اختارت هاريس والز في مواجهة خصمها ترمب ونائبه فيما تمضي بالتركيز على أنهما غريبا الأطوار

تيم والز المدرب والأستاذ والمحارب السابق يمثل الشخص العادي

كامالا هاريس وتيم والز خلال تجمع انتخابي - بلومبرغ
كامالا هاريس وتيم والز خلال تجمع انتخابي - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في معترك السعي إلى رئاسة الولايات المتحدة برز سؤال في الحملات هو: "من هو غريب الأطوار؟" ثم أتى اختيار كمالا هاريس لحاكم ولاية مينيسوتا تيم والز نائباً  لها، وبدا شخصاً عادياً ربما لدرجة لا تُصدّق.

هذا كان انطباعي عنه منذ أول لقاء جمعني به في 2005 حين كتبت مقالاً تناول شخصيته لدى ترشحه لعضوية الكونغرس لأول مرة. حتى حينذاك، كانت السياسة الوطنية قد اتخذت مساراً ملتوياً، لدرجة أنه قد بدا مستغرباً أن يكون المرء عادياً، وهي صفة تميز بها والز.

أستاذ ومدرب ومحارب سابق

وقتها، كانت الحرب ما تزال مستعرة في العراق، والأوضاع متدهورة هناك. فبرز كصف ضابط خدم 24 عاماً في الحرس الوطني، وكان قد عاد حديثاً من الخدمة في العراق، ووضع السلاح ليعمل أستاذاً في مدرسة ثانوية، ومدرباً لكرة القدم.

في 2005، كان الديمقراطيون يترنحون تحت وطأة ضربات متتالية بعدما خسروا في ثلاثة انتخابات، أولها فوز جورج بوش الابن في انتخابات الرئاسة لعام 2000 بمساعدة المحكمة العليا، تلاها فوز الجمهوريين الذي خالف التاريخ في انتخابات التجديد النصفي عام 2002 حين سيطر حزب الرئيس على مجلسَي النواب والشيوخ، ثمّ إعادة انتخاب بوش لولاية ثانية عام 2004، بعدما نجح في تغيير الانطباع السائد عن منافسه الديمقراطي جون كيري من محارب شهير سابق في فيتنام، إلى ثري يمارس التزلج الشراعي ويأكل البيتزا بشوكة وسكين.

سعى الديمقراطيون للتخلص من تصويرهم كضعفاء، فعمد رام إيمانويل الذي كان رأس حربة الحملة الانتخابية للكونغرس إلى استقطاب عشرات الشباب الذين سبق أن خدموا في العراق وأفغانستان، ومنهم والز. 

ركزت في مقالي وقتها ومعظم التغطيات الإخبارية اللاحقة على خلفية والز العسكرية، ولكن فيما رحنا نتجول ضمن الدائرة الانتخابية الأولى في مينيسوتا، برزت مهاراته كمرشح له ثالوث من الوظائف العادية. فهو مدرب ومدرس ومحارب سابق قادر على محادثة الجميع عن أي شأن كان، ومن أولئك الصحافيين، ليس كسياسي متلهف لكسب أصواتهم، بل كرجل ودود قد تلتقيه في حفل شواء، ويصادف أنه مرشح لمجلس النواب الأميركي.

قوى خارقة

تمكّن والز، بفضل قواه الخارقة التي اكتسبها من كونه رجلاً عادياً، من الفوز بتلك الانتخابات مقابل نائب جمهوري يشغل المنصب للدورة السادسة، كما ضمن إعادة انتخابه خمس مرات. حين تقاعد في 2019، مكّنته تلك القوى الخارقة من الفوز بمنصب حاكم مينيسوتا. ويكاد يكون مؤكداً أن هذه الصفات هي ما دفعت هاريس لاختياره. 

لقد شكل قرارها خطوة استراتيجية لافتة تتعارض نوعاً ما مع طريقة اختيار المرشحين لنوابهم تاريخياً. إذ يدرك كلّ من تابع مناقشات اختيار نائب الرئيس على مدى الأسبوعين الماضيين أن حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو كان المرشح الأرجح حتى قبل 24 ساعة من الإعلان.

كان يفضله المسؤولون عن استطلاعات الرأي والاستراتيجيات في الحزب الديمقراطي لأنه شاب ونشط وصاحب شعبية واسعة في ولاية متأرجحة، قادرة على حسم الانتخابات. إذ ثمة تاريخ طويل في اختيار مرشحين لمنصب نائب الرئيس قادرين على المساعدة في الفوز بولاية مهمة. قال خبير الاستطلاعات الانتخابية نايت سيلفر إن شابيرو كان من شأنه أن يعزز حظوظ هاريس بنحو 0.4 نقطة مئوية للفوز في بنسلفانيا، ما قد يكون حاسماً في نوفمبر.

لكن على مرّ العقدين الذين تليا ظهور والز على الساحة السياسية، اشتد الانقسام السياسي في البلاد. فما عاد المواطنون يدلون بأصواتهم حسب قربهم من السياسيين المحليين في ولاياتهم، بل حسب الأجواء السياسية العامة في البلاد ونظرتهم إلى المرشح الرئاسي. وهنا يبرز والز.

منافسون "غريبو الأطوار"

منذ ترشيح هاريس عن الحزب الديمقراطي قبل فترة وجيزة، وهي تسعى مع حزبها لتصوير الثنائي الجمهوري دونالد ترمب وجي دي فانس على أنهما "غريبا الأطوار" ومريبان. ويبدو أن أسلوب الهجوم هذا بدأ يؤتي ثماره، إذ بدأت أرقام ترمب تتراجع في استطلاعات الرأي فجأة، فيما يواجه فانس انتقادات على خلفية بعض تعليقاته، مثل تلك التي تحدث فيها عن "نساء بلا أطفال يربين هررة" وغيرها من الميمز الغريبة الأخرى.

كان والز أول من جعل مصطلح "غريب الأطوار" ينتشر قبل أسبوعين خلال مقابلة مع قناة "أم أس أن بي سي" (MSNBC). ومنذئذ دأب الديمقراطيون على استخدام هذا النعت في مهاجمة الجمهوريين، سواء كانوا يتناولون معاداة النساء بين الجمهوريين أو مساعيهم لحظر الإجهاض أو إشادة ترمب بشخصية "هانيبال ليكتر" في تجمعاته الانتخابية وتصريحاته حول الصدمات الكهربائية وأسماك القرش. وقد ساعد ذلك هاريس على التقدم ولو بشكل طفيف على ترمب في معظم استطلاعات الرأي الجديدة. 

يبدو إذاً أن هاريس ارتأت أنها ستكسب دعماً سياسياً أكبر إذا ما تابعت هذا النوع من الهجوم ضد ترمب وفانس، مع والز بجانبها، أكثر ممّا ستحصده إذا ما ركزت على الفوز بولاية متأرجحة بعينها.

على الرغم من كل ما يتمتع به شابيرو من حنكة سياسية، فإن ترشحه إلى جانب هاريس، كان سيضع الناخبين أمام محاميين يستقطبان الولايات الساحلية، ولكنهما ربما لا يتمتعان بشعبية واسعة في الولايات المتأرجحة في الغرب الأوسط. كان بعض الخبراء الاستراتيجيين الديمقراطيين الذين تحدثت إليهم أبلغوني عن قلقهم من أن يكون الثنائي هاريس–شابيرو أكثر عرضة لهجمات الجمهوريين الذين قد يصفوهم بالنخبويين الثقافيين.

أمّا والز، فهو ليس محامياً، بل مدرباً وأستاذاً ومحارباً سابقاً من الغرب الأوسط، لم يواجه مشكلة في إعادة انتخابه حين كان ديمقراطيون من أمثال جون كيري يتعرضون لانتقادات على أسس ثقافية، ما يعني أنه لا يواجه القدر نفسه من الخطر. 

بل على العكس، لقد أثبت أنه مفيد بحق. بما أن حملة هاريس تستند إلى تصوير المنافسين على أنهما غريبا الأطوار، فمن يوصل هذه الرسالة أفضل من الشخص الذي يجسد كل ما هو عادي بما يفوق من سواه في الحزب الديمقراطي؟

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك