من المنتظَر أن يُعاد تشكيل مستقبل ألمانيا السياسي بمجرد أن يختار 1,001 مندوب من الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة أنغيلا ميركل زعيماً جديداً في مؤتمر افتراضي منتظَر، ليصبح الفائز في هذا السباق في موقع يؤهّله للترشح عن الكتلة المحافظة لمنصب المستشار، لكن في الوقت ذاته يجب أخذ منافسَين آخرَين بعين الاعتبار، وبالتالي سنشهد كيف ستعيش أقوى مجموعة سياسية في ألمانيا بضعة أشهر من التوتر خلال هذه العملية المتشابكة.
و في ما يلي نقدم لمحة عن أبرز المتنافسين من الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، لخلافة ميركل، بعد الانتخابات الوطنية المقرر عقدها في 26 سبتمبر 2021:
أرمين لاشيت.. استكمال المسيرة
حكم لاشيت، حليف ميركل والمدافع عن سياستها المتعلقة بالهجرة، ولاية شمال الراين وستفاليا، الأكثر اكتظاظاً بالسكان، منذ أن أطاح بالديمقراطيين الاشتراكيين هناك في عام 2017، وهو ما منحه قاعدة قوية لكونه رئيساً لأكبر فرع إقليمي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
ويُعَد المرشح البالغ من العمر 59 عاماً ملتزماً باعتدالٍ التكاملَ الأوروبي، والأكثرَ ترجيحاً من ناحية قدرته على حماية إرث ميركل وتعزيزه. إلا أن نجمه السياسي شهد خفوتاً خلال جائحة فيروس كورونا، فولاية شمال الراين وستفاليا كانت من أكثر الولايات تضرراً، ولم تلق مقاربته الأولية القائمة على سياسة التساهل ترحيباً لدى بعض الناخبين.
ولم يخُض لاشيت أي تجارب في الساحة السياسية الشرسة في برلين، ولم يوضع قَط تحت الاختبار هناك. لذلك يأمل أنصاره في حال فاز في التصويت المنتظر، أن لا ينطفئ بنفس الطريقة التي انكمشت بها زميلته في الحزب (أنغريت كرامب كارينباور) التي وجدت صعوبة في الانتقال من الحكم على مستوى الولاية إلى مستوى الفيدرالية. فقد وقعت خليفة ميركل التي اختارتها الأخيرة بعناية لرئاسة الحزب في 2018، تحت ضغط شديد قرّرت بعده التنحي.
جدير بالذكر أن لاشيت فاز في 16 يناير الجاري، بزعامة الحزب لمسيحي الديمقراطي، بإجمالي أصوات بلغ 521 صوتاً من أصل 1001.
فريدريك ميرز.. عدو ميركل اللدود
ميرز، البالغ من العمر 65 عاماً، هو أكبر المرشحين سنّاً والمنافس الأزلي لميركل. وقد صوّر نفسه على أنه يقف دائماً متحدياً مؤسسة الاتحاد الديمقراطي المسيحي التي تهيمن عليها المستشارة الألمانية، وهو يُعتبر واحداً من أبطال الجناح المحافظ للحزب، كما يُعَد من أكثر مؤيدي الصناعة، ويرى المعتدلون أنه من مخلفات عهد عفا عليه الزمن ولا مكان له في الحاضر.
وبعد أن اشتد وهج المستشارة الذي طغى على حياته السياسية، عاد ميرز مرة أخرى إلى الساحة في عام 2018 في محاولة للسيطرة على الحزب، إلا أن جهوده أُحبِطَت في منافسة متقاربة مع كرامب كارينباور. ليعود ميرز مؤقتاً إلى وظيفته في شركة "بلاك روك"، حيث كان يعمل محامياً للشركة، قبل أن يظهر مرة أخرى في محاولة للحصول على منصب سياسي أعلى في ألمانيا.
ويحظى ميرز، الذي رأس المجموعة البرلمانية للاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا من 2000 إلى 2002، بدعم الشباب في الحزب. كما يحظى بشعبية نسبية بين صفوف الاتحاد الديمقراطي المسيحي. ومع ذلك، قد يقوّض فرصه عدم تأييد جمهور الناخبين الأوسع له.
نوربيرت روتغن.. المتمرد العائد
يتمتع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ (البرلمان الألماني) بامتياز مريب، لكونه العضو الوحيد في الحكومة الذي أقالته ميركل بلا أي تردد.
وكان روتغن، الذي تتلمذ على يدَي ميركل في السابق، قد غلبه طموحه عندما حصل على رئاسة الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ولاية شمال الراين وستفاليا عام 2010 بعد هزيمة لاشيت، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً ضد الحزب الاشتراكي الديمقراطي خلال تصويت إقليمي بعد عامين، ورفض التخلي عن منصبه وزيراً للبيئة على المستوى الوطني، مما دفع ميركل إلى التصدي لغطرسته فأقالته.
واكتسب الرجل المعتدل البالغ من العمر 55 عاماً خلال السنوات التالية، سمعة "متمرد الحزب"، فهو الذي قاد ثورة بين المشرعين في الاتحاد الديمقراطي المسيحي ضد تسامح ميركل مع شركة "هواوي" الصينية، واختلف مع دعمها لخط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي يربط بين ألمانيا وروسيا.
ورغم أن فوزه يبدو بعيد المنال، فإنه قد يكون مرشح الحل الوسط، فهو يشكّل انفصالاً عن ميركل دون تحوُّل حادّ إلى اليمين. وقد نفّذ روتغن بحملة إعلامية بارعة خلال الأسابيع التي سبقت السباق، يبدو أنها عزّزت فرصه في إحداث نقلة.
ماركوس سودر.. البافاري غير المتوقَّع
يصنَّف سودر، رئيس وزراء بافاريا، ورئيس الحزب الشقيق لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الولاية الجنوبية المزدهرة، على أنه أحد السياسيين الأكثر شعبية في ألمانيا، بما يعني أنه يمكن أن يكون أقوى سلاح للكتلة المحافظة في الانتخابات الوطنية في سبتمبر القادم، على الرغم من أنه قال مراراً إنه يعتزم البقاء في مكانه.
ومن الممكن لفرصه أن تعزَّز في حال فاز لاشيت أو روتغن، أما في حال فوز ميرز، فمن المتوقع أن يرغب الأخير في ترشيح نفسه لمنصب المستشار. ولكن تبقى حقيقة أن اثنين فقط من رؤساء الاتحاد الاجتماعي المسيحي تنازعا على منصب المستشار منذ الحرب العالمية الثانية، كلاهما مُني بالخسارة.
وتَحوَّل سودر، والبالغ من العمر 54 عاماً، والذي كان يوماً ثائراً على النخبة، إلى زعيم مهيمن في ولايته، وأصبح رئيساً للوزراء عام 2018، ورئيساً للاتحاد الاجتماعي المسيحي بعد عام.
وحسّن سودر مكانته بين المحافظين في مؤتمر حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عام 2018، عندما جعل المندوبين يقفون على أقدامهم مصفقين له بعد أن ألقى خطاباً رناناً طغى على أداء كرامب كارينباور الأضعف. كما كان له حضور بارز خلال الجائحة، ودفع باستمرار من أجل فرض قيود أكثر صرامة.
ينس سبان.. الشاب الطموح
وزير الصحة سبان، كان قد تنحّى عن سباق قيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي في وقت مبكر، وألقى بثقل دعمه وراء لاشيت. ومنذ ذلك الحين أدّى ما اعتبره عديد من الناخبين تعاملاً كفئاً وناجحاً مع جائحة فيروس كورونا إلى صقل سمعته، حتى إنه تَفوَّق على ميركل في استطلاع نُشر أواخر ديسمبر العام الماضي.
وبعد أن جسّ سبان نبض مسؤولي الحزب ومدى دعمهم إذا حاول الترشح لمنصب المستشار، قال إنه ليس لديه حالياً أي خطط للترشح.
وكانت طموحات الشاب المثلي البالغ من العمر 40 عاماً واضحة، عندما ألقى بسهمه في عام 2018 ليكون مرشحاً لزعامة الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، فهو لم يكن يملك شيئاً يخسره. وعلى الرغم من أنه احتل المركز الثالث في نهاية المطاف، فإنه حصل على اهتمام كبير وإيجابي من وسائل الإعلام.
ويُعَد سبين حامل لواء الجناح اليميني للحزب، وقد صنع لنفسه اسماً من خلال مهاجمته ميركل بسبب تعاملها مع أزمة اليورو وتدفق المهاجرين عام 2015، وربما كانت المشكلات المتوقعة مع طرح ألمانيا لقاح "كوفيد-19" عائقاً مستقبلياً أمام تقدمه.
تواريخ مهمة
16 يناير - مؤتمر الاتحاد الديمقراطي المسيحي
- صوّت 1,001 مندوب من الاتحاد الديمقراطي المسيحي في اجتماع عبر الإنترنت.
- فاز أرمين لاشيت بزعامة الحزب بإجمالي 521 صوتاً، وسيؤكَّد التصويت لاحقاً عن طريق البريد حتى يتماشى مع القانون الألماني.
مارس-أبريل
- اتخاذ الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي قراراً بشأن مرشح مشترك لمنصب المستشار بعد انتخابات الولايات.
26 سبتمبر
- الانتخابات الوطنية (تبقى ميركل في السلطة حتى تشكيل حكومة جديدة).