية المسنين والمعاقين، وحتى خدمات الحدائق الوطنية، وكأنها هدر. ولكن هناك فارق جوهري بين جعل الحكومة أكثر كفاءة في أداء مهامها وبين اتخاذ قرار بتقليص هذه المهام تماماً.

الإنفاق الفيدرالي الأكبر وتحديات الميزانية

في الواقع، الغالبية العظمى من الإنفاق الفيدرالي تذهب حالياً إلى مجالات قليلة محددة، وهي الدفاع الوطني، الذي يرغب ترمب في زيادة الإنفاق عليه، ورعاية المسنين والمرضى، وهو بند مكلف للغاية. الجمهوريون تقليدياً يرون أن الحكومة يجب أن تقلل من دورها في هذا المجال، لكن نجاحات ترمب السياسية كانت مبنية إلى حد كبير على تجنب هذا التناقض؛ فقد خفض الضرائب دون المساس ببرامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، مما ساعده على كسب دعم مجتمع الأعمال وكذلك المحافظين الثقافيين من الطبقة العاملة الأكبر سناً.

ومع ذلك، لا يوجد أي قدر من التدقيق المالي يمكن أن يسد الفجوة التي تتركها هذه السياسات في ميزانية الحكومة الفيدرالية.

بالمختصر

يناقش المقال التحديات التي يواجهها الرئيس السابق الأميركي دونالد ترمب في خطته الاقتصادية الجديدة التي يطرحها خلال حملته للانتخابات الرئاسية، خاصة فيما يتعلق بخفض الضرائب مع الحفاظ على برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وتقليص الهجرة. رغم أن هذه السياسات تجذب الناخبين، إلا أنها تصعب الحفاظ على ميزانية متوازنة، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية.

ترمب يقترح أن يرأس الملياردير إيلون ماسك لجنة حكومية تهدف إلى القضاء على الهدر وتحقيق الكفاءة المالية، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في أن البنود الكبيرة في الميزانية مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية تُدار بالفعل بكفاءة. كما أن الجيش، الذي يريد ترمب زيادة الإنفاق عليه، يشكل عبئاً مالياً كبيراً.

على الرغم من أن الفكرة تبدو جذابة سياسياً، إلا أن القضاء على "الهدر" في الإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة ليس كافياً لسد الفجوة المالية الناتجة عن هذه السياسات، مما يجعل الخطة غير قابلة للتطبيق من الناحية العملية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة