بوريس جونسن لديه إرث حقيقي.. وعلى خليفته أن يدرك ذلك

بوريجس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، أثناء إعلان استقالته من منصبه خارج مقر رئاسة الوزراء في 10 داوننغ ستريت في لندن، يوم 7 يوليو 2022. أحداث كثيرة حفلت بها ولاية جونسون التي استمرت ثلاث سنوات - المصدر: بلومبرغ
بوريجس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، أثناء إعلان استقالته من منصبه خارج مقر رئاسة الوزراء في 10 داوننغ ستريت في لندن، يوم 7 يوليو 2022. أحداث كثيرة حفلت بها ولاية جونسون التي استمرت ثلاث سنوات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في وصفه النهاية المشرّفة لأحد السياسيين لحظة إعدامه، كتب شكسبير: "لم يفعل في حياته ما يعبّر عن قيمته الحقيقية سوى تركه لها". في حالة بوريس جونسون، جاءت استقالته المتأخرة متطابقة مع فترة حكمه المتسم بالفوضى في 10 داوننغ ستريت، مقر الإقامة الرسمية ومكتب رئيس الوزراء في المملكة المتحدة.

كذلك، فإن خطاب خلفائه المحتملين، وخصومه على حدّ سواء، لم يكن مشجعاً. فهم ظلّوا يرددون، وبشكل مثير للاشمئزاز، أن الإطاحة بجونسون مسألة مرتبطة بـ"النزاهة" و"الشخصية". لكن زملاءه في الواقع، كانوا يقصدون أن الرجل أصبح خاسراً، وبالتالي، ما من داعٍ للتمسك به لفترة أطول. أما حزب المحافظين الذي يعدّ أقدم الأحزاب السياسية في اللعبة الديمقراطية في الغرب، فشهيته مفتوحة على السلطة، في حين أن رئيس الوزراء لم يعد يؤّمن له الفوز في صناديق الاقتراع.

اقرأ أيضاً: وزيرا المالية والنقل أبرز المتنافسين على خلافة "جونسون" في بريطانيا

مع تراكم التراب على قبره السياسي، من السهل أن ننسى أن ولاية جونسون التي استمرت ثلاث سنوات في رئاسة الوزراء، كانت حافلة بالأحداث، على عكس أسلافه تعيسي الحظّ. بعض إنجازاته، مثل توزيع اللقاحات مبكراً، سوف تبقى راسخة. وعلى الشخص الذي سيخلفه في 10 داوننغ ستريت، أن يتعامل مع إرث حقيقي، بحسناته وسيئاته.

اقرأ المزيد: مصير مجهول يهدد ضريبة الأرباح الاستثنائية لشركات توليد الطاقة البريطانية بعد استقالة سوناك

أولاً، هل سيتمكن خلفه من استعادة حظوظ الحزب الحاكم؟ ففي المرّة الأخيرة التي تمت فيها الإطاحة بزعيم غير مهزوم لحزب المحافظين لديه غالبية كبرى من قبل زملائه، أي مارغريت تاتشر، أدى ذلك سريعاً إلى شعور بالندم لدى من قاموا بإقصائها، وأشعل حرباً داخلية استمرت حتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما تلا ذلك. إلا أن حلفاء رئيس الوزراء في البرلمان أقلّ من عدد حلفاء تاتشر، كما أن الدعم الذي يحظى به هو دعم شخصي أكثر منه أيديولوجي.

في أرجاء البلاد، الوضع يبدو مختلفاً. فتحالف جونسون الانتخابي من المحافظين التقليديين في الضواحي الراقية وناخبي حزب العمال السابقين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في وسط وشمال إنجلترا، يبدو هشاً. أدركت المجلات الشعبية المعروفة بنقدها القاسي، ما يدور في بال قرائها الطامحين: لقد أيّدوا رئيس الوزراء حتى النهاية المريرة.

يتعين على خلفه أن يتعامل مع هذه المصالح القادرة على شقّ الصفّ، بالإضافة إلى نواب الحزب صِعاب المراس. على الورق، يبدو أن الغالبية الواسعة التي يتمتع بها المحافظون في مجلس العموم منيعة. ولكن على أرض الواقع، واجه جونسون انتكاسات في كلّ من السياسات الداخلية والخارجية الكبرى، نتيجة تمرّدات متكررة داخل الحزب. فحكومته كانت ضعيفة.

العلاقات مع الصين

منذ بداية عهد جونسون، أجبره المتمسكون بالأخلاقيات السياسية ومحاربو الحرب الباردة من اليمين واليسار، على التخلي عمّا كان يُعرف بـ"الحقبة الذهبية" من العلاقات البريطانية - الصينية، واتخاذ مواقف أكثر صدامية مع بكين. تعلّم جونسون درسه جيداً. يمكن إرجاع دعمه المبكر المطلق للقضية الأوكرانية في الحرب مع روسيا، وترحيبه السخي بلاجئين من هونغ كونغ، إلى مشكلته الصينية. سيكمل كلّ من المحافظين وحزب العمال – الذي يخسر بعض الشيء كلّما لعب جونسون الورقة الوطنية – بحربه الباردة الجديدة مع الدكتاتوريين.

كان جونسون قد تراجع عن مسار خطته لمعالجة أزمة الإسكان حين ثار نواب محافظون ضدّ مخطط رفع الضوابط التنظيمية. وفي حين من المؤكد أن يواجه خلفه الذي سيكون رئيس الوزراء المحافظ الرابع خلال ستّ سنوات، تحديات في البرلمان، من المستبعد أن يستنفد رأسماله على مسألة "جيل الإيجارات"، فيما يحتاج إلى أصوات جيل طفرة المواليد الأكثر ثراء.

ثانياً، المسألة الأوروبية تحتاج إلى حلّ. أنجز جونسون انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمعظمه، في حين لم تتمكن تيريزا ماي من التوصل حتى إلى المرحلة الأولى من اتفاقية الانسحاب، فيما أخطأ سلفها ديفيد كامرون في توقع نتائج الاستفتاء، فخسر التصويت ومنصبه أيضاً. أطيح بتاتشر كذلك بسبب خلافات حول أوروبا. إلا أن خسارة جونسون كانت بسبب سلوكه في منصبه، بعد أن كانت المسألة الأوروبية قد صنعت قوته.

صنع رئيس الوزراء المناخ السياسي المتعلق بأوروبا، ولن يجرؤ أي خلف له على إعادة عقارب الساعة إلى توقيت بروكسيل، لسنوات. حتى زعيم حزب العمال، كير ستارمر، الذي كان طالب في السابق بإجراء استفتاء ثان للحصول على نتيجة معاكسة، أعلن الأسبوع الماضي أنه في حال فوزه بمنصب رئيس الوزراء، لن تعود المملكة المتحدة إلى السوق الأوروبية المشتركة، ناهيك عن العودة كعضو كامل في الاتحاد.

قضايا عالقة

مع ذلك، لا تزال هناك قضايا عالقة في ما يخصّ الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فعلاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي - أكبر حليف تجاري وإستراتيجي لها - في الحضيض، في ظلّ النزاع بين الطرفين حول الوضع التجاري لإيرلندا الشمالية. يمكن لرئيس الوزراء المقبل أن يرفع منسوب المواجهة، أو التوصل إلى تسوية مع بروكسيل. كما إن إيرلندا الشمالية - التي تفتقر إلى حكومة مفوضة حالياً - لا تزال موضوعاً شائكاً يحتاج إلى علاج فوري من قبل الزعيم الجديد.

لم يكن مسار جونسون الاقتصادي ثابتاً أيضاً. ففي البداية، أعرب عن تأييده لنموذج ما يُعرف بـ"سنغافورة على نهر التايمز" قولاً بدون أن يقرن ذلك بالأفعال. وكان هذا النموذج سيحوّل المملكة المتحدة إلى منافس محرر من القيود الناظمة حيث تنشط التجارة الحرة وتنخفض الضرائب تخشاه بروكسيل ويتمناه الاقتصاديون الليبراليون. إلا أن سجل الإنتاجية في بريطانيا، كان قاتماً منذ الانهيار المالي.

على أرض الواقع، كان رئيس الوزراء دائماً أكثر سروراً في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والأمور السطحية لكسب رضا الشعب. باتت بريطانيا تفرض رسوماً جمركية على واردات الصلب، مثل كافة الدول الأخرى. وتضخم الإنفاق الحكومي خلال الوباء، كما تعدّ نسبة الموظفين الذين يعملون من المنزل من أعلى المعدلات في العالم الغربي. وللمفارقة، زادت المملكة المتحدة محاكاتها للنموذج الديمقراطي الاجتماعي الأوروبي.

التضخم أم النمو؟

ما المسار الذي سيتخذه القائد التالي؟ هل سيسعى أولاً إلى كبح جماح التضخم والعجز المتسارعين، أم أنه سيركز على النموّ وخفض الضرائب بغض النظر عن عواقب ذلك طويلة المدى؟ أو كما هو مرجّح، سوف تسير المملكة المتحدة تحت الحكم الجديد مع التيار متفائلة على أمل أن يحدث أمر ما؟

كان إرث جونسون الدستوري مبهماً. فاستقالته حرمت القوميين الاسكتلنديين من الحجة الأكثر فاعلية لاستقطاب المؤيدين. وفيما كان تصرفه كقائد "مهرج" مسلياً للإنجليز، إلا أنه أزعج الاسكتلنديين المتزمتين. وبسبب إخراجه المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، جعل استقلال اسكتلندا الواقعة في الشمال أمراً صعب المنال اقتصادياً. فمن شأن فرض رسوم جمركية بين إنجلترا واسكتلندا، أن يشلّ الشريك الأصغر لأجيال مقبلة، حيث سيترافق ذلك أيضاً مع إلغاء الدعم الاقتصادي الهائل من ويستمينستر.

هذا الأسبوع، أتى أتباع جونسون السابقون لدفن قيصر لا لتمجيده. بالفعل شكل جونسون كابوساً دستورياً، فكان كاسراً متمرساً للقواعد، ومزدرياً بالتفاهمات الشرفية غير المكتوبة. ولكن حين ينتهي النزاع على وراثة تاجه، هل سيكون المنتصر أفضل منه؟

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة