بعد أيام من المساومات السياسية ومداولات القصر في أعقاب انتخابات يوم السبت، من المقرر أن تكشف ماليزيا أخيراً عن حكومتها الجديدة.
لكن لا يزال مستقبل رئيس الوزراء المكلف الجديد أنور إبراهيم غامضاً، حيث سيتعين عليه العمل مع مجموعة صعبة من الحلفاء، في ظل التحديات الاقتصادية الكبرى التي تلوح في الأفق.
إليك كل ما تحتاج معرفته عن إدارة البلاد وشبكة التحالفات، وما المتوقع حدوثه بعد ذلك.
أنور إبراهيم يصطدم بعقبة أخيرة قبل الفوز برئاسة وزراء ماليزيا
كيف وصلنا إلى هنا؟
بعد مرور خمسة أيام من إعادة الانتخابات الوطنية برلماناً معلقاً، كان لملك ماليزيا، سلطان عبد الله أحمد شاه، الكلمة الحاسمة في اختيار أنور إبراهيم رئيساً للوزراء المقبل في ماليزيا. كما اضطُر إلى اتخاذ قرار بعد أن فشلت التحالفات السياسية الرئيسية في البلاد في الفوز بأكثر من 111 مقعداً ضرورياً للحصول على الأغلبية في البرلمان.
طلب الملك أولاً من قادة أكبر كتلتين –تحالف "باكاتان هارابان" بزعامة أنور وتحالف "بيريكاتان ناسيونال"، أي تحالف الجبهة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين– تشكيل حكومة وحدة. من جهته، رفض محيي الدين الاتفاق على تشكيل هذه الحكومة، وألقى بالعملية في طريق مسدود، حيث أُجبر الملك على التدخل واستخدام صلاحياته الدستورية لاتخاذ القرار النهائي.
من هو رئيس وزراء ماليزيا المكلف؟
على الرغم من بروز أنور منذ فترة طويلة كلاعب أساسي في المشهد السياسي الماليزي، إلا أنه لم يحقق طموحه في أن يصبح رئيساً للوزراء. وبصفته وزيراً سابقاً للمالية ونائباً لـ"مهاتير محمد"، رئيس الوزراء الأطول ولايةً في البلاد، توقف صعوده السياسي بعد إقالته في أعقاب الأزمة المالية عام 1997 بعد خلاف مع مهاتير. وطُرد لاحقاً من "المنظمة الوطنية المالاوية المتحدة" (UMNO)، التي هيمنت على السياسة الماليزية منذ استقلالها في عام 1957، وقد سُجن بتهمة الفساد والمثلية، وهي التهم التي نفاها معتبراً أنها تهم "ذات دوافع سياسية".
في عام 2015، سجن مرة أخرى لمدة خمس سنوات بتهمة "المثلية"، لكنه قضى ثلاث سنوات فقط بعد أن عفا عنه الملك في عام 2018 بعد الفوز المفاجئ لحزبه في الانتخابات. وبعد انهيار حكومة مهاتير في عام 2020 ، عاد تحالف "باكاتان هارابان" إلى صفوف المعارضة.
ما هي أبرز التحالفات السياسية في ماليزيا؟
- "باكاتان هارابان": فازت الكتلة الأكبر في البلاد بقيادة أنور، بـ82 مقعداً في الانتخابات، وحشدت الدعم من الناخبين الحضريين والمتعلمين حول جدول أعمالها التقدمي والتزامها بمعالجة المشكلات الاقتصادية. ومع ذلك، برز حزب العمل الديمقراطي (DAP) الذي شكّل إحدى العقبات الرئيسية أمام جهود بناء التحالفات، كأكبر عضو فيها. وفي حين يحظى هذا الحزب بشعبية واسعة بين عدد كبير من سكان الصين، إلا أن الأحزاب الأخرى رفضت تقليدياً العمل في تحالف يضم حزب العمل الديمقراطي بسبب المخاوف من رغبته في تفكيك المعاملة التفضيلية للملايو والشعوب الأصلية -التي تشكّل نحو 70% من السكان- لصالح مخطط يفيد جميع المجموعات العرقية. ويضم التحالف أيضاً "حزب عدالة الشعب" و"حزب الثقة الوطنية" والوافد الجديد "التحالف الديمقراطي الماليزي المتحد".
- "باريسان ناسيونال": لطالما لعب التحالف الذي تهيمن عليه "المنظمة الوطنية المالاوية المتحدة" دوراً بارزاً في السياسة الماليزية، بعد أن شكّل كل حكومة منذ استقلال البلاد حتى عام 2018. ومع ذلك، عانى هذا التحالف في استطلاعات الرأي التي أُجريت في عام 2018، بعد أن ابتعدت قاعدته الماليزية عن الحزب في أعقاب انتشار مزاعم الفساد ضد القادة- وأبرزها دور رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق في فضيحة الفساد التي تورط فيها صندوق الثروة السيادية الماليزي (MDB1). وبينما يقبع نجيب الآن خلف القضبان، لا يزال قادة المنظمة، بمن فيهم رئيس الحزب أحمد زاهد حميدي، يواجهون عشرات الدعاوى القضائية بتهم بالفساد، ما أدى إلى ضربة انتخابية أخرى، حيث فاز التحالف بـ30 مقعداً فقط في انتخابات السبت، وهو أسوأ أداء يسجله حتى الآن.
- "بيريكاتان ناسيونال": يتألف التجمع من حزبين رئيسيين: "بيرساتو" (Bersatu)، و"حزب ماليزيا الإسلامي" (PAS). ويقود هذا التحالف رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، الذي لعب دوراً أساسياً في سقوط حكومة باكاتان هارابان بعد مغادرته التحالف في عام 2020. وزاد الائتلاف الإسلامي المؤيد للملايو عدد مقاعده إلى 73 مقعداً هذا العام، بعد أن فاز بـ39 مقعداً في البرلمان الأخير.
- أحزاب بورنيو: تهيمن ثلاثة أحزاب صغيرة على جزيرة بورنيو، التي عبرت عن غضبها عبر التاريخ بسبب إهمالها من قبل صانعي السياسات في شبه جزيرة ماليزيا. وفاز حزب "غابونغان ساراواك" (Gabungan Parti Sarawak) بـ23 مقعداً (GPS)، كما فاز "غابونغان راكيات صباح" (GRS) بستة مقاعد. و"واريسان" (Warisan) بـ3 مقاعد فقط. لكن الدعم من هذه الأحزاب، التي غالباً ما تدافع عن المصالح المحلية، قد يكون حاسماً لتمرير التشريعات في برلمان معلق.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
بعد أن عُيّن أنور رئيساً للوزراء في البلاد، سيتعين عليه حشد دعم الأحزاب ذات المصالح المختلفة، له والحفاظ عليه. ما يعني أنه يواجه معضلة حول الأحزاب أو التحالفات التي يختار إشراكها في ائتلافه الحاكم.
على الرغم من أن الملك قد كلفه إلى جانب الأحزاب الأخرى بتشكيل حكومة وحدة، إلا أنه قد يصعب التغلب على العداء الطويل الأمد. في هذا الإطار، أعلن تحالف "باريسان ناسيونال" دعمه لتشكيل حكومة وحدة، لكنه استبعد السماح لـ"بيريكاتان ناسيونال" بقيادتها. في حالة حزب "غابونغان ساراواك" (GPS) في ساراواك، تشهد العلاقات بينه وبين حزب العمل الديمقراطي توتراً حاداً، بعد أن قال زعيم حزب العمل الديمقراطي ليم غوان إنج، خلال فترة توليه منصب وزير المالية في عام 2019، إن ولاية ساراواك ستفلس في نهاية المطاف إذا ظلت تحت حكم حزب "غابونغان ساراواك".
ما هي أبرز التحديات المباشرة التي تواجهها الحكومة؟
ستتوقف أمور كثيرة على ما إذا كان تحالف أنور سينجح في معالجة المشكلات الاقتصادية التي برزت في مقدمة الحملة الانتخابية. وبينما يشهد الاقتصاد انتعاشاً ضعيفاً، يعاني الناخبون من ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف قيمة العملة المحلية وسط مخاوف من تباطؤ عالمي خلال العام المقبل.
في هذا الإطار، سيتعين على أنور أيضاً الحد من مخاوف الناخبين الملايو الشباب في المناطق الريفية، الذين شكلوا دعماً أساسياً لـ"بيريكاتان ناسيونال". حيث يبحث عدد كبير منهم على وظائف ذات أجور جيدة لمساعدتهم على العيش والاستمرار في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وفقاً لكامبل وايت، رئيس الشؤون العامة واستطلاعات الرأي لآسيا والمحيط الهادئ في "يو غوف" (YouGov). ومع ذلك، فإن التحول نحو سياسات أكثر تركيزاً على العرق، قد تُنذر بمخاطر حدوث نتائج عكسية مع الأعضاء الأكثر تقدمية في تحالف أنور.
هل ستنجح الحكومة الجديدة في الصمود؟
شهدت ماليزيا تشكيل حكومات مختلفة منذ انهيار إدارة مهاتير في 2020، تحت وطأة عدد من الانشقاقات. كما ستبدأ إدارة أنور أيضاً مسيرتها على أرض تعاني ضعفاً، حيث تواجه ضغوطاً كبيرة لاستمرار الأحزاب الأخرى، التي اصطدمت بها تقليدياً، إلى جانب تمرير التشريعات.
كما تلوح في الأفق مخاطر تنذر بالفساد. ويعني الدور المحتمل لـ"باريسان ناسيونال" في دعم الحكومة الجديدة أن القضية لا تزال ذخيرة جاهزة لأحزاب المعارضة، وتشكّل عائقاً أمام أنور الذي وعد بقيادة حكومة نظيفة. وقد يتوقف دعم المنظمة الوطنية المالاوية المتحدة لتحالف أنور، على كيفية تعامله مع مثل هذه القضايا.
ما الدور الذي ستلعبه الأحزاب الإسلامية؟
خرج "حزب ماليزيا الإسلامي" من الانتخابات باعتباره الحزب الوحيد الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد، حيث فاز بما مجموعه 49 مقعداً في الوقت الذي روج فيه للأرضية الدينية العالية على حساب حركة مراقبي الأمم المتحدة العسكريين وغيرها من الجماعات المؤيدة للملايو. وقد لقي الحزب دعماً في أكثرية المناطق الريفية على أساس ترويجه لحملة إسلامية تشمل فرض الشريعة الإسلامية وحظر بيع الكحول في جميع أنحاء البلاد.
على الرغم من غياب الحزب عن الحكومة، إلا أنه من المرجح أن يمارس ضغوطاً كبيرة على الأغلبية الضئيلة لأنور، مع احتمال أن تلقى الهجمات على السياسات الليبرالية صدى لدى قاعدته المتنامية من الناخبين.