بدأت الأسواق بملاحظة مشهد التجارة من خلال التكيف مع مسارات الشحن الأطول

هجمات الحوثي في البحر الأحمر تسلط الضوء على أسلحته وتقلب مشهد التجارة

صورة غير محددة التاريخ لسفن تعبر البحر الأحمر قبالة محافظة الحديدة في اليمن - المصدر: بلومبرغ
صورة غير محددة التاريخ لسفن تعبر البحر الأحمر قبالة محافظة الحديدة في اليمن - المصدر: بلومبرغ
الرياض، دبي، عدن، القدس:حسام بيرمألاء الخطيبعبد الخالق الحود
المصدر:

الشرق

منذ نوفمبر الماضي، شهدت منطقة البحر الأحمر توترات هزت حركة التجارة العالمية جراء هجمات تشنها جماعة الحوثي المتمركزة في اليمن على السفن التجارية، في وقت بدأت وتيرة هذه الهجمات وطبيعتها بالتغير مع تطوير الجماعة لأسلحتها المستخدمة.

أفادت "بلومبرغ" هذا الأسبوع بأن شهر يونيو الماضي، شهد أكبر عدد لهجمات جماعة الحوثي على السفن التجارية منذ بداية العام. وبلغ عدد الهجمات المؤكدة على السفن خلال مايو الماضي 16 هجمة، وفقاً للأرقام التي نشرتها القوات البحرية العاملة في المنطقة. 

تُعتبر منطقة البحر الأحمر محورية وأساسية لحركة التجارة العالمية، إذ كان يمر عبرها نحو 15% من التجارة الدولية. ولكن هذه الهجمات ساهمت في إحداث تحولات على المشهد التجاري، إذ أفادت "بلومبرغ" في تقرير منفصل، بأن عدد السفن التي تعبر البحر الأحمر انخفض بنحو 70%، كما توقفت ناقلات الغاز عن العبور. ونقلت عن مسؤولين استخباراتيين أميركيين، أن الهجمات المتوالية التي شنتها جماعة الحوثي على السفن التجارية، ساهمت في انخفاض شحن الحاويات عبر موانئ المنطقة بنسبة تصل إلى 90% خلال الفترة بين شهري ديسمبر وفبراير الماضيين.

وأشارت إلى أن تأثير الهجمات أضر بما لا يقل عن 65 دولة، وأجبر نحو 29 شركة كبرى للطاقة والشحن على تغيير مساراتها، كما أضافت طرق الشحن البديلة حول أفريقيا نحو 11 ألف ميل بحري (20.4 ألف كلم) لكل رحلة، مما ساهم في ارتفاع تكلفة الشحن والتأمين بشكل كبير.

كما توقع صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي، أن تنخفض صادرات الدول المطلة على البحر الأحمر، وهي مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والسودان واليمن، بمتوسط يبلغ 10% تقريباً، فيما ستتراجع صادرات باقي دول المنطقة 5%، بفعل التوترات في المنطقة، وهو ما من شأنه إحداث تغيير في مشهد التجارة العالمية. 

تغيّر في طبيعة التجارة

يظهر هذا التغير بوضوح من خلال مؤشر النقل البحري العالمي، إذ يتجه إلى تحقيق أكبر قفزة سنوية له منذ عام 2010، بعدما أجبرت الهجمات السفن على السفر لمسافة أطول.

من المتوقع أن يسجل نشاط الشحن المقاس بالطن/ميل ثاني أكبر زيادة سنوية على الإطلاق، نتيجة للاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوروبا، وفقاً لأبحاث "كلاركسونز"، وهي وحدة تابعة لأكبر وسيط سفن في العالم.

ويتجه المؤشر الذي يضاعف حجم البضائع المنقولة حسب المسافة التي تبحرها، إلى زيادة قدرها 5.1% مقارنة بعام 2023، أو 3.2 تريليون طن/ميل.

من جهة ثانية، تتجه بعض أكبر ناقلات النفط في العالم إلى تحميل كميات هائلة من الديزل، وهو ما يدل على كيفية تغير ديناميكية التجارة العالمية وتأقلمها مع الهجمات على حركة الشحن العالمي، وفق "بلومبرغ" التي أشارت إلى أن هناك ناقلة نفط خام كبيرة قادرة على نقل مليوني برميل من النفط، تبحر بالفعل من الشرق الأوسط إلى أوروبا محملة بما يُسمى "المنتجات البترولية النظيفة" التي تشمل الديزل، بينما هناك أخرى في طور التحميل.

كتب محللو شركة "برايمار" لوساطة السفن في مذكرة، إنه من المتوقع أن تتحول خمس شركات أخرى على الأقل إلى حمل "المنتجات البترولية النظيفة"، وأضافوا أنه "مع شحن كميات أكبر من المنتجات النفطية النظيفة حول رأس الرجاء الصالح، يمكن خفض تكاليف النقل لكل برميل، من خلال الاستفادة من وفورات الحجم، واستخدام عدد أقل من السفن الأكبر حجماً".

تطور في الأسلحة

خلال نحو 8 أشهر من التوترات، استخدمت جماعة الحوثي العديد من الأسلحة التي تسببت في ثاني غرق مؤكد لسفينة، فضلاً عن أول هجوم ناجح على سفينة باستخدام طائرة مسيرة.

ووفقاً لما تداولته ورقة بحثية أعدها "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لـ"جامعة تل أبيب" في نوفمبر 2023، فإن جماعة الحوثي تمتلك صواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى، وصواريخ كروز، وصواريخ مضادة للسفن، بالإضافة إلى طائرات مسيرة هجومية واستطلاعية.

وأوضحت الورقة أن الصواريخ الباليستية للحوثيين هي "إيرانية"، بمدى يتراوح بين 1600 و2000 كيلومتر. وتشمل الصاروخ الإيراني المتقدم "شهاب-3" الذي يصل مداه إلى 2000 كيلومتر، أو نسخ أخرى من "شهاب" مثل صاروخ "بركان-3" الذي يبلغ مداه نحو 1200 كيلومتر. كما لديها صواريخ الكروز من طراز "سومار" يبلغ مداه 2000 كيلومتر، وقادر على حمل رأس حربي يزن 500 كيلوغرام، إضافة إلى صاروخ كروز آخر بمدى أقصر هو "قدس-2".

المسيّرات الهجومية والاستطلاعية

وفقاً لإعلانات دائرة التصنيع العسكري التابعة لجماعة الحوثي، يمكن تقسيم الطائرات المُسيرة إلى نوعين: رصد واستطلاع، وطائرات هجومية انتحارية.

على صعيد الطائرات الهجومية، تمتلك الجماعة المدعومة من إيران طائرة "قاصف 1" التي تستطيع التحليق لمدة زمنية تصل إلى 120 دقيقة، بمدى 150 كلم، وهي مزودة بنظام ذكي لرصد الهدف، بإمكانها حمل رأس حربي زنة 30 كيلوغراماً، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام حوثية.

الطائرة الثانية، هي "صماد 1"، وبإمكانها حمل 18 كيلوغراماً من المتفجرات، ويبلغ مداها نحو 500 كيلومتر. وهناك أيضاً "صماد 2" و"صماد 3" التي تمتاز بتكنولوجيا تقول الجماعة إنه لا يمكن للمنظومات الدفاعية اكتشافها واعتراضها، و"صماد 4". هذه المسيرات التي تُنسب تسميتها إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين صالح الصماد، وهي هجومية، ويتراوح مداها بين 1000 و2500 كيلومتر. وتزعم الجماعة أن الطراز الأخير الذي يُعتبر الأكثر تطوراً بين المجموعة، يستطيع حمل ما يصل إلى 45 كيلوغراماً من المتفجرات.

أما النوع الثالث فهي طائرة "قاصف k" الانتحارية، والتي استخدمها الحوثيون لقصف منصة احتفال للقوات الحكومية في قاعدة العند الجوية في 10 يناير 2019.

وهناك طائرات استطلاع ورصد تتميز بصغر حجمها، ولا تحتاج إلى مدرجات إقلاع أو محطات تحكم، وتطير بمستويات منخفضة، ولدى الجماعة 3 أنواع هي: "الهدهد" و"راصد" و"رقيب"، بحسب وسائل إعلام تابعة للحوثيين.

طائرة "الهدهد" تمتلك القدرة على التحليق لنحو 90 دقيقة، ويبلغ مداها نحو 30 كيلومتراً، أما "رقيب" فتمتلك قدرة على تصوير ليلي وحراري، ويصل زمن تحليقها إلى 90 دقيقة، بينما يبلغ مداها نحو 15 كيلومتراً.

تُعتبر "راصد" أبرز أنواع طائرات الرصد والاستطلاع الحوثية، فزمن تحليقها يصل إلى 120 دقيقة، ويبلغ مداها نحو 35 كيلومتراً، وهي مزودة بنظام مسح جغرافي وقدرة على رسم الخرائط وبمحرك كهربائي.

يُشار إلى أن "حزب الله" اللبناني المدعوم من إيران أيضاً، استخدم الشهر الماضي طائرة "الهدهد" لتصوير مواقع شاسعة في محيط مدينة حيفا على بعد 27 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، وهو أمر وصفه الإعلام الإسرائيلي آنذاك بـ"الخطير" و"الأكثر إثارة للقلق منذ بداية الحرب".

ترسانة الصواريخ

إضافة إلى المسيرات التي تُستخدم بكثرة في الهجمات على السفن، فإن الجماعة تمتلك أيضاً صواريخ مضادة للسفن.

وبحسب وكالة "ريا نوفستي" الروسية " تتضمن ترسانة الحوثيين الصاروخية مجموعة متنوعة، أبرزها "صواريخ بي -21\22" سوفييتية الصنع، والتي كانت ضمن ترسانة الجيش اليمني، ويصل مداها إلى 80 كيلومتراً.

أما "المندب 1" فهي صواريخ صينية موجهة بالرادار يصل مداها لـ40 كيلومتراً، وكانت أيضاً ضمن مخزون الجيش اليمني، في حين أن "المندب 2" هي صواريخ إيرانية الصنع يصل مداها إلى 300 كيلومتر.

بالإضافة لذلك، تضم ترسانة جماعة الحوثي صواريخ "بافي" وهي صواريخ إيرانية مجنحة (أرض– أرض) جرى تطويرها لتصل إلى مدى أبعد من 800 كيلومتر، فضلاً عن عائلة صواريخ "قدس" الإيرانية المجنحة بعيدة المدى التي يصل مداها إلى أكثر من 2000 كيلومتر، وصواريخ "محيط"، وهي نسخة من "سام 2" الروسية.

الأسلحة الفرط صوتية

في الآونة الأخيرة، تداولت وسائل إعلام تابعة للحوثيين أنباء تتعلق بامتلاكهم صواريخ فرط صوتية، مشيرة إلى استعدادهم لاستخدام تلك الصواريخ ضد إسرائيل، لكن وسائل إعلام عبرية نفت استخدام الحوثيين لتلك الصواريخ في استهدافهم للداخل الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، شكك العقيد المتقاعد في الجيش اليمني عبد الحكيم صالح في تصريحات لـ"الشرق" في امتلاك الحوثيين لمنظومات صواريخ فرط صوتية.

وأضاف صالح أن بناء نظام لهذه الصواريخ التي تصل سرعتها إلى 5 ماخ وأكثر، (مؤشر لقياس معدل السرعة الحقيقة إلى سرعة الصوت)، يتطلب بنية تحتية صناعية وتكنولوجية كبيرة، وخبرات بشرية ماهرة، ومواد هندسية يصعب الحصول عليها.

طرق التهريب

مع القيود والعقوبات الدولية المفروضة على الحوثيين، شرعت الجماعة في البحث عن وسائل لإدخال الأسلحة إلى البلاد.

وفي ضوء ذلك، أسست الجماعة معامل وورش تصنيع، وتولى خبراء إيرانيون ويمنيون إعادة تجميع وصنع الطائرات المسيرة التي تم تهريبها إلى اليمن على شكل أجزاء وقطع صغيرة، وُضع بعضها بداخل شحنات أسطوانات الغاز المنزلي، بحسب وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمينة، أسامة الشرمي.

وأوضح الشرمي في تصريحات لـ"الشرق"، أن الحوثيين لديهم نماذج كاملة لنحو 122 طائرة إيرانية مسيرة شُحنت من طهران إلى صنعاء جواً عبر طائرات الخطوط الجوية اليمنية، ومعها العديد من الأسلحة والمعدات الدقيقة، وذلك عبر رحلات شبه يومية من أوائل سبتمبر 2014 وحتى يناير 2015.

وأشار إلى أن الحوثيين تمكنوا خلال الحرب من إدخال عدد كبير من الطائرات المسيرة التي جرى تفكيكها، وإعادة شحن قطعها عبر قوارب صيد صغيرة، وأخرى في حاويات بضائع، منبهاً إلى أنه جرى ضبط إحدى هذه الشحنات في ميناء الحاويات بعدن عام 2020.

وفي ديسمبر 2017 رصدت وحدة الاستخبارات التابعة للحكومة اليمنية، وصول 4 شاحنات تحمل مواسير مياه حديدية ومعدات أخرى قادمة عبر الحدود البرية الشرقية لليمن.

ووفقاً لما قاله خبير التسليح العسكري في الجيش الحكومي عبد العزيز لغبر لـ"الشرق"، فإن هذه المواسير يمكن استخدامها، بعد إدخال بعض التعديلات عليها، في صنع الصواريخ.

إيلات في مرمى الحوثيين

تقول الجماعة إن هدفها الضغط على إسرائيل لوقف حربها على قطاع غزة. وبالإضافة إلى استهداف السفن في البحر الأحمر، وسع الحوثيون معركتهم لتشمل مناطق في الداخل الإسرائيلي، في مقدمتها ميناء إيلات في أقصى جنوب إسرائيل حيث أصبح نحو نصف الموظفين فيه مهددون بفقدان وظائفهم، بعدما شلت الهجمات الحركة عملياً في الميناء، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.

يتعامل ميناء إيلات الذي يعتبر أصغر حجماً من ميناءي حيفا وأسدود الرئيسيين لحركة التجارة، مع واردات السيارات بشكل أساسي، إذ تمثل نحو 75% من إجمالي نشاط الميناء. وبلغ هذا النشاط ذروته في عام 2022 حيث وصلت أعداد السيارات التي مرت عبر الميناء نحو 166 ألف سيارة، وفقاً لما رصدته وسائل إعلام إسرائيلية.

وتشير التقارير الصادرة عن هيئة الشحن والموانئ في وزارة المواصلات الإسرائيلية، إلى أن إجمالي سفن شحن البضائع التي زارت ميناء إيلات في عام 2023 بلغ نحو 60 سفينة. وخلال العام ذاته تمكّن الميناء من شحن 1.862 ألف طن من البضائع، وشهدت تلك الأرقام انخفاضاً ملحوظاً منذ نهاية العام الماضي، نتيجة للتوترات الأمنية في البحر الأحمر، في حين يُتوقع على نطاق واسع في الداخل الإسرائيلي، ارتفاع أسعار السيارات.

تصنيفات

قصص قد تهمك