السياسة الأوروبية ظلت لقرون صراعاً بين فلسفتين للقيادة

ليونيل لورانت: لا أحد سيقود فرنسا للخروج من هذه الفوضى

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون - المصدر: بلومبرغ
الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كتب المؤلف ستيفان زفايغ ذات مرة أن السياسة الأوروبية ظلت لقرون صراعاً بين فلسفتين للقيادة، وهما: الصالح العام الذي يتبناه المفكر الإنساني إيراسموس، والسعي الأكثر أنانية وراء السلطة الذي روج له مكيافيلي. ولا شك أن فرنسا بحاجة للخيار الأول بشدة إذا أرادت كسر الجمود في البرلمان المعلق، وإعادة اقتصادها إلى مساره الصحيح.

أظهرت الانتخابات البرلمانية المبكرة في 7 يوليو وحدة ملحوظة بين الناخبين الفرنسيين بشأن إبقاء زعيمة أقصى اليمين مارين لوبان بعيداً عن السلطة، لكن آراءهم انقسمت على كل شيء آخر. وبينما جاء حزب "التجمع الوطني" بزعامة لوبان في المركز الثالث خلف الكتلة اليسارية والوسطيين بزعامة إيمانويل ماكرون، لم يفز أي منهم بالأغلبية.

وفي البلدان التي اعتادت على الحكومات الائتلافية، فإن هذه النتيجة ستكون بمثابة حافز مباشر للتسوية والتفاوض عبر الطيف السياسي لبناء شراكات أكبر. وربما يكون التحالف المعتدل بين اليسار والخضر والوسطيين على بعد بضعة مقاعد فقط من السيطرة على المجلس التشريعي.

موقف متشدد

لكن ما بدأ كمسلسل "هاوس أوف كاردز" (House of Cards) أصبح يشبه حلقة من "سرفايفر" (Survivor). بدأت المناوشات بالفعل، فقد اتخذ الزعيم اليساري جان لوك ميلينشون موقفاً متشدداً، وأعلن أنه لن تكون هناك أي تسوية بشأن الزيادات الكبيرة في الأجور وضرائب الثروة والتراجع عن الإصلاحات، وهو جزء من برنامجه الذي يعتقد معهد "مونتين" للأبحاث أنه سيزيد عجز الموازنة بنحو 179 مليار يورو (194 مليار دولار) سنوياً.

أما بقية الجبهة الشعبية الجديدة فليست متأكدة من هذه الخطوة. فقد قالت مارين تونديليه، من "حزب الخضر"، إنه ينبغي وضع خطر "الكارثة" الاقتصادية المحتملة نتيجة مثل هذه السياسات في الاعتبار. لكن الحصيلة الإجمالية للأيام القليلة الماضية، كانت وجود كثير من القادة المحتملين المنتظرين، بمن فيهم أوليفييه فور من الحزب الاشتراكي، لكن ليس هناك مرشح متفق عليه ولا برنامج انتخابي.

وبدلاً من قبول حقيقة أنه لم يفز أحد، يبدو أن الساسة يعتقدون أن الجميع فاز، خاصة أولئك الذين يطمحون للانتخابات الرئاسية في 2027.

من هنا تظهر تصريحات الساسة من يمين الوسط بأنهم يستحقون فرصة لتشكيل حكومة، مع حرص رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب على توحيد قواهم مع الوسطيين الذي ينتمي إليهم ماكرون. ومن جانبه، يحاول ماكرون كسب الوقت من خلال الدعوة إلى تشكيل تحالف من القوى المؤيدة لأوروبا لإبعاد أقصى اليمين.

ويبدو هذا منطقياً حالياً نظراً لأهمية إقامة ألعاب أولمبية ناجحة، ووسط السرعة التي يتفكك بها اليسار. لكن ماكرون بحاجة لإدراك أن ما يحافظ على كتلته متماسكة ليس دائماً أيضاً، مع تزايد الانقسامات بين أعضائها ذوي الميول اليسارية واليمينية. وليس هناك سلام في الشوارع، حيث يأمل بعض حلفاء ميلينشون في ممارسة ضغوط. وهذا يذكرنا بالحملة المشؤومة التي أطلقها دونالد ترمب سابقاً تحت شعار "أوقفوا السرقة". 

التفكير في الصالح العام

يحتاج قادة الحزب إلى التخلي عن تكتيكاتهم السرية الأنانية، والتفكير في الصالح العام. ويجب أن يكون تحالف اليسار، الذي أعلن نفسه كقوة كبرى في البرلمان، أول من يفعل ذلك انطلاقاً من المبادئ الأساسية.

يتمثل أحد تلك المبادئ في الاعتراف بضرورة التخلص من أفكار الأمس، فمن غير الواقعي على الإطلاق تخيل أن الحكومة ذات الأقلية اليسارية يمكنها المضي قدماً في برنامجها الحالي، في وقت وصفت فيه شركات التصنيف الائتماني والاتحاد الأوروبي أداء الميزانية بالسيئ.

وهناك مبدأ آخر هو أن هدف التسوية يتمثل في تشكيل ائتلاف، وهذا هو السبيل الوحيد للحكم بشكل مستدام. ويتمثل الثالث في أن أي حزب لا يريد تشكيل ائتلاف، والذي يبدو أنه ينطبق على حزب "فرنسا الأبية" بزعامة ميلينشون، يجب أن يوضح الأمر ويتحمل العواقب.

كلما طالت هذه الفوضى، زاد خطر تراجع النمو والاستثمارات وفقدان الثقة في الديمقراطية، وكلها أخبار جيدة بالنسبة للوبان، التي تنتظر وقتها، والتي من الواضح أنها ستظل السياسية التي يجب التغلب عليها في 2027 حتى وهي تواجه تحقيقاً جديداً في تمويل الحملات الانتخابية.

وتقع على عاتق فرنسا مهمة ضخمة تتمثل في معالجة قضايا مثل الإنتاجية، والقوة الشرائية، والانخفاض السكاني، والحجم المتضخم للدولة. ولا يمكن لأي شخص أن يقود فرنسا إلى الخروج من أزمتها، وربما لا يكون هذا أمراً سيئاً لفترة من الوقت.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك