اجتمع مسؤولو إدارة بايدن الخميس وهم في حيرة من أمرهم، في أعقاب خفض إنتاج النفط بشكل مفاجئ من جانب المملكة العربية السعودية وحلفائها في تحالف "أوبك+"، على أمل أن لا تؤدي هذه الخطوة إلى ارتفاع أسعار الخام قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، وإنهاء سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس.
سعى المسؤولون الأميركيون إلى تفادي هذه الخطوة، ولكن دون جدوى. فبعد أكثر من ثلاثة أشهر بقليل على زيارة الرئيس جو بايدن إلى السعودية للحث على زيادة إنتاج النفط لوضع الاقتصاد العالمي على سكة النمو، أعلنت المملكة وتحالف المنتجين الذي تقوده، عن خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً.
جاء رد فعل السوق محدوداً للغاية، نظراً لأن التجار كانوا قد أخذوا هذه التخفيضات في الحسبان، وهو ما أتاح متسعاً من الوقت أمام البيت الأبيض لدراسة ردّه على هذه الخطوة.
إلا أنه، وفيما قال بايدن إنه يفكر في إيجاد "بدائل"، أكد مسؤولون أميركيون أن التطورات السريعة تجاوزت أي قرار يمكن اتخاذه.
قال مستشار الطاقة البارز في إدارة بايدن، آموس هوشتاين، يوم الخميس عبر تلفزيون "بلومبرغ"، إنه وبعد لقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل أقل من أسبوعين، لم يكن لديه انطباع بأن تحالف "أوبك+" يستعد لهذا الخفض الدراماتيكي في الإنتاج، والذي يُعدّ الأكبر من نوعه منذ بداية جائحة "كورونا".
قال هوشتاين: "أعتقد أن الكثير يمكن أن يحدث في الأسواق العالمية في غضون أسبوعين".
خفض إنتاج "أوبك+" يشكّل تهديداً جديداً لإدارة بايدن مع اقتراب موعد الانتخابات
دعوات للانتقام
دعا الديمقراطيون الغاضبون في الكونغرس، إلى معاقبة الرياض وحكومتها التي يُنظر إليها على أنها حليف غير موثوق بشكل متزايد، حسب قولهم. وأثار كثيرون الشكوك بأن توقيت الإعلان عن خفض إنتاج النفط، كان مقصوداً من جانب ولي عهد السعودية، التي كان بايدن قد تعهد سابقاً بأن يجعلها "منبوذة"، وذلك في إطار محاولته لتحقيق أكبر تأثير ممكن على الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت عام 2020.
الكرملين: بوتين يبحث هاتفياً مع ولي العهد السعودي وضع سوق النفط
مع ذلك، ليس لدى بايدن وفريقه خيارات جيدة للرد على خطوة" أوبك+"، وهم لا يرون أن هناك فائدة تذكر من نزاع ممتد يسلط الضوء على عجز الرئيس عن التأثير على التحالف النفطي. ولحسن حظهم أيضاً، فإن أسعار النفط لم ترتفع حتى الآن بالقدر الذي توقعه البيت الأبيض، كما أن المحللين لا يتوقعون سوى ارتفاع متواضع للأسعار في محطات بيع البنزين.
قال كيفن بوك، العضو المنتدب في شركة "كلير فيو إنرجي بارتنرز" (ClearView Energy Partners)، يوم الخميس في مقابلة : "لم يخجل البيت الأبيض من إظهار شعوره بالإحباط إزاء قرار "أوبك+". لكن، ليس لديهم الكثير مما يمكنهم القيام به حيال الأمر".
مشروع قانون "نوبك" غير مجدٍ
اعتمدت الإدارة الأميركية بالفعل، أحد الخيارات المتاحة بحدوده القصوى، عبر بيع كميات غير مسبوقة من مخزونات الخام الأميركية، في محاولة منها لإعادة التوازن إلى سوق النفط وخفض الأسعار. أما الخيارات الأخرى أمامها، وكلها مستبعدة تقريباً، فتشمل تمرير تشريع للسماح بتحريك دعاوى قضائية ضد تحالف منتجي النفط، أو فرض حظر على صادرات النفط الأميركية، أو تقليص مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
ظل البيت الأبيض يراقب أسعار البنزين عن كثب، كمؤشر للآفاق السياسية لدى الديمقراطيين، وروّج كثيراً لخفض كبير في الأسعار منذ شهر يونيو، عندما وصل متوسط سعر غالون البنزين الذي يدفعه سائقو السيارات في الولايات المتحدة، إلى أكثر من 5 دولارات.
أشار بايدن للصحفيين، إلى أنه شعر بـ"خيبة أمل" بعد الإعلان عن خفض إنتاج النفط، لكنه لم يندم على زيارته إلى السعودية. وقال:"نحن نبحث في البدائل التي قد تكون لدينا".
أقوى سلاح محتمل لدى الإدارة الأميركية، هو ما يُسمّى بمشروع قانون "نوبك" (NOPEC)، وهو التشريع الذي من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة بمقاضاة الدول المنتجة للنفط في "أوبك"، بموجب قانون مكافحة الاحتكار، بدعوى التلاعب بسوق الطاقة.
ما التأثير المنتظر من التشريع الأمريكي "نوبك" على "أوبك"؟
يحظى هذا الإجراء بشعبية كبيرة في مبنى "الكابيتول هيل"، حيث ظلت نسخ مشروع القانون معلقة منذ سنوات. لكنه كذلك، يمثّل "صندوق باندورا" جيوسياسياً، ما يزيد من احتمال تسببه بعواقب واسعة وغير مقصودة، بما في ذلك المزيد من تقلب أسعار النفط والتداعيات الدبلوماسية.
أصدر البيت الأبيض بياناً يوم الأربعاء يشير إلى أن بايدن قد يدعم التشريع بعد معارضته له في السابق، في محاولة واضحة لإرسال رسالة إلى تحالف منتجي النفط.
بحث في التشريعات
قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر الخميس، إن مجلس الشيوخ "يبحث في كل الأدوات التشريعية للتعامل بشكل أفضل مع هذا الإجراء المروّع للغاية"، بما في ذلك مشروع قانون "نوبك".
مع ذلك، قال شخص مطلع على الأمر لـ"بلومبرغ"، إنه لا توجد خطط لتطبيق الإجراء (نوبك) فعلياً، على الرغم من أن ذلك قد يتغير.
قال بريان ديس، كبير المستشارين الاقتصاديين لـلرئيس الأميركي، الخميس: "سنجري تقييماً، ونتشاور عن كثب مع الكونغرس، حول مجموعة من القضايا في نهاية المطاف"، مشيرا إلى أن الإجراء التشريعي سينتظر حتى تستقر تحركات أسعار النفط.
أمريكا تفرج عن 50 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط
ستواصل الإدارة الأميركية في استخدام مخزونات النفط الخام في حالات الطوارئ، كصمام أمان للتخفيف من التداعيات. لا يزال أمام الرئيس مجال لبيع المزيد من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، في ظل تراجع تاريخي قدره 180 مليون برميل، حسب ما تم الإعلان عنه في الربيع.
على الرغم من أن الخطة كانت تهدف إلى الإفراج عن نحو مليون برميل يومياً، "قمنا بتعديل ذلك مع انخفاض الأسعار"، وفق ما قاله هوشتاين لـ"إم إس إن بي سي". وأضاف: "لم نفرج بالفعل عن 180 مليون برميل بالكامل حتى الآن، ولذلك لا يزال لدينا متسع كبير لاستخدامه ودعم العائلات الأميركية".
هامش المخزونات
باعت الحكومة 155 مليون برميل خام من الاحتياطي منذ مارس، مع وجود عقود لتسليم 10 ملايين برميل أخرى يوم الجمعة. يتيح ذلك مساحة لتصريف ما يصل إلى 15 مليون برميل إضافي في إطار البرنامج.
ألمح بيان البيت الأبيض يوم الأربعاء إلى المزيد من بيع النفط، قائلاً إن بايدن "سيواصل توجيه الإفراج عن الاحتياطي البترولي الاستراتيجي حسب الاقتضاء، لحماية المستهلكين الأميركيين، وتعزيز أمن الطاقة".
عدم إيلاء الاهتمام
على الرغم من اكتساب الحظر، أو الحد من صادرات البنزين والديزل، زخماً بين بعض مسؤولي الإدارة، باعتباره وسيلة لضمان انخفاض أسعار المستهلكين، إلا أن المجموعات الصناعية والجمهوريين في الكونغرس، يقولون إن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية، من خلال التسبب في ارتفاع الأسعار وإرباك الأسواق العالمية.
البيت الأبيض يحلل آثار قرار بايدن بحظر تصدير البنزين وسط قلق من ارتفاع الأسعار
أمضى الرئيس وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية أشهراً عدة في مناشدة شركات النفط ومصافي التكرير لإنتاج المزيد من الوقود. لكن، وفيما تعمل المصافي على زيادة الإنتاج إلى حدوده القصوى، أدت الزيادة في صادرات البنزين والديزل إلى استنزاف مخزونات الوقود في الولايات المتحدة.
في نيو إنغلاند، انخفض تخزين الديزل ونواتج التقطير الأخرى بنسبة 59% عن المتوسط المعدل موسمياً لمدة خمس سنوات- قبل فصل الشتاء، عندما يرتفع الطلب على وقود التدفئة المنزلية.
يقول قادة المجموعات الصناعية، إن مناشدات بايدن لزيادة الإنتاج المحلي تتعارض مع سياسات الإدارة التي تركز على تسريع التحوّل إلى الطاقة الخضراء والحد من استخدام الوقود الأحفوري.
قال فرانك ماتشيارولا، نائب رئيس معهد البترول الأميركي: "أي شخص يعتقد بأن الإدارة تبحث عن مزيد من الإمدادات في الولايات المتحدة، لا ينتبه إلى السياسات التي يطبقونها مراراً وتكراراً".
عقوبات فنزويلا
ترك بايدن يوم الخميس، الباب مفتوحاً أمام تخفيف العقوبات على فنزويلا، للسماح للشركات الأميركية باستئناف إنتاج النفط هناك، لكنه قال إن على الحكومة الفنزويلية أن تبذل "الكثير" من أجل أن يحدث ذلك. من شأن مثل هذه الخطوة أيضاً أن تخاطر بإشعال التوترات مع الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس، الذين ينتقدون بشدة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وهو اشتراكي قمع معارضي نظامه.
الولايات المتحدة: تخفيف العقوبات عن فنزويلا يتطلب خطوات بناءة من مادورو
كذلك، فإن وقف مبيعات الأسلحة الأميركية إلى المملكة العربية السعودية، أو الحد منها -وهي نقطة التأثير الرئيسية للإدارة الأميركية على المملكة- يبقى احتمالاً مستبعداً. اشترت الرياض أسلحة أميركية بمليارات الدولارات، ولديها التزامات شراء بمليارات أخرى، ما يعزز حربها ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، بينما انخفضت كمية النفط والمنتجات البترولية التي تستوردها الولايات المتحدة من السعودية وحلفائها في "أوبك+".
اقترح بعض المشرعين الديمقراطيين وقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة، أو سحب القوات الأميركية من السعودية والإمارات. لكن راشيل زيمبا، الزميلة في "مركز الأمن الأميركي الجديد"، حذّرت من مغبة اتخاذ إجراء صارم.
التعطش للنفط يجبر بايدن على توثيق علاقات أمريكا مع السعودية
قالت زيمبا: "لا ينبغي أن نفترض أن الشراكة الأمنية تعني أن المصالح الأميركية والسعودية تتوافق دائماً.. نحن بحاجة إلى أن نكون واضحين بشأن حاجة الشركاء إلى تحقيق أهداف أمننا القومي، ولا أعتقد أننا نريد إحداث فراغ" في الشرق الأوسط.