رغم تغيير الأنظمة القديمة في العقود الأخيرة بسبب الاضطرابات، بدأت تعود أسماؤها المعروفة إلى السلطة

كاريشما فاسواني: السياسة في جنوب شرق آسيا تحت السطوة العائلية مجدداً

محتج خارج مبنى البرلمان يحمل لافتة تطالب برحيل الرئيس جوكو ويدودو، في جاكرتا، إندونيسيا - المصدر: بلومبرغ
محتج خارج مبنى البرلمان يحمل لافتة تطالب برحيل الرئيس جوكو ويدودو، في جاكرتا، إندونيسيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تعود السياسة في جنوب شرق آسيا بشكل متزايد إلى أن تكون شأناً عائلياً، على الرغم من الديمقراطيات الكبيرة والحيوية بالمنطقة. وهذا أمر مقلق. تواجه السلطة خطر أن تصبح مركزة في أيدي نادٍ حصري من العائلات التي امتدت سطوتها لفترة طويلة. وهو ما سيضعف بشكل غير متناسب الشباب المفعم بالديناميكية في المنطقة والذين يزدادون إحباطاً بسبب المحسوبية.

إن منطقة جنوب شرق آسيا ليست نموذجاً فردياً بمعزل عن الآخرين؛ فالعائلات ذات النفوذ السياسي منتشرة في الغرب (منها على سبيل المثال عائلتا بوش وترودو، وآخرون). لكن الفارق هنا يتمثل في مدى عودة الأسماء المألوفة إلى الساحة، بعد أن دفعت الاضطرابات والأزمات المالية في العقود الأخيرة إلى تغيير النظام القديم بالعديد من الأماكن.

الفلبين

لنأخذ الفلبين على سبيل المثال، حيث سيطرت العائلات على الثروة، ومارست نفوذها منذ العصور الاستعمارية. أتاحت لهم امتيازاتهم شراء الأراضي في حقبة ما بعد الاستقلال، بعد أن تحررت مانيلا من الحكم الاستعماري الأميركي عام 1946. هذا الثراء دفعهم إلى تصدر المشهد في السلم الاقتصادي. وأثبتت الثروة فاعليتها في محاولاتهم للنجاح السياسي.

ستة من آخر تسعة رؤساء في الفلبين كانوا من عائلات ماكاباجال وماركوس وأكينو. الرئيس الحالي، فرديناند "بونغبونغ" ماركوس جونيور، هو ابن الديكتاتور السابق فرديناند ماركوس. خلال مهمة صحفية إلى مانيلا لتغطية انتخابات 2022، لفت انتباهي عدد الفلبينيين العاديين الذين تناسوا بسهولة الفساد والجشع في عهد والده، الذي أُطيح به وسط احتجاجات في الشوارع عام 1986 بعد عقدين من البقاء في السلطة. بدلاً من ذلك، فضلوا تصديق رواية انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن ماركوس الابن سيعيد عصراً ذهبياً من الازدهار والاستقرار.

تايلندا وكمبوديا

الاستفادة من إرث العائلة يعزز جاذبية هذا الجيل لدى الناخبين. تم تصعيد ابنة واحد من الشخصيات السياسية المهيمنة في تايلندا أيضاً، وهي باتونغتارن ابنة رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا البالغة من العمر 38 عاماً، التي اختيرت في وقت سابق من هذا الشهر لتتولى المنصب الذي شغله والدها من قبل (بعد أن فقده في انقلاب عام 2006). شغلت عمتها بنجلوك، وهي شقيقة تاكسين، هذا المنصب سابقاً قبل أن يُطاح بها من قبل المحكمة الدستورية في عام 2014.

العائلات السياسية لا تقتصر على الأنظمة الديمقراطية الصاخبة مثل الفلبين. ففي كمبوديا، مضى عام منذ أن سلم الرجل القوي هون سين السلطة لابنه هون مانيت بعد ما يقرب من أربعة عقود كرئيس للبلاد. (في الواقع، لا يزال يدير الأمور من خلف الكواليس كرئيس للحزب الحاكم في كمبوديا وكنائب برلماني).

إندونيسيا

ثم هناك إندونيسيا، أكبر دولة واقتصاد في جنوب شرق آسيا. في الأسبوع الماضي، علّقت احتجاجات واسعة النطاق التحركات البرلمانية التي كانت ستمنح ابن الرئيس المنتهية ولايته طريقاً أسهل للوصول إلى السلطة السياسية. كانت هذه الدولة الأرخبيل الواسع حتى وقت قريب تُعتبر نموذجاً للديمقراطية في منطقة يموج فيها الفساد والمحسوبية -واللذان لم يختفيا أبداً- ويبدو أنهما يعودان بقوة متزايدة.

عندما انتُخب جوكو ويدودو لأول مرة في عام 2014، كان يُنظر إليه على أنه تغيير إيجابي ودماء متجددة. بطبيعته المتواضعة وأصوله كصانع أثاث من مدينة إقليمية، جاء من خارج الصفوف المعتادة للجنرالات والنخب الذين كانوا يديرون البلاد.

لكن جوكوي، كما يُعرف شعبياً، استخدم فترة ولايته الثانية لضمان بقاء إرثه بعد خروجه من المنصب في غضون شهرين. وبحسب لي إليزابيث كريمر، محاضرة كبيرة في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة نيو ساوث ويلز "شكّل جوكوي تحالفاً مع العديد من الأحزاب في البرلمان لدرجة أنه وصل إلى النقطة التي لا يمكن الوقوف بوجهه عندها؛ بسبب قاعدة السلطة التي أنشأها". وترى كريمر أن "هذا يسمح له، وبالتبعية لعائلته، حماية امتيازاتهم وما حصلوا عليه حصرياً، لضمان أن فئة بعينها فقط من الناس هم من يترشحون ويفوزون".

نموذج القادة الأقوياء

اعتاد الإندونيسيون على القادة الأقوياء ذوي الطموحات العائلية. كان أول نموذج واجهوه هو سوهارتو، الذي انتهى حكمه الديكتاتوري بعد 32 عاماً وسط احتجاجات عنيفة خلال الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998. من بين أسباب التذمر الشعبي كانت تغاضي الجنرال السابق عن جشع أبنائه المتزايد، وكيف استخدموا مراكزهم بصفتهم أبناءه لاستغلال اقتصاد الدولة الغنية بالموارد على حساب المواطنين العاديين الذين يعيشون الكفاف من أجل تغطية نفقاتهم.

في الوقت الحالي، على الأقل، نجح المتظاهرون الإندونيسيون في الحفاظ على ديمقراطيتهم. سيكون من الحكمة للرئيس المنتهية ولايته وآخرين في جنوب شرق آسيا الذين لديهم طموحات للهيمنة العائلية أن يأخذوا العبرة من حالة الشيخة حسينة ابنة مؤسس بنغلاديش التي أُجبرت على ترك السلطة بسرعة وبطريقة مهينة في وقت سابق من الشهر الجاري، بعد 20 عاماً من الحكم المتقطع الذي أصبح أكثر استبدادية، ورفضاً لحقوق الإنسان.

في الماضي، كان الملوك والملكات يخوضون الحروب لضمان أن يرث أبناؤهم العرش. لكنهم لم يكونوا قادة منتخبين، ولم يكن لرعاياهم خيار سوى تحملهم. هذه ليست هي الحال في الديمقراطيات اليوم. ففي النهاية، سوف يسعى الناس إلى أن تكون أصواتهم مسموعة. سيكون من الحكمة للقادة أن يتركوا عائلاتهم وشأنهم، وأن يركزوا على المهام الموكلة إليهم وهي إدارة شؤون الوطن.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة