بين ماكرون ولوبان.. دليل لطبيعة وسيناريوهات الانتخابات في فرنسا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - المصدر: بلومبرغ
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

مع فوز حزب "التجمع الوطني" من أقصى اليمين بالجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا وتطلعه لتحقيق أغلبية مطلقة، هناك أمور على المحك أكثر من مجرد أجندة الإصلاحات الليبرالية المؤيدة لقطاع الأعمال التي ينتهجها الرئيس الوسطي إيمانويل ماكرون.

إليك دليلاً إلى الانتخابات يوضح كيفية تعرض نظام فرنسا السياسي المميز لضغوط، وسط فوز الحزب المناهض للمهاجرين بقيادة مارين لوبان.

ما هي آلية العملية الانتخابية الفرنسية؟

تتبع فرنسا نظاماً شبه رئاسي يختار فيه المواطنون رئيساً للدولة وأعضاء الجمعية الوطنية (مجلس النواب) في عمليتين انتخابيتين منفصلتين.

وستحدد الانتخابات المقبلة، التي دعا إليها ماكرون بعد هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية في وقت سابق من يونيو، تشكيل المجلس التشريعي المؤلف من 577 عضواً، والذي يجري تجديد صلاحياته كل خمسة أعوام.

إذا لم يفز أحد المرشحين بـ50% من أصوات الناخبين، وهو ما يمثل 25% على الأقل من الناخبين المسجلين في الجولة الأولى التي انعقدت في 30 يونيو، فسوف يُستبعد المرشحون ذوو الأصوات الأقل، ثم يتنافس المرشحون الذين حصلوا على المراكز الأولى في جولة الإعادة. وهذا الوضع يصعّب التنبؤ بالأحزاب التي ستفوز في النهاية، وما إذا كان هناك أي منهم سيحصل على أغلبية برلمانية مطلقة.

اقرأ أيضاً: حملات الانتخابات الفرنسية تضع المليارديرات تحت الحصار

بعد الجولة الثانية المقررة في 7 يوليو، سيسعى الرئيس لتعيين رئيس وزراء يمكنه الحصول على دعم الأغلبية. إذا لم يتمكن أي حزب من الحصول على أغلبية مطلقة من المقاعد في الجمعية الوطنية، فلا بد من البدء بعملية تشكيل ائتلاف، علماً بأن رئيس الوزراء لا يحتاج بالضرورة إلى أغلبية مطلقة للحكم، لكنه بحاجة لدعم كافٍ لتفادي الخسارة في تصويت سحب الثقة في حال وقوعه.

ومن المقرر أن يبقى ماكرون رئيساً بغض النظر عن نتائج الانتخابات. كما أن حدود الولاية الرئاسية تعني صعوبة الترشح لإعادة انتخابه بمجرد انتهاء ولايته الثانية في 2027.

من هم المتنافسون؟

حزب النهضة وحلفاؤه: أسس ماكرون حزبه الوسطي في 2016 خلال ترشحه الأول للرئاسة. واصطحب ساسة من الأحزاب الاشتراكية القديمة التي تنتمي ليسار الوسط وأحزاب الديغولية (نسبة لشارل ديغول) التي تمثل يمين الوسط لقيادة حكومة تكنوقراط قالت إنها ستتعامل مع جماعات المصالح الراسخة، وستعمل على إنعاش الاقتصاد وخفض البطالة. ولا تزال العملية مستمرة.

حزب التجمع الوطني: كان يُعرف الحزب القومي اليميني سابقاً باسم الجبهة الوطنية. وحاولت زعيمته لوبان صنع علامة أقل سمية، وأكثر قابلية للانتخاب منذ توليها السلطة في 2011 خلفاً لوالدها جان ماري، الذي اشتهر بتعليقاته العنصرية والمعادية للسامية.

حافظت لوبان بشكل كبير على عداء الحزب للمهاجرين، لكنها توقفت عن حملتها المطالبة بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، وعملت على إضفاء المزيد من الانضباط إلى الحزب، سواء في خطابه أو مظهره، في محاولة لجعله يبدو أشبه بحكومة قيد الانتظار. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب "التجمع الوطني" سيفوز بأكبر نصيب من الأصوات، محققاً أفضل أداء له على الإطلاق.

اقرأ أيضاً: تباطؤ نشاط الأعمال بمنطقة اليورو بسبب انتخابات فرنسا وتراجع التصنيع

الجبهة الشعبية الجديدة: دعا هذا الائتلاف من الأحزاب اليسارية إلى خفض سن التقاعد الرسمي من 62 إلى 60 عاماً، وإلغاء القانون الذي دفع به ماكرون والذي يرفع سن التقاعد إلى 64 عاماً، ورفع الحد الأدنى للأجور وإعادة فرض الضرائب على الثروة.

ستعتمد إمكانية تنفيذ كل هذا فعلياً أثناء وجوده في السلطة، على أي من قادته البارزين سيصبح رئيساً للوزراء. وتُعتبر الجبهة ائتلافاً يمتد من أقصى اليسار، الذي يجسده جان لوك ميلينشون، إلى الديمقراطيين الاشتراكيين التقليديين بمن فيهم الرئيس السابق فرانسوا هولاند.

الجمهوريون: يُعتبر الجمهوريون خلفاء التقليد الوسطي-اليميني الذي أسسه شارل ديغول وحافظ عليه الرئيسان جاك شيراك وجورج بومبيدو. لكن الحزب يمر حالياً بحالة اضطراب، حيث تحدى زعيمهم إريك سيوتي زملاءه في الحزب، ودعا إلى تكوين تحالف مع "التجمع الوطني"، مما أدى إلى إقالته، لكن سيوتي أصر على البقاء في منصبه. وبالرغم من تخلف الحزب بشكل كبير عن منافسيه الثلاثة البارزين في استطلاعات الرأي، لا يزال بإمكانه لعب دور حاسم إذا لم يحصل أي حزب على أغلبية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

هل يفوز "التجمع الوطني" بالسلطة؟

إذا حدث ذلك، فستكون هذه هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي يتولى فيها حزب من أقصى اليمين السلطة الوطنية. كان تصميم الجمهورية الخامسة التي أسسها ديغول في 1958 سبباً في إبقاء المتطرفين على هامش السياسة إلى حد كبير.

وفي الانتخابات الوطنية، إذا أظهر المرشحون الذين يُنظر إليهم على أنهم متطرفون أداءً قوياً في الجولة الأولى، فإن "الجبهة الجمهورية" عادةً ما تلتف حول المرشح المعتدل الأعلى رتبة، في محاولة لعرقلة تقدم الطرف الآخر في جولة الإعادة.

وكان هذا النظام فعالاً في 2002 عندما تفوق جان ماري لوبان على رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان ليأتي في المرتبة الثانية بفارق ضئيل عن الرئيس السابق جاك شيراك في الجولة الأولى، ليتم القضاء عليه في جولة الإعادة عندما انضم اليساريون إلى يمين الوسط لمنعه من التقدم.

لكن فكرة الجبهة الجمهورية فقدت الكثير من فعاليتها في الأعوام الأخيرة. فقد فاز ماكرون بسهولة في الجولة الثانية أمام مارين لوبان في 2017، حيث حصل على 66.1% من الأصوات. وفي 2022، انخفضت النسبة إلى 58.6%. وحصدت جهود لوبان لجعل حزب "التجمع الوطني" أكثر قبولاً بالنسبة للناخبين الأساسيين، ثمارها في الجمعية الوطنية. فقد حدثت نقلة نوعية خلال 2022 عندما قفز عدد مقاعد الحزب إلى 88 مقعداً من 8 مقاعد فقط. وارتفع شأن "التجمع الوطني" في استطلاعات الرأي منذ ذلك الحين، ويبدو أنه سيكون الفائز الأكبر في الانتخابات المبكرة المنعقدة يوم الأحد، رغم أن التوقعات لا تزال تُظهر أنه لن يحصل على أغلبية مطلقة.

ماذا لو فاز "التجمع الوطني" بانتخابات فرنسا؟

إذا فاز حزب "التجمع الوطني" بأغلبية في المجلس، ثم سار كل شيء حسب السوابق، فإن ماكرون سيطلب من نائب لوبان، جوردان بارديلا، الذي اختاره الحزب لرئاسة الوزراء، تشكيل حكومة لتقاسم السلطة، وهو إجراء يُعرف باسم التعايش.

حدث ذلك بالفعل خلال 1986 و1993 و1997، عندما كانت أكبر مجموعة في البرلمان تتبع اتجاه سياسياً مختلفاً عن الرئيس، مما اضطره إلى تعيين حكومة جديدة مكونة من معارضيه. وبشكل عام، يتعين على الرئيس أن يتراجع ويركز بشكل كبير على السياسة الخارجية، بينما تسيطر الحكومة على القضايا الداخلية. ومع ذلك، فإن الأمر ليس بهذه البساطة، خاصة عندما يكون الجانبان على خلاف حقيقي.

لماذا؟

ثمة انقسام عميق بين حزب "التجمع الوطني" وماكرون بشأن قضايا الدولة الأساسية، بما فيها السياسة الخارجية. (الدستور ليس واضحاً بشأن من يتحكم بشكل أساسي في الشؤون الخارجية عندما يكون هناك حالة تعايش. ومن بين المجالات المحدودة التي تقع بوضوح ضمن اختصاص الرئيس وحده هو دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة).

اقرأ أيضاً: فرنسا تعتزم تقليص إعانات البطالة وسط تفاقم عبء ديونها

وبينما يُعد ماكرون مؤيداً قوياً للاتحاد الأوروبي، يحمل حزب "التجمع الوطني" تياراً قوياً من الشكوك تجاه الكتلة، والتي لا تزال قائمة رغم التغييرات في سياسات لوبان. وبالرغم من جهود ماكرون لدعم أوكرانيا، كان "التجمع الوطني" أكثر تحفظاً تجاه الأمر، حيث قال بارديلا خلال الحملة التشريعية إنه يدعم حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، لكنه يعارض إرسال صواريخ عابرة للقارات.

هل يستطيع ماكرون إيجاد بديل؟

ربما يجد ماكرون بديلاً، طالما أن حزب "التجمع الوطني" لم يحصل على أغلبية مطلقة، أي ما يعني 289 مقعداً على الأقل.

وأوضح الحزب بالفعل أنه سيرفض منصب رئاسة الوزراء إذا لم يصل إلى هذا العدد.

ومن الناحية الرسمية، يتمتع الرئيس بحرية كاملة في اختيار رئيس الوزراء، لكن يجب أن يكون هذا الشخص قادراً على النجاة من تصويت سحب الثقة في حال وقوعه.

وإذا كان "التجمع الوطني" هو الكتلة الأكبر، لكن لديه أقل من 289 مقعداً، فإنه ذلك سيفتح الباب أمام الأحزاب الأخرى لمحاولة تشكيل ائتلاف.

إحدى المشكلات التي يواجهها ماكرون هي قضاؤه حملته الانتخابية وهو يحذر الناخبين من اختيار المتطرفين، سواء من اليسار أو اليمين. وهذا سيصعّب عليه أن يتحالف بعد ذلك مع أشخاص مثل ميلينشون، زعيم أحد الأحزاب الرئيسية التي تشكل الجبهة الشعبية الجديدة، ورجل يسعى لإلغاء مجموعة من إصلاحات ماكرون.

هل يستطيع ماكرون تعطيل عمل الحكومة؟

يسمح النظام للرئيس ببعض الحرية لتعطيل عمل الحكومة، كما يمكنه تأخير الموافقة على التشريعات، أو حتى حل البرلمان مجدداً خلال عام، رغم عدم وضوح ما إذا كانت النتيجة ستكون مختلفة.

وعلى هذا النحو، سيتحول مركز الثقل بشكل حاسم نحو رئيس الوزراء.

هناك احتمال آخر بمحاولة صياغته لنوع من الترتيبات الحكومية مع "التجمع الوطني" حيث يُخفف برنامجه وينتهي المطاف ببعض وزراء ماكرون الأكثر ميلاً إلى اليمين في الإدارة الجديدة. وربما تكون مثل هذه النتيجة غير مقبولة للغاية بالنسبة لماكرون، نظراً لخطر تلويث سمعته بالارتباط مع الحزب.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك