تزايد موقف بيلاروسيا المؤيد لروسيا، خلافاً لجيرانها، بعد الخروج من الاتحاد السوفيتي المنهار في مطلع التسعينيات. وترسخت تلك الروابط مع غزو روسيا لأوكرانيا. سمح الرئيس ألكسندر لوكاشينكو- الذي يحكم البلاد منذ مدة طويلة- باستخدام بيلاروسيا كنقطة انطلاق، فيما تجنب إرسال قواته للمشاركة في الحرب.
يأتي ذلك التضامن رداً للجميل بعد الدعم المالي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحكومة لوكاشينكو لعدة سنوات، وهبّة بوتين لمساعدته عقب الانتخابات المثيرة للجدل في 2020 التي أطلقت شرارة انتفاضة شعبية إلى جانب القمع والعقوبات.
1) ما أهمية بيلاروسيا بالنسبة إلى روسيا في الصراع؟
الدولة التي يبلغ عدد سكانها 9,3 مليون نسمة تقع في شمال أوكرانيا، ويبلغ طول حدودهما المشتركة مئات الأميال. كما تتاخم حدود بيلاروسيا الجنوبية كييف، مما جعلها قاعدة مفيدة للقوات الروسية في محاولتها الفاشلة للاستيلاء السريع على العاصمة الأوكرانية في بداية الصراع.
حدود بيلاروسيا مع بولندا وليتوانيا ولاتفيا، الأعضاء في حلف الناتو العسكري الغربي، تضمن أهميتها الاستراتيجية لموسكو. كما أنَّ البلد يشكل جزءاً من الطريق الأقصر بين بر روسيا الرئيسي ومدينة كاليننغراد، وهي منطقة معزولة تسيطر عليها روسيا في الغرب على بحر البلطيق.
2) لماذا تساعد بيلاروسيا روسيا في الحرب؟
اختبر لوكاشينكو صبر بوتين في السابق من خلال تصوير بيلاروسيا على أنَّها دولة مستقلة برغم اعتمادها الهائل على الطاقة والمساعدة المالية الروسية. امتنعت مينسك عن الاعتراف بضم روسيا للقرم في 2014، وحاولت الوساطة في تلك الأزمة. بدأ تغير العلاقة في 2020 عندما زاد تأثير بوتين على لوكاشينكو الضعيف بدعم قمعه لحركة المعارضة المنظمة التي هددت بالإطاحة بالأخير. كما كسبت موسكو مزيداً من النفوذ بتقديم قروض قيمتها 1,5 مليار دولار وعقد صفقات تفضيلية لتوريد النفط والغاز لجارتها الصغيرة.
شي يتوافق مع بوتين ضد أميركا لكنه يتردد في صفقة الغاز الكبيرة
العقوبات التي فرضتها الحكومات الغربية على مينسك دفعت بيلاروسيا إلى أحضان روسيا بشكل أكبر، ففي ديسمبر 2022 زار بوتين لوكاشينكو في بيلاروسيا، وهي زيارة خارجية نادرة للرئيس المنعزل تثبت مدى التقارب بين الرئيسين.
3) ماذا عن العلاقة العسكرية؟
أجرى الجيش الروسي تدريبات مشتركة مع بيلاروسيا في الأسابيع السابقة لغزوه أوكرانيا، وسمح هذا لروسيا بنقل المعدات والقوات إلى المنطقة البيلاروسية المتاخمة للحدود الأوكرانية. قدّر عدد الجنود الروس الموجودين في بيلاروسيا حينئذ بنحو 30 ألف جندي، مما يجعله أكبر حشد عسكري في المنطقة منذ الحرب الباردة، وفقاً للأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ. بقت تلك القوات في المنطقة بعد انتهاء التدريبات، وشارك الكثير منها في الغزو. وبعد بدء الحرب ببضعة أيام؛ تخلت بيلاروسيا عن موقفها الحيادي، مما وفر لها الغطاء القانوني لاستضافة القوات والأسلحة الروسية.
صادرات الديزل الروسية تقترب من مستويات قياسية رغم العقوبات
في مارس 2023، أي بعد عام، قال بوتين إنَّ روسيا تستعد لنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا مع احتفاظها بالتحكم فيها. اتفقت روسيا مع أوكرانيا وكازاخستان- وهما من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق - في 1994 على تسليم الأسلحة النووية الموجودة على أراضيها إلى روسيا في مقابل ضمانات أمنية. كما أرسلت روسيا صواريخ "إسكندر" قصيرة المدى القادرة على حمل الرؤوس النووية ومنظومة "إس-400" للدفاع الجوي، فضلاً عن نقلها مقاتلات "ميغ" النفاثة القادرة على حمل الأسلحة فرط الصوتية.
4) كيف يتعامل خصوم روسيا مع بيلاروسيا؟
عقاباً لحكومة مينسك على تورطها في الصراع؛ شددت الدول العقوبات المفروضة بعد القمع الذي نفّذه لوكاشينكو عقب الانتخابات. حظر الاتحاد الأوروبي صادرات السلع والتكنولوجيا التي قد يستخدمها جيش بيلاروسيا، كما أنَّ العقوبات المالية التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على روسيا عقب الغزو طُبقت على بيلاروسيا أيضاً، إذ استهدف الاتحاد الأوروبي البيلاروسيين الذين يساعدون في المجهود الحربي الروسي.
وفرت بولندا وليتوانيا، من دول الاتحاد الأوروبي، ملاذاً لرموز المعارضة البيلاروسية، كما اتهمتا لوكاشينكو بالانتقام بنقل آلاف المهاجرين – بينهم كثيرون من الشرق الأوسط- عبر حدودهما.
5) هل نجحت العقوبات؟
العقوبات تختبر النموذج الاقتصادي الراسخ بالبلد والمعتمد على تصدير الوقود المستخرج من النفط الروسي المستورد وبيع البوتاس والسماد إلى الأسواق الكبرى مثل الصين والهند والبرازيل. لكنَّ العقوبات لم تكفِ ليعيد لوكاشينكو النظر في تحالفه مع بوتين.
يُذكر أنَّ لوكاشينكو يتولى السلطة منذ أول انتخابات رئاسية في بيلاروسيا بصفتها جمهورية مستقلة في 1994.
تجددت المظاهرات في بيلاروسيا حين سمح لوكاشينكو بتدفق القوات الروسية إلى داخل أوكرانيا، وفي الشهر الأول من الحرب اعتُقل 1500 شخص على الأقل، حين بدأ بعض النشطاء المعارضين بتدمير البنية التحتية للسكك الحديدية، وتعطيل بعض الشحنات العسكرية الروسية، لكنَّ الزعيم البالغ عمره 68 عاماً ما زال يحكم قبضته على السلطة.