يعلق البيت الأبيض آماله على "الحوار الأمني الرباعي" (the Quad) مرة أخرى، بينما يسعى لإثبات أن حرب أوكرانيا لم تشتت انتباه أميركا عن الأولويات الملحة في آسيا.
تضم المجموعة غير الرسمية الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا في تحالف للديمقراطيات ذات المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة الممتدة في المحيطين، الهادئ والهندي. غرض المجموعة الرسمي هو الحفاظ على منطقة المحيط الهندي والهادئ حرة ومنفتحة، أما هدفها غير المعلن فهو التصدي لنفوذ الصين المتنامي، ما يثير استياء السلطة في بكين.
يشكك منتقدو "الحوار الأمني الرباعي"، في أهداف المجموعة التي تبدو مبهمة، ويتساءلون عن مدى جدوى المجموعة، حيث يخشى بعض أعضائها استفزاز الصين.
مع ذلك، تتهيأ المجموعة لزيادة تأثيرها، حيث أفضى استمرار التوترات بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وغزو روسيا لأوكرانيا من جهة أخرى، إلى زيادة التحالفات الأمنية الغربية.
1) لماذا الحديث عن "الحوار الأمني الرباعي"؟
اكتسبت المجموعة زخماً جديداً في عهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يعتزم السفر إلى اليابان في 17 مايو. ألغى بايدن خططه لزيارة أستراليا، ما دفع لإلغاء اجتماع "الحوار الأمني الرباعي" في 24 مايو. عوضاً عن ذلك، سيجتمع الرؤساء الأربعة في اليابان على هامش قمة مجموعة الدول السبع (G7) التي ستنعقد قبلها بأيام.
عندما حضر الرؤساء قمة في طوكيو العام الماضي، أعلنوا عن برنامج للحد من الصيد غير المشروع في أنحاء المحيط الهندي والمحيط الهادئ، في ظل تفاقم القلق حيال أنشطة السفن الصينية. جاء هذا الإعلان بعد اجتماع افتراضي 2021، الذي يُعد الاجتماع الأول لرؤساء "الحوار الأمني الرباعي"، ونتج عنه تعهد بتمويل الهند لتسريع وتيرة إنتاج لقاحات كورونا وتوزيعها في أرجاء آسيا.
لم تكن المجموعة دوماً بهذا النشاط، حيث سادها الخمول لسنوات قبل أن يعيد الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترمب، إحياءها في 2017، والتي عزمت حكومته على مواجهة الصين. إلا أن دبلوماسية ترمب المتذبذبة أدت لتردد بعض الحلفاء في الانضمام إلى معسكر الولايات المتحدة أو الصين.
عندما حل بايدن محل ترمب، تعهد بزيادة التعاون الوثيق مع الحلفاء، مع استمرار الموقف الحازم تجاه الصين.
2) كيف نشأت المجموعة؟
بعد أن شكلت الدول الأربع مجموعة مركزية ساعدت على تنسيق عمليات الإغاثة بعد أمواج تسونامي المدمرة التي ضربت المحيط الهندي في 26 ديسمبر 2004، دعا شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان حينها، لتشكيل مجموعة أكثر رسمية، يطلق عليها "الحوار الأمني الرباعي" (Quadrilateral Security Dialogue) في عام 2007.
في ذلك العام، التقت المجموعة على هامش المنتدى السنوي لآسيا والمحيط الهادئ التي تعقده رابطة دول جنوب شرق آسيا، وفي العام ذاته، شاركت دول "الحوار الأمني الرباعي"، ومعها سنغافورة، في نسخة موسعة من مناورات ملابار البحرية في خليج البنغال، التي عادة ما شاركت فيها القوات الأميركية والهندية. لكن بعد بداية واعدة، انهار "الحوار الأمني الرباعي" فعلياً في العام التالي.
3) ما سبب تداعي التحالف؟
يعتمد ذلك على من تتحدث إليه، لكن الاهتمام تراجع في ظل مخاوف من استعداء الصين. فلام رئيس وزراء أستراليا السابق، سكوت موريسون، سلفه الدبلوماسي كيفن رود، الذي يتحدث اللغة الصينية الماندرانية ويشغل حالياً منصب سفير أستراليا في واشنطن، على سياسة الانفصال من الحوار الأمني الرباعي، وأشار رود في كتابه في 2019، بأن الأمر لم يكن بتلك السهولة.
قال رود إن "الحوار الأمني الرباعي" خسر تأييد أصحاب النفوذ السياسي في اليابان بعد استقالة آبي في ذات العام الذي اقترح فيه تشكيل المجموعة، لا سيما بعد خسارة حزبه للسلطة في 2009. كما كتب أن المسؤولين الأميركيين لم يشيروا حتى إلى المجموعة عند زيارته الولايات المتحدة في 2008 بصفته رئيساً للوزراء. وأشار أيضاً إلى تعهد نظيره الهندي حينها، مانموهان سنغ، بعدم المشاركة في أي مبادرة تهدف لاحتواء الصين.
رغم ذلك، تغيرت الأوضاع مرة أخرى عندما تولت الحكومتان القوميتان السلطة في الهند واليابان في 2017. فقبل تولي بايدن الرئاسة، انخرطت الصين في صراع دموي مع الهند على حدود الهيمالايا التي تتنازع عليها الدولتان، كما اتخذت إجراءات تجارية عقابية تجاه أستراليا نتيجة لاقتراح الأخيرة إجراء تحقيق في منشأ فيروس كورونا، والذي رُصد للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية.
لم يؤد نفوذ الصين المتزايد إلى التقارب بين الولايات المتحدة والهند فحسب، لكنه أدى لزيادة اهتمام الهند بالحوار الأمني الرباعي، وفقاً لأحد المسؤولين الأميركيين.
4) ما موقف الصين من "the Quad"؟
انتقدت الصين "الحوار الأمني الرباعي" باعتباره آلية لاحتواء صعود مكانتها على الصعيد العالمي. كما اتهمت وزارة الخارجية الصينية المجموعة بتكريس جهودها لتقويض المصالح الصينية، فوصف المتحدث الرسمي للوزارة، وانغ وين بن، في أبريل، المجموعة بأنها منغمسة في عقلية الحرب الباردة البائدة ومكسب طرف على حساب الآخر التي عفا عليها الزمن وتلمح إلى المواجهة العسكرية، مضيفاً أنها تسير في عكس الاتجاه السائد في هذا العصر، والنبذ هو مصيرها المحتوم.
5) ما رأي المنتقدين الآخرين؟
اتهم بعض المنتقدين "الحوار الأمني الرباعي" بأنه مجرد مكان للثرثرة، ولا يمكنه الإجماع على رأي واحد، ويفتقر لأي هيكل مؤسسي حقيقي، وفقاً لتقرير صدر من وكالة بحوث الكونغرس (CRS). ويخشى آخرون أن يتحول في نهاية المطاف إلى نسخة آسيوية من "حلف شمال الأطلسي" (NATO)، ستستدعي رداً صينياً.
كتبت تانفي مادان، لدى "معهد بروكنغز"، أن المسؤولين الهنود يخشون استفزاز الصين، وفي الوقت نفسه يشكون في الروابط الوثيقة بين أستراليا وبكين والمستمرة حتى الآن. مع ذلك، وفي خطوة رمزية في 2020، بدا أن الهند تغلبت على ترددها ولبت دعوة أستراليا للمشاركة في مناورات ملابار.
6) ما أجندة المجموعة الرباعية؟
في القمة التي عُقدت في طوكيو في مايو 2022، أصدر الرؤساء بياناً يعد بمنطقة حرة منفتحة وشاملة وقادرة على الصمود في المحيط الهندي والمحيط الهادئ، ما يشير إلى نيتها اتخاذ إجراءات تجاه التحديات العالمية الملحة.
يشمل ذلك مشكلات كبرى مثل تغير المناخ والأمن السيبراني، إلى جانب مجالات محددة، مثل التعاون في البنية التحتية، والأرجح أنه رد سريع على مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
ساعدت تلك الحملة على بناء الطرق ومحطات الطاقة في أرجاء آسيا، لكنها تعرضت لانتقادات كبيرة، ومنها اتهامات بأن الصين تغري الدول الفقيرة للسقوط في مصيدة الديون.
رغم أن الحوار الأمني الرباعي ما زال حذراً من إثارة رد فعل الصين، إلا أنه مجرد جزء من تقارب جديد مع آسيا، ففي 2021، أبرمت المملكة المتحدة والولايات المتحدة اتفاق دفاع منفصل مع أستراليا، يُعرف باسم "أوكوس" (AUKUS)، لتزويد الأخيرة بالغواصات النووية، في تطور جاء بعد أن شنت الصين حملة ضغط ضدها.