تتمثل السمة المميزة للسياسة العسكرية الروسية في إعراب البلاد عن استعدادها لإدخال الأسلحة النووية في حرب تقليدية. يساعد ذلك على تفسير سبب القلق الناجم عن تهديد الرئيس فلاديمير بوتين باستخدام ترسانته النووية منذ شن الحرب على أوكرانيا في فبراير 2022. إذ حذر بشكل علني من أن تدخل قوات "الناتو" قد يؤدي إلى إطلاق روسيا أسلحة نووية استراتيجية على الأراضي الأميركية والأوروبية.
كما يثير موقف روسيا بشأن ما يُسمى بالأسلحة النووية التكتيكية أو غير الاستراتيجية القلق أيضاً. ففي مايو، أمر بوتين الجيش الروسي بإجراء تدريبات قتالية تشمل الأسلحة ذات القوة التفجيرية المنخفضة (lower-yield) ، ما أدى إلى تصعيد مواجهته مع الغرب قبل يوم واحد فقط من تنصيبه لولاية خامسة.
1. ما الذي فعلته روسيا لإثارة القلق؟
عندما أرسل بوتين قواته إلى أوكرانيا في عام 2022، هدد أي دولة تتدخل في أن تشهد "عواقب لم تشهدها أبداً في تاريخها". واعتبر ذلك على نطاق واسع تهديداً بضربة نووية. في يونيو 2023، أشار بوتين إلى أن روسيا نشرت بعض أسلحتها النووية التكتيكية في بيلاروس، وهي دولة حليفة كانت نقطة انطلاق للهجمات الروسية على أوكرانيا. وتجري روسيا بانتظام تدريبات لاختبار أنظمة إيصال الأسلحة الاستراتيجية، بما في ذلك التدريب على إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وصواريخ كروز قصيرة المدى.
اقرأ أيضاً: روسيا تعتزم تشغيل محطة نووية استولت عليها من أوكرانيا
في فبراير، رداً على رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استبعاد إرسال قوات إلى أوكرانيا، استشهد بوتين بأسلحة استراتيجية روسية جديدة تدخل الخدمة، وقال إن على الولايات المتحدة وأوروبا "فهم أن لدينا أيضاً أسلحة يمكنها ضرب أهداف على أراضيها، وأن كل هذا يهدد حقاً بصراع مع استخدام الأسلحة النووية، وبالتالي تدمير الحضارة".
يبدو أن بوتين خفف من هذا الموقف بعد وقت قصير، حيث أخبر أحد المحاورين في 13 مارس أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في حرب أوكرانيا لم يخطر بباله أبداً، وأنه لا يعتقد أن روسيا والولايات المتحدة تتجهان نحو صراع نووي.
2 - ما هو السلاح النووي التكتيكي؟
"تكتيكي" هو مصطلح غير دقيق لسلاح نووي يمكن استخدامه في ساحة الحرب. وهذا يعني عموماً أن لديها رأساً حربياً أقل قوة (الرأس المتفجر لصاروخ أو صاروخ أو طوربيد) ويمكن إطلاقها على مدى أقصر، عن طريق الألغام أو المدفعية أو صواريخ كروز أو القنابل التي تسقطها الطائرات، مقارنةً بالأسلحة النووية "الاستراتيجية" التي يمكن أن تطلقها الولايات المتحدة وروسيا على أرض بعضهما البعض باستخدام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
ركزت اتفاقيات الحد من التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي التي بدأت في سبعينيات القرن العشرين (وبعد ذلك بين الولايات المتحدة وروسيا) في الغالب على عدد الأسلحة النووية الاستراتيجية، وليس التكتيكية.
3. ما مدى قوة السلاح النووي التكتيكي؟
بينما تُقاس أقوى الرؤوس الحربية الاستراتيجية اليوم بمئات الكيلوطن، يمكن أن تكون القوة التفجيرية للأسلحة النووية التكتيكية أقل من 1 كيلوطن؛ والكثير منها بعشرات الكيلوطن. من منظور ما، كانت القنابل الذرية التي أسقطتها الولايات المتحدة على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في عام 1945 ذات قوة تفجيرية تبلغ نحو 15 و 20 كيلوطن على التوالي.
4. كيف تتناسب الضربة النووية مع العقيدة العسكرية الروسية؟
منذ عام 2000، سمحت العقيدة العسكرية الروسية المشتركة علناً باستخدام الأسلحة النووية "رداً على عدوان واسع النطاق باستخدام الأسلحة التقليدية في الحالات الحرجة للأمن القومي للاتحاد الروسي". تفكر الاستراتيجية الروسية المعروفة باسم "التصعيد لوقف التصعيد" في استخدام سلاح نووي تكتيكي في ساحة المعركة، لتغيير مسار الصراع التقليدي الذي تواجه القوات الروسية خطر خسارته.
اقرأ أيضاً: بوتين يحث حكومته على تمويل خطة إنشاء المركبة الفضائية النووية
يقول جون هيتن، الذي شغل منصب أكبر مسؤول عسكري أميركي في مجال الأسلحة النووية، إن الترجمة الأكثر دقة للاستراتيجية الروسية هي "التصعيد للانتصار". كما أشار دبلوماسيون روس في محاولة لتبديد المخاوف بشأن ما قد يحدث في أوكرانيا، إلى أن الأسلحة النووية لن تستخدم ضد القوات التقليدية إلا إذا كان وجود روسيا "في خطر".
5. ماذا يوجد في ترسانة روسيا؟
ذكرت وزارة الدفاع الأميركية في عام 2018 أن روسيا لديها "مزايا كبيرة" تتفوق بها على الولايات المتحدة وحلفائها في القوات النووية التكتيكية وتعمل على تحسين قدرات التسليم. قدر الباحثون في اتحاد العلماء الأميركيين أنه مع دخول عام 2022، كان لدى روسيا 4,477 رأساً حربياً نووياً، حيث يُعتبر 1,525 منها -ما يقرب من الثلث- أسلحة تكتيكية.
العدد التقديري للرؤوس الحربية في عام 2022
صواريخ بالستية عابرة للقارات (استراتيجية) | صواريخ باليستية تطلق من الغواصات (استراتيجية) | صواريخ تطلق من قاذفة استراتيجية (استراتيجية) | رؤوس دفاعية | صواريخ مضادة للطائرات (تكتيكية) | صواريخ بحرية (تكتيكية) | صواريخ بحرية (تكتيكية |
1185 | 800 | 580 | 387 | 500 | 90 | 935 |
6- كيف ستبدو الضربة النووية التكتيكية؟
ترسم مؤلفة كتاب "المحرمات النووية: الولايات المتحدة وعدم استخدام الأسلحة النووية منذ عام 1945"، أن سيناريو لإطلاق سلاح نووي صغير واحد ذو قوة تفجيرية تبلغ 0.3 كيلوطن، ينتج "ضرراً يتجاوز بكثير ضرر المتفجرات التقليدية". كما كتبت في مجلة "سيانتفيك أميركان"(Scientific American) في مارس 2022 : "كما يمكن أن يتسبب في كل أهوال هيروشيما، وإن كان ذلك على نطاق أصغر".
ومع ذلك، من الممكن للرأس الحربي صغير القوة إذا ما تم تفجيره على الارتفاع الصحيح، محو القوى المعارضة الموجودة تحته دون أن يخلف وراءه أضراراً إشعاعية طويلة المدى تجعل ساحة المعركة محظورة على الجميع.
7. كيف ستكون ردة فعل دول العالم؟
نظراً إلى أن أوكرانيا ليست عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي -طالب بوتين بعدم السماح لها بالانضمام أبداً- فإن الولايات المتحدة والدول الحليفة ليست ملزمة بالدفاع عنها. لكن الغرب سيكون تحت ضغط كبير للرد على هجوم نووي، وربما حتى بسلاح تكتيكي خاص به. من هناك، فإن السيناريوهات مفتوحة.
قال الرئيس الأميركي جو بايدن في عام 2022 إنه لا يعتقد "أن هناك أي شيء اسمه القدرة على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية بسهولة من دون انتهاء الأمر بكارثة".
اقرأ أيضاً: قوى نووية تتعهد بإزاحة روسيا من أسواق اليورانيوم
يعتقد أن الولايات المتحدة لديها نحو 150 قنبلة نووية من طراز B-61، يتم إسقاطها من الطائرات، مع قوة تفجيرية يمكن أن تصل إلى 0.3 كيلوطن، ومتمركزة في خمس دول تابعة لحلف شمال الأطلسي: بلجيكا وألمانيا وهولندا وإيطاليا وتركيا.
ومن المعروف أن عضوين آخرين في حلف شمال الأطلسي، هما المملكة المتحدة وفرنسا، يمتلكان أسلحة نووية خاصة بهما. كما أعربت بولندا عن اهتمامها بـ"تقاسم" الأسلحة النووية الأميركية، ما قد يعني حصولها على أي شيء بدءاً من الطائرات المرافقة، أو طائرات الاستطلاع لمهمة نووية، وصولاً إلى تقديم الأسلحة فعلياً.