يبدو أن قمم مجموعة العشرين دائماً ما تُعقد تزامناً مع اندلاع أزمة واحدة على الأقل، والتي تتمحور حولها المناقشات في غرف الاجتماعات والتجمعات الفردية في الممرات.
فغالباً ما يميل القادة للالتفاف حول موقف محدد، ومن حين لآخر، يتّحدون ضد زعيم معين -كالموقف من الرئيس الروسي في عام 2014 (بعد ضم شبه جزيرة القرم) أو ولي العهد السعودي في عام 2018 (بعد مقتل الناقد جمال خاشقجي).
ولن تكون قمة هذا الأسبوع في جزيرة بالي الإندونيسية الاستوائية رائعة على الإطلاق. بل يمكن لها في الواقع أن تكون أصعب تجمع لمجموعة العشرين حتى الآن، حيث يأتي الاجتماع على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، بالإضافة إلى المواجهة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، والتوترات بشأن إمدادات النفط بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وإليكم ثماني نقاط جديرة بالمراقبة مع بدء الاجتماع:
حضور روسي مخفّض
يتخلف الرئيس فلاديمير بوتين عن القمة التي تأتي مع حربه في أوكرانيا للشهر التاسع، وقواته الغارقة في مستنقع الحرب (والتي انسحبت من أماكن مثل خيرسون في الجنوب). كما يخضع اقتصاده لعقوبات شديدة. والرئيس الأميركي جو بايدن هو من بين القادة الذين قالوا إن التواجد معه في نفس الغرفة لن يكون سهلاً.
الرئيس الروسي لن يحضر قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا
بالتأكيد لن يحظى حتى بالترحيب الفاتر الذي تلقّاه في أستراليا في عام 2014 (حيث أخبر الزعيم الكندي آنذاك ستيفن هاربر بوتين أنه سيصافحه لكن "عليك الخروج من أوكرانيا"، بينما كان المضيف توني أبوت قد هدد سابقاً بـ"التهجم" على الرئيس الروسي).
ويمكن لوزير الخارجية سيرغي لافروف تولي المهمة هذه المرة، إلا أن الأمر سيكون محرجاً سواء كان بوتين موجوداً أم لا؛ فقد ينضم لافروف إلى القادة في بعض الجلسات. لكن هل سيشارك في "صورة جماعية" تقليدية أو حفل العشاء؟
بايدن يلتقي بينغ
من المقرر أن يلتقي رئيسا أكبر اقتصادين في العالم في بالي بعد ظهر يوم الإثنين. وهي أول محادثة وجهاً لوجه بينهما منذ أن تولى بايدن منصبه. يأتي ذلك بعد فترة وجيزة من حصول شي جين بينغ على فترة رئاسية ثالثة مدتها خمس سنوات والتي شهدت توحيد السلطة داخل الحزب الشيوعي، وبعد أن كان أداء ديمقراطيي بايدن في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أفضل مما كان متوقعاً.
قفزة في أسعار كافة السلع الرئيسية بعد تخفيف الصين قيود كورونا جزئياً
التوترات بين البلدين تتزايد حول السياسات التجارية، والتكنولوجيا، والوصول إلى الأسواق، وإجراءات الصين بشأن تايوان وهونغ كونغ، خاصة أن شي تجنب الإدانة المباشرة لبوتين بسبب غزوه لأوكرانيا في فبراير.
ومع ذلك، فإن أهمية الصين والولايات المتحدة لبعضهما البعض كأسواق تصدير قد تضاءلت إلى حد ما في السنوات الأخيرة، حيث أثرت التعريفات الجمركية والتوترات وتحويل التجارة إلى البلدان الأخرى على التجارة في الاتجاهين. ولديهما سبب لإعادة ضبط بعض الحواجز على العلاقة، ربما من خلال التركيز على المصالح المشتركة مثل وقف تغير المناخ ومنع استخدام الأسلحة النووية، لا سيما من قبل روسيا في أوكرانيا.
حبوب أوكرانيا وسقف أسعار النفط الروسي
كان اتفاق يوليو لمعاودة نقل الحبوب الأوكرانية مرة أخرى من موانئ البلاد بمثابة تقدم كبير في مساعدة الدول الفقيرة في جميع أنحاء العالم على التعامل مع نقص الغذاء ووضع حد للتضخم العالمي. وقد واجه زوبعة الشهر الماضي عندما انسحب بوتين لفترة وجيزة من الاتفاق بعد هجوم على أسطوله في البحر الأسود، قبل أن تقنعه تركيا بالعودة.
الأمم المتحدة تتوقع تحرك سفن الحبوب الأوكرانية غداً
في كلتا الحالتين، سيتم تجديد الاتفاق في 19 نوفمبر، لذا فإن الوقت يمر. وحتى لو توقف بوتين عن التمديد، فقد تختار أوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة السماح للسفن بمواصلة القدوم والذهاب. إلا أن شركات الشحن قد تقرر أن المخاطر كبيرة للغاية، وأن تكاليف التأمين مرتفعة للغاية.
في هذه الأثناء، ما يزال قادة مجموعة الدول السبع يسعون جاهدين لوضع اللمسات الأخيرة على سقف مخطط له على أسعار صادرات النفط الروسية، ويحتاجون إلى إقناع الدول الأخرى على الأقل بدعم حد أقصى من حيث المبدأ في مفاوضات الأسعار مع موسكو.
التوترات بين المجموعات داخل مجموعة العشرين
أدت حرب بوتين إلى تفاقم الانقسام بين الاقتصادات الرائدة التي تشكل مجموعة الدول السبع -بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا- وما يُسمى غالباً "الجنوب العالمي"– وهو الدول الأقل تقدماً التي لديها أدوات أقل لمكافحة نقص الغذاء والطاقة، وويلات تغير المناخ والفقر.
جانيت يلين: لن نشارك باجتماعات مجموعة العشرين حال وجود روسيا
وسيظهر هذا الانقسام بكامل قوته في بالي. فهناك شعور بالاستياء من بعض الأوساط لما يرون أنه نقص في الدعم من الدول الكبرى لمواجهة هذه التحديات، وحول الدفع للالتزام بالعقوبات المفروضة على روسيا، أو فرض قيود على المشتريات من الطاقة. وهو يعكس على نطاق أوسع عالماً متعدد الأقطاب بشكل متزايد حيث تتغير التحالفات حول الصين وكذلك الولايات المتحدة، وعلى أساس إقليمي أكثر حول دول مثل المملكة العربية السعودية.
الجمود بين السعودية والولايات المتحدة
لا تتوقعوا أن تروا بايدن في محادثةٍ بمجلسٍ مريح مع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء. حيث يتبادل بلداهما المشاحنات منذ أسابيع بعد أن استخدمت الرياض نفوذها في تحالف "أوبك+" لخفض إنتاج النفط، وذلك على الرغم من قيام بايدن برحلة إلى المملكة في يوليو في محاولة للحصول على مساعدة الأمير محمد لخفض أسعار النفط في وقت كانت أسعار البنزين الأميركية في ارتفاع.
الجبير: علاقتنا مع واشنطن قوية.. وسألتقي كيري في مصر
من جانبه، اتهم البيت الأبيض السعودية بإجبار دول أخرى في "أوبك+" على الموافقة على خفض كبير في إنتاج النفط. وبدأ بعض المشرعين الأميركيين في إصدار الضجيج بشأن كبح مبيعات الأسلحة للسعودية. من جانبه، بدا ولي العهد غير منزعج، وهو يرسل إشارة من خلال التقارير التي تفيد بأن رئيس الصين شي جين بينغ سيزور السعودية الشهر المقبل.
ظهور لأول مرة
ستشهد هذه القمة ظهور بعض القادة لأول مرة في مجموعة العشرين. إذ يوفر الاجتماع فرصة لتعميق العلاقات مع الآخرين، ولكن يمكن أيضاً أن يكون مليئاً بالمزالق لشخص يتنقل في تعقيدات الاجتماع لأول مرة.
وتضم قائمة المبتدئين رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول. كما تُقدّم ثلاث من دول مجموعة السبع ممثلين جدداً عنها: رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والمستشار الألماني أولاف شولتز، على الرغم من أن الزعيمة المنتهية ولايتها آنذاك أنجيلا ميركل دعت شولتز إلى آخر اجتماع لمجموعة العشرين في إيطاليا وضمته في الاجتماعات الرئيسية في عملية تسليم غير عادية وسلسلة.
من المرجح أن يحضر الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو الاجتماعات كبطة عرجاء بعد أن خسر مؤخراً في جولة الإعادة أمام لويز إيناسيو لولا دا سيلفا.
لولا دا سيلفا يهزم بولسونارو ويعود لرئاسة البرازيل مجدداً
المهمة اللوجستية لإندونيسيا
سينشغل المضيفون لمنع القمة من الانحراف عن مسارها؛ فهناك كابوس لوجستي يتمثل في منع بعض القادة الذين لا يريدون رؤية بعضهم البعض من الاجتماع عن طريق الخطأ في ممر. وفي حين تريد إندونيسيا بياناً ختامياً للاجتماع، من الصعب أن نتصور كيف يمكن الاتفاق على ذلك لأن روسيا ترفض وصف أفعالها في أوكرانيا بأنها غزو. كما أن تقاليد القمة الأخرى مثل "الصورة الجماعية" للقادة موضع شك كبير.
بالنسبة لإندونيسيا، يتعلق الأمر بإظهار بعض التقدم، أو على الأقل بيانات النوايا، بشأن التحديات الجماعية مثل الديون والأمن الغذائي وتغير المناخ. ومع ذلك، سيتم إنجاز العمل الحقيقي في اجتماعات جانبية ودردشات في وقت متأخر من الليل بدلاً من غرفة اجتماعات كبيرة. وربما يكون أفضل ما يمكن لإندونيسيا أن تأمل فيه هو عدم وجود خلافات في الأماكن العامة.
ربما تُمثّل قمة مجموعة السبع في كندا في يونيو 2018 قصة تحذيرية حول السرعة التي يمكن أن تسوء بها الأمور؛ حيث اجتمع القادة في وقت متأخر من الليل لإصدار بيان رسمي في مواجهة الاعتراضات القوية من قبل الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب على اللغة المتعلقة بالتجارة. وأظهرت صورة أيقونية قادة يتجمهرون حول ترمب ويضغطون عليه للتوقيع، حيث فعل ذلك في النهاية– إلا أنه عاد و"ألغى التوقيع" بعد ساعات عندما كان قد غادر القمة بالفعل، متهماً المضيف جاستن ترودو بأنه غير أمين.
مصادر الإلهاء الخارجية
بالنسبة لبايدن، فإن الاجتماع معرّض لمخاطرة بأن يطغى عليه خصمه القديم، حيث يُروّج ترمب لـ"إعلان مهم" هذا الأسبوع- ومن المتوقع أنه سيقول إنه سيخوض ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات 2024 الرئاسية.
ترمب يهيمن مجدداً على استطلاع مبدئي لمرشحي الرئاسة في 2024
وفي حال قرر ترمب خوض المعركة الانتخابية، فسيصبح بلا شك أول شيء يُسأل عنه بايدن من قبل أي زعيم آخر، خاصةً ما إذا كان سيُكرّس نفسه الآن للسعي لإعادة انتخابه (تحدّث بايدن عن كيف أنه ترشح في عام 2020 من أجل درء ولاية ترمب الثانية).
وهناك شخص آخر قد يقرر أن يلقي بظلاله على بالي، وهو الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي أطلق المزيد من الصواريخ وقام باستعدادات لاختبار قنبلة ذرية محتملة.
فحدث نووي كوري شمالي من شأنه أن يسرق الأضواء على الفور مع زعماء الولايات المتحدة (العدو) والصين (الحليف) واليابان (العدو) وكوريا الجنوبية (العدو) وروسيا (الحليف) في مكان واحد.