تتسم السياسة العسكرية في روسيا بخاصية فريدة، ألا وهي استعدادها الواضح لاستخدام أسلحة نووية في حرب تقليدية. يساعد هذا على تفسير سبب القلق الكبير من رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استعراض ترسانة أسلحته النووية منذ اندلاع الحرب التي شنها على أوكرانيا في فبراير الماضي. برغم أنَّ استخدام الأسلحة النووية كان شيئاً لا يمكن تصوره بشكل خاص على مدى 77 عاماً مضت، منذ إثبات الولايات المتحدة لقوة هذه الأسلحة التدميرية. وأكثر شيء يثير الذعر من ذلك بشكل خاص هو موقف روسيا مما يطلق عليها اسم الأسلحة النووية التكتيكية (غير الاستراتيجية).
1) لماذا تثير روسيا قلقاً كبيراً؟
حذّر بوتين في خطاب عرض فيه أسباب غزو موسكو لأوكرانيا، من أنَّ أي دولة تدخلت في الحرب ستعاني من "عواقب لم تشهدها في التاريخ". جرى النظر إلى ذلك على نطاق واسع بوصفه تهديداً بشن هجوم نووي. وفي 21 سبتمبر، عقب الهجوم المضاد الأوكراني بمساعدة المخابرات الأميركية والأسلحة التي تبرّع بها الغرب؛ صوّر بوتين الحرب على أنَّها قتال حتى الموت ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وتوعد "باستخدام كل الوسائل المتاحة لحماية روسيا وشعبها. كما أنَّ هذه ليست خدعة".
طالع أيضاً: إنفوغراف.. روسيا تمتلك 47% من الترسانة النووية حول العالم
بغض النظر عن هذه التصريحات، تجري روسيا بانتظام تدريبات لاختبار نُظم إيصال الأسلحة الاستراتيجية، بما في ذلك التدريبات على إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وصواريخ كروز قصيرة المدى؛ وأُقيمت إحدى هذه الاختبارات قبل أيام قليلة من الغزو. كما درس الخبراء العسكريون كيفية استخدام روسيا لسلاح تكتيكي في صراع تقليدي، مثل ذلك الموجود في أوكرانيا.
2) ما "السلاح النووي التكتيكي"؟
يعد استخدام مصطلح "تكتيكي" من الأوصاف غير الدقيقة لسلاح نووي يمكن استعماله داخل ساحة حرب. بشكل عام، يعني هذا أنَّ السلاح يحمل رأساً حربياً أقل قوة -أي الرأس المتفجر لصاروخ أو قذيفة أو توربيد، والذي يُطلق في مدى أقصر، باستخدام الألغام أو المدفعية أو صواريخ كروز أو القنابل التي تسقطها الطائرات- مقارنة بالأسلحة "الاستراتيجية"، وهي الأسلحة النووية التي يمكن للولايات المتحدة وروسيا إطلاقها على أراضي بعضهما باستخدام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ركزت اتفاقيات الحد من التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (وفيما بعد، بين الولايات المتحدة وروسيا) التي بدأت في السبعينيات بشكل عام على تقليل عدد الأسلحة النووية الاستراتيجية، وليس من خلال نظيرتها التكتيكية.
3) إلى أي مدى يعد هذا السلاح قوياً؟
تُقاس أقوى الرؤوس الحربية الاستراتيجية حالياً بمئات الكيلو أطنان، لكنَّ الأسلحة النووية التكتيكية يمكن أن يكون لها قوة تفجيرية تقل عن كيلو طن واحد، ويتسم الكثير منها بقوة تناهز عشرات الكيلو أطنان.
اقرأ أيضاً: بوتين يطلق عصراً جديداً من انتشار التسلح النووي
من الجدير بالملاحظة هنا أنَّ القنبلتين الذريّتين اللتين أسقطتهما الولايات المتحدة على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في 1945 كان لهما مردود تفجيري يناهز 15 و20 كيلو طناً على التوالي.
4) كيف تتناسب الضربة النووية مع العقيدة العسكرية الروسية؟
منذ عام 2000 صرّحت العقيدة العسكرية الروسية المعلنة بإمكانية استخدام الأسلحة النووية "رداً على عدوان واسع النطاق يستعمل الأسلحة التقليدية، وذلك في حالة وجود تهديد خطير على الأمن القومي للاتحاد الروسي". كما تتيح الاستراتيجية الروسية المعروفة باسم "التصعيد لدرء التصعيد" اللجوء إلى سلاح نووي تكتيكي في ساحة المعركة لتغيير مسار صراع يعتمد على الأسلحة التقليدية قد تخسره القوات الروسية. يقول جون هيتين، الذي شغل منصب كبير المسؤولين العسكريين للأسلحة النووية في الولايات المتحدة، إنَّ المعنى الحقيقي لهذه الاستراتيجية الروسية هو "التصعيد لأجل الفوز".
5) ما مكونات الترسانة الروسية؟
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في 2018 أنَّ روسيا تتفوق "بشكل كبير" على الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية القوات النووية التكتيكية، كما تعمل على تحسين إمكانات وصولها.
قدّر الباحثون في اتحاد العلماء الأميركيين أنَّه منذ بداية 2022 كان لدى روسيا 4477 رأساً نووياً يمكن اعتبار 1525 منها -أي ما يقرب من الثلث– أسلحة تكتيكية.
6) كيف ستبدو الضربة النووية التكتيكية؟
تتصور نينا تانينوالد، مؤلفة كتاب "المحرمات النووية: الولايات المتحدة وعدم استخدام الأسلحة النووية منذ 1945"، أنَّ استخدام سلاح نووي صغير، بقوة تفجيرية تبلغ 0.3 كيلو طن، سينتج عنه "ضرر أكبر بكثير جداً من المتفجرات التقليدية".
اقرأ أيضاً: دونباس.. كلمة السر في حرب بوتين على أوكرانيا
كتبت تانينوالد في مجلة "ساينتفيك أميركان" في مارس الماضي: "يمكن أن يسبب ذلك كل المآسي التي شهدتها هيروشيما، وإن كان ذلك على نطاق أصغر". لكن برغم هذا، ففي حالة تفجير رأس حربي صغير القوة على الارتفاع الصحيح، قد يقضي ذلك السلاح على القوات المعارضة تحته، دون أن يُخلّف أضراراً إشعاعية طويلة المدى تجعل المكان الذي شهد القتال غير قابل للعيش فيه لجميع الأطراف.
7) كيف سيرد العالم على ذلك؟
بسبب عدم حصول أوكرانيا على عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ طلب بوتين عدم السماح لها أبداً بالانضمام؛ فإنَّ الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا ملزمين بالدفاع عنها. لكنَّ الغرب سيكون تحت ضغط كبير للرد على هجوم نووي، حتى لو حدث ذلك باستخدام سلاح تكتيكي من ترسانته الخاصة.
يُعتقد أنَّ الولايات المتحدة تملك 150 قنبلة نووية غير موجهة من طراز "بي-61"، والتي تُسقَط من الطائرات، وتكون ذات طاقة متغيرة تتدنى إلى نحو 0.3 كيلو طن، وهي متمركزة بـ5 دول من أعضاء الناتو، وهي: بلجيكا، وألمانيا، وهولندا، وإيطاليا، وتركيا. ومن المعلوم أنَّ هناك دولتين أخريين من أعضاء الناتو هما المملكة المتحدة وفرنسا، تمتلكان أسلحة نووية خاصة بهما كذلك.