حان الوقت لنعلن موقفنا صراحةً بشأن أوكرانيا. لأنه إذا لم يتغير النهج الذي يتبناه الغرب بشأنها في أقرب فرصة، والولايات المتحدة بشكل خاص، فإن أوكرانيا ستواجه الدمار أولاً، ثم الاجتياح بتكلفة هائلة بالنسبة إلى الأوكرانيين وأوروبا والولايات المتحدة.
لا يوجد تناقض أكثر وضوحاً، أو مثيراً للاشمئزاز بصراحة، من تجربتي نهاية الأسبوع الماضي بين خاركوف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، وإسرائيل، حيث تعرض كل منهما لهجمات صاروخية مجمعة ومكثفة وغارات بطائرات مسيرة من طراز "شاهد".
لم تُمس إسرائيل تقريباً بوابل هائل من الهجمات يوم السبت، بفضل دروع أنظمة الدفاع الجوي المجهّزة بشكل مكثف، وتدخلات الجيوش الأميركية والبريطانية والفرنسية والأردنية التي ساعدت في إسقاط العديد من الرؤوس الحربية التي أطلقتها إيران، قبل أن تتمكن من الوصول إلى المجال الجوي الإسرائيلي. على الرغم من كل الانتقادات المستحقة التي تلقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب الطريقة التي أدار بها حرباً انتقامية ضد "حماس" في غزة، فإن هذا الرد المنسق سار تماماً على النحو الذي ينبغي أن يكون.
لا يمكن أن نرجع السبب في مثل هذا الدعم الواسع والمباشر إلى المكانة الاستثنائية التي تتمتع بها إسرائيل فحسب. فمشاركة الأردن، على الرغم من علاقتها المضطربة مع نتنياهو والسكان المتعاطفين بشدة مع القضية الفلسطينية، تشهد على ذلك. أدرك الأردن ببساطة، كما أدرك المشاركون الآخرون، أنه لا ينبغي السماح لإيران بالنجاح، لأن ذلك من شأنه أن يفرض مخاطر تتجاوز حدود إسرائيل.
اقرأ أيضاً: الاستخبارات الأميركية حذرت من خطر "مسيرات إيران" قبل هجوم "البرج 22"
ما هي أسباب ذلك؟
يرجع ذلك أولاً إلى أن إيران يحكمها نظام عدواني ومستبد وديني يدعم زعزعة استقرار البلاد من حوله. ثانياً، لو تم تدمير المدن وإزهاق الأرواح في إسرائيل من خلال وابل من الصواريخ والطائرات المسيرة، لكان ذلك فرض رداً سريعاً وقاسياً، مما يؤجج حرباً إقليمية من شأنها أن تفاقم تكاليف اقتصادية وأمنية يمتد تأثيرها إلى جميع أنحاء العالم.
ينطبق الأمر نفسه على أوكرانيا، إلا أنها تم التخلي عنها عندما قصفتها الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية في وقت سابق من اليوم نفسه. لم يكن أحد يتوقع أن يحلق الطيارون الأميركيون والبريطانيون بطائراتهم دفاعاً عنها، لكن حلفاء أوكرانيا يحرمونها الآن من وسائل الدفاع عن نفسها. نتيجة لذلك، لم تتمكن خاركوف، المدينة البالغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة، والتي تقع على بعد 32 كيلومتراً (22 ميلاً) فقط من الحدود الروسية، من صد حملة جوية ممنهجة لجعلها غير صالحة للعيش وجاهزة للغزو.
تعرضت محطات الكهرباء والتدفئة الرئيسية للقصف. كذلك تعرضت المباني السكنية للقصف، مما أودى بحياة سبعة أشخاص على الأقل. وكان الهجوم مجرد جزء من موجة قصف متسارعة استهدفت المدن الأوكرانية الكبرى التي لا تزال تحت مرمى نيران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بما في ذلك ما يسمى الضربات المزدوجة التي تهدف إلى قتل المدنيين أولاً ثم عمال الإنقاذ الذين يصلون لمساعدتهم.
تعد روسيا، شأنها في ذلك شأن إيران، دولة استبدادية، طغى عليها نمط خاص من التعصب، فيما تسعى لإحياء مجد إمبراطوري مفقود على حساب جيرانها. أثبت بوتين أنه تهيمن عليه النزعة الانتقامية. فقد وضع اقتصاد بلاده على شفا الحرب، وهو مقتنع بأنه يخوض حرباً حضارية مع الغرب. لم ينتبه لهذا الأمر كل من يتصور أن بوتين لن يواصل النجاح العسكري في أوكرانيا بتحويل انتباهه إلى مولدوفا ودول البلطيق والبلقان، في حين يفرض تحولات سياسية وأمنية دراماتيكية في أوروبا.
اقرأ أيضاً: بلومبرغ: على الغرب استغلال نقطة ضعف بوتين لأقصى درجة
تحول الأحداث
يشوب هذا التحول في الأحداث قدر كبير من اللوم، ولكن من حيث المسؤولية، يستحق رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، المدعوم من محرك الدمى دونالد ترمب، أن يُلقى عليه بالقدر الأكبر من اللوم.
فقد كان لمسألة عدم موافقته على توفير التمويل لأوكرانيا منذ أكتوبر الماضي دور هائل في تفاقم معاناتها حالياً من نقص بنسبة خمسة أو ستة إلى واحد جراء نيران المدفعية، بسبب نقص الذخيرة، وأصبحت معرضة بشكل متزايد للهجمات الصاروخية، بسبب عدم امتلاكها الصواريخ الاعتراضية، التي كان يمكن للولايات المتحدة أن توفرها. فكانت النتيجة المباشرة لذلك إزهاق الأرواح.
يستحق رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إشارة خاصة في أوروبا، حيث بذل هو أيضاً كل ما في وسعه لتأخير مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، وضمان انتصار روسيا. واعتبر موقفه المؤيد لتحريض بوتين على الحرب محاولة للسلام. والموقف الأقل قسوة، ولكنه يتحمل أيضاً المسؤولية عن عدم القدرة على التفكير والعمل بشكل استراتيجي، هو موقف المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي قدم مساعدة كبيرة لأوكرانيا بمرور الوقت، ولكنه كان أيضاً يُرجئ باستمرار نقل المعدات الرئيسية إليها.
التأخير أمر جوهري في الحرب؛ لأن الكثير من الأحوال تتبدّل بين عشية وضحاها. وكما هي الحال بالنسبة إلى البنك المركزي الذي يحدد السياسة النقدية، يجب اتخاذ القرارات المتعلقة بإمدادات الأسلحة والتعبئة قبل وقت طويل من الحاجة إلى تأثيرها على الخطوط الأمامية.
هنا تتحمل إدارتا جو بايدن وفولوديمير زيلينسكي المسؤولية أيضاً. قام بايدن ومستشاروه بتقديم أنواع الأسلحة وكمياتها التي تحتاجها أوكرانيا بشكل محدود تدريجياً بما يمكّنها من الاستمرار، وليس ما يمكّنها من حسم الحرب-حتى قبل أن يمنع مايك جونسون المزيد من المساعدات. كما أنهم يضغطون على أوكرانيا كي تتجنب ضرب البنية التحتية الروسية الرئيسية، حتى في الوقت الذي تطلق فيه روسيا النار على أوكرانيا من أراضيها.
اقرأ أيضاً: أوكرانيا تراهن على المسيّرات لتغطية نقص قذائف المدفعية
حشد الشجاعة السياسية
أخفق زيلينسكي في حشد الشجاعة السياسية (لا أحد يلومه على شجاعته الشخصية) التي يحتاجها لتعبئة المزيد من القوات عندما كان القرار ضرورياً في العام الماضي. كانت النتيجة هي أن أوكرانيا تواجه الآن نقصاً حاداً في الأفراد الذين يخدمون على جبهة القتال. وتعاني الألوية العسكرية من ضعف قدراتها، فهي غير قادرة على تعويض القتلى والجرحى، أو منح قسط من الراحة للجنود الذين ظلوا صامدين في الخطوط لمدة تصل إلى عامين تحت وابل مستمر من نيران المدفعية الروسية، التي انضمت إليها الآن قنابل انزلاقية عالية القوة.
لا يزال من الممكن تغيير هذه الصورة القاتمة. تعهد جونسون، بعد أشهر من العرقلة، بإجراء تصويتين منفصلين بشأن المساعدات لإسرائيل وتايوان وأوكرانيا في وقت مبكر من يوم الجمعة. سنرى ما هو السُم الذي سوف يُدس، عندما يتم تفكيك الحزمة التي أقرها مجلس الشيوخ في فبراير. تحتاج كييف إلى كل المبلغ ضمن الحزمة والذي يبلغ 60.6 مليار دولار، وبشكل أكثر تحديداً، إمدادات الأسلحة والذخيرة التي كان ينبغي لهذه الأموال أن تفرج عنها منذ فترة طويلة.
أرسل البرلمان الأوكراني "رادا"، أخيراً مشروع قانون للتعبئة تم تعديله كثيراً إلى زيلينسكي للتوقيع عليه، إذ سيعتمد نجاحه إلى حد كبير على ما إذا كان المجندون المحتملون يعتقدون أنه ستكون هناك أسلحة يمكنهم استخدامها وذخيرة لحمايتهم. على الرغم من عدم وجود قوات بحرية، فقد فازت الطائرات المسيرة في كييف بمعركة كبيرة ضد أسطول البحر الأسود الروسي.
من المنتظر أن تحلق أولى طائرات "إف 16" فوق أوكرانيا قريباً، فيما نظمت جمهورية التشيك حملة حظيت بتأييد تستهدف من خلالها تأمين 800 ألف قذيفة لمدفعيتها.
اقرأ أيضاً: قنابل FAB-500 الانزلاقية.. روسيا تفتح "بوابات الجحيم" على أوكرانيا
الوضع قاتم
اثنان من أفضل المحللين الغربيين للحرب في أوكرانيا، وهما مايكل كوفمان، زميل بارز في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي في واشنطن، وروب لي، من معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، عادا مؤخراً من رحلة إلى أوكرانيا، وقد توصلا إلى نتيجة مفادها أنهم وجدوا أن الوضع قاتم، لكنه ليس كارثياً بعد.
قالا إن الروس قد حلوا مشاكل القوى البشرية الخاصة بهم، وقادرون على التكيف، لكنهم ما زالوا يخسرون ثلاثة أضعاف عدد الأفراد والمعدات أكثر بكثير من أوكرانيا في سبيل تحقيق مكاسب بطيئة فحسب، على الرغم من كل المزايا التي يتمتعون بها من حيث أعداد القوات وقوة النيران. ولمنع تفاقم الوضع، يتعين على أوكرانيا أن تستعيد قوتها البشرية، وأن تبني الدفاعات، وأن تؤمّن إمدادات الذخيرة.
قال لي في لقاء عبر البودكاست بعد الرحلة: "أعتقد أن أوكرانيا يمكن أن تصمد إذا تمت معالجة هذه الأمور"، وأن الضباط والسياسيين الذين تحدثا إليهم كانوا على دراية جيدة بالمهمة.
وعند هذه النقطة، يتعين عليهم أن يحددوا استراتيجية للانتصار بحيث لا تتضمن الهدف غير المتوقع المتمثل في استعادة كل الأراضي المفقودة. أوضحا بالقول: "لكن مرة أخرى، يعتمد الأمر على القرارات الرئيسية التي سيتم اتخاذها، وكلما أسرعنا كلما كان ذلك أفضل".
في ظل تحميل مسألة التعبئة المسؤولية، فإن أهم هذه القرارات سوف يقع على عاتق الزعماء الغربيين. سوف يتحمل مايك جونسون، على وجه الخصوص، مسؤولية ثقيلة وشخصية عن العواقب المترتبة على ذلك، إذا لم يتوافق حلفاء أوكرانيا، أو استمروا في المماطلة.