تعيين الكرملين خبيراً اقتصادياً لإدارة وزارة الدفاع علامة على نواياه الكبيرة

مارك تشامبيون: بوتين يستعد أفضل من الغرب لحرب طويلة

فلاديمير بوتين، رئيس روسيا - AFP
فلاديمير بوتين، رئيس روسيا - AFP
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يعرف فلاديمير بوتين، الذي درس التاريخ الروسي بحماس واهتمام شديد، معرفة جيدة أن بدء حرب وخسارتها وتخريب الاقتصاد هما توأم الخطر اللذان أطاحا ببعض أسلافه في الكرملين، من القيصر نيقولا الثاني إلى ميخائيل غورباتشوف.

لذلك فإن قراره باستبدال وزير دفاع غير كفء برجل من رجال الاقتصاد الأكفاء يهدف إلى التأمين ضد هذه الأخطار، وهي خطوة قد تبعث الطمأنينة فقط في قلب بوتين والمحيطين به، وليس سواهم.

يمثل تعيين أندريه بيلوسوف مزيجاً خطيراً من نوع خاص، لأن مهمته ستكون وضع آلة الحرب الروسية على أسس أكثر استدامة، في الوقت الذي تستمر فيه إدارة البلاد بيد رجل مدفوع برؤى ضخمة، الأمر الذي يتطلب إعادة التفكير من جانب أوكرانيا وغيرها من الدول الأخرى التي كانت خاضعة لموسكو، وكذلك في الغرب.

لو أن هذا الحديث يبدو مثيراً للقلق، فانتبه إلى ما قاله بوتين للروس منذ فوزه الساحق عند إعادة انتخابه في مارس. وبغض الطرف عن أن نتيجة التصويت كانت مقررة سلفاً ولم يكن لها أي علاقة بالديمقراطية، فقد فاز بوتين بنسبة 88% من الأصوات واسترد سلطته وثقته بنفسه، ورمى وراء ظهره الكوارث الأولى التي نجمت عن غزو أوكرانيا، بل وتمرد يفغيني بريغوجين، رئيس الطهاة السابق الذي تحول إلى قائد ميليشيا.

الهجوم على الغرب والتهديد النووي

في خطاب ألقاه في موكب عيد النصر بالميدان الأحمر في 9 مايو، اتهم بوتين الغرب بتبني سياسات استعمارية تدعم "النازيين" الجدد، وتؤجج الصراعات العرقية والطائفية في جميع أنحاء العالم. وحذر من أن قوات روسيا الاستراتيجية (النووية) لن تسمح لأحد بتهديد الوطن. كما سعى أيضاً إلى ربط صراعه اليوم ضد أوكرانيا المدعومة من حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالحرب العالمية الثانية، حيث قال إن روسيا تُركت تحارب هتلر وحدها لمدة ثلاث سنوات، بينما كانت أوروبا تدعم الفيرماخت الألماني، أي القوات المسلحة الموحدة لألمانيا النازية.

من المغري أن نتجاهل هذا النوع من التزييف التاريخي، ولكن ذلك خطأ لثلاثة أسباب. أولاً، لأن الكثير من الروس سيصدقون هذا الكلام. وثانياً، لأن الكثيرين في العالم سيميلون إلى ترديده كالببغاء، بما في ذلك أولئك الموجودون في الغرب من أمثال دونالد ترمب، الذين يرون بوتين حليفاً في معركتهم ضد الليبرالية. وثالثاً، لأن التهديد الذي تشكله روسيا بقيادة بوتين تهديد حقيقي، ليس بسبب أي نية فعلية لديها للضغط على الزر النووي أو غزو بولندا، ولكن لأن فهم بوتين للوطن واسع جداً حتى إن "حماية" مصالحه يجب حتماً أن تواجه بالمقاومة.

تفنيد مزاعم بوتين

لذا دعونا نتطرق إلى مزاعم بوتين، حيث يوجد بها من الحقيقة ما يكفي للتغطية على فداحة التزييف، كما يحدث في أغلب الأحوال. ففيما يتعلق بالنازيين الجدد، نعم، يوجد في أوكرانيا بعض هؤلاء النازيين الجدد. ومع ذلك، فإن روسيا لديها تمثيل يميني متطرف في برلمانها أكبر بكثير مما لدى أوكرانيا، التي لا تفعل شيئاً يشبه النازية أكثر من الدفاع عن نفسها ضد العدوان، تماماً كما فعل الاتحاد السوفيتي في عام 1941.

أما فيما يتعلق بالجهود الغربية لإضعاف روسيا وإلحاق الضرر بها، فينبغي أن نضع في اعتبارنا فقط أن موسكو هي التي غزت جارة ذات سيادة دون استفزاز، ثم أعلنت ضم ما يقرب من ربع أراضي تلك الجارة، على الرغم من أنها لم تعترف رسمياً بحدودهما المشتركة في المعاهدات الدولية فحسب، بل ضمنت أيضاً عدم الاعتداء عليها في عام 1994. لا يوجد هنا سوى قوة استعمارية واحدة هي روسيا تحاول إخضاع دولة كانت خاضعة لها من قبل في انتهاك للقانون الدولي.

أما بالنسبة للحرب العالمية الثانية، فالتاريخ مهم على وجه التحديد لأن المعاناة السوفيتية كانت كبيرة جداً. ونتيجة لإقناع الروس بأن تلك الفظائع ارتكبت بدعم من الحلفاء الغربيين آنذاك، فإن أكاذيب اليوم تصبح أسهل في الترويج لها. والحقيقة هي أن الاتحاد السوفيتي لم يشارك في أول عامين من الحرب العالمية الثانية، بعد أن أبرم معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا واتفاقاً لتقسيم بولندا. وبمجرد أن نكث هتلر الاتفاق وغزاها، كان قد احتل بالفعل معظم أوروبا القارية. لكن أوروبا غير المحتلة لم تدعم عملية بارباروسا، وبدون المساعدات العسكرية والمالية الأميركية –وهو ما اعترف به بوتين في النهاية في خطابه– فمن غير الواضح إن كانت موسكو ستتمكن من الانتصار آنذاك.

طموح يتجاوز حدود روسيا ومكانتها

تكمن الخطورة هنا في أن فكرة بوتين عن الوطن أكبر بكثير من حدود روسيا الحالية المعترف بها دولياً، وهي رؤية مشتركة على نطاق واسع داخل روسيا. كما أن فهمه لمكانة روسيا المناسبة في العالم أكبر بكثير من أن يبررها حجم اقتصادها الحالي وعدد سكانها.

إن فهم هذه العقلية أمر ضروري للغاية، لأن ما نشهده هو عملية تفكك إمبريالي بدأت مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، ولكنها لم تبلغ نهايتها بعد وتواجه معارضة متزايدة. إن عتبة تهديد "الوطن" لا تشترط هجوماً على روسيا. ويمكن الوصول إليها بمجرد أن يرفض إقليم سابق كان يتبع الإمبراطورية الخضوع لإرادة موسكو، وإحباط محاولة بوتين لإعادة موسكو إلى مكانها الصحيح كمركز لقوة عظمى، مساوية للولايات المتحدة والصين وأوروبا والهند.

إن بوتين، في الوقت الحالي، منشغل تماماً باستعادة السيطرة على أوكرانيا. غير أن أمامه مهام أخرى لم ينته منها بعد في دول البلطيق والقوقاز ومولدوفا. كما أنه يريد استعادة نفوذه في البلقان وأوروبا الوسطى، مع ضرورة إضعاف القوى الأخرى وهو يقوم بتدعيم قوته ونفوذه. وكلما حقق نجاحاً في ذلك، استطاع أن ينجز مزيداً من الأعمال الأخرى التي لم ينته منها حتى الآن.

زعزعة الاستقرار الإقليمي

من وجهة نظر من يطلق عليهم اسم الواقعيين، ينبغي على الغرب أن يتقبل كل ذلك. غير أن هذا الموقف سطحي بصراحة، ويفشل في إدراك أن الدول التي كانت تخضع لروسيا في السابق ولا تتقبل ذلك الآن لديها إرادة وقدرة على الفعل، وليست مجرد وكيلة للغرب في لعبة القوى العظمى.

إن أهداف بوتين هي وصفة لزعزعة الاستقرار الإقليمي. فالأوكرانيون، في نهاية المطاف، طردوا القوات المسلحة الروسية بجبروتها من كييف في الأسابيع الأولى من الحرب، عندما لم يتلقوا أي مساعدة غربية باستثناء بعض الصواريخ المضادة للدبابات التي بولغ في دورها إلى حد كبير في ذلك الوقت. وها هم الجورجيون يتظاهرون مرة أخرى في شوارع تبليسي احتجاجاً على رضوخ حكومتهم للنفوذ الروسي.

بالنسبة إلى بوتين، هذا هو قدره، وما يدين به لأسلافه في الكرملين. ولم يبدأ القادة الأوروبيون إلا الآن في إدراك ما تنطوي عليه هذه الرؤية، بينما في الولايات المتحدة، أصبحت السياسة بشأن روسيا متداخلة مع السياسة الداخلية، بحيث فقدت هدفها.

سيتعين على القادة في المنطقتين أن يركزوا على بناء الدفاعات المطلوبة لردع بوتين، بقدر ما أثبت هو تركيزه عندما عيّن بيلوسوف. سيكون ذلك مكلفاً بالتأكيد، لكنه لن يكون بأي حال باهظ التكلفة مثل البديل.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك