سياسة أردوغان إزاء انضمام السويد وفنلندا للناتو تعبّر عن يأسه

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان - المصدر: بلومبرغ
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ما الذي يريده رجب طيب أردوغان بالضبط من حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟ والأصح، هل على الحلف منحه إياه؟

مؤخراً، فيما كان الحلف يستعد لتلقي طلب رسمي من فنلندا والسويد للانضمام إليه، وضع أردوغان بكلّ بساطة العصي في الدواليب لإعاقة إتمام ذلك، من خلال القول إن بلاده "لن تنظر بإيجابية" إلى هذا التوسع.

وبموجب قوانين الناتو، يجب أن توافق كلّ الدول الثلاثين الأعضاء على انضمام أي دولة جديدة. لكن أردوغان لا يكتفي بالتهديد باستخدام حق النقض ضد توسيع الحلف، بل أيضاً بتقويض إظهار الناتو كجبهة موحدة في وجه العدوان الروسي القريب من حدوده بشكل خطير في أوكرانيا.

النشاط الكردي

يبرر أردوغان موقفه الرافض بأن الدولتين الطامحتين لعضوية الناتو تأويان ناشطين من الأقلية الكردية في تركيا، ينتمي بعضهم إلى حزب العمال الكردستاني الذي تصنفّه أنقرة كمنظمة إرهابية. وقال أردوغان في حديث متلفز "الدول الإسكندنافية أشبه ببيوت ضيافة للمنظمات الإرهابية".

لطالما تذمرت تركيا من النشاط الكردي في شمال أوروبا. وهي تعتبر أن الأعضاء الحاليين في الناتو والغرب بشكل عام لا يتعاونون معها بالشكل الكافي في قتالها ضد الانفصاليين الأكراد. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يصنفان حزب العمال الكردستاني على أنه منظمة إرهابية، إلا أنهما يدعمان وحدات حماية الشعب الكردي، وهي مجموعة كردية على صلة بالحزب تنشط في سوريا، وتحديداً في قتالها ضد الدولة الإسلامية.

ولكن على الرغم من أن تصريح أردوغان الأخير بدا مألوفاً، إلا أن توقيته ينمّ عن انتهازية. إذ كان من المعروف خلال الأسابيع الماضية أن هلسنكي وستكهولم تعتزمان التقدم بطلب للانضمام إلى الناتو، ولم توجّه أنقرة أي إشارات معارضة في الفترة الماضية. لا بل على العكس، حين تحدث أردوغان مع الرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو في أبريل المنصرم، أفيد أن الرئيس التركي تطرق إلى مسألة العضوية، وأعرب عن تأييده لها.

تغيّر الموقف

بينما في يوم 15 مايو، قال نينيستو إن تغيّر الموقف التركي "أثار حيرته" بعض الشيء. وفي اجتماع وزراء خارجية الناتو في برلين خلال اليوم نفسه، خرج وزير خارجية أردوغان، مولود جاويش أوغلو، مرّة أخرى عن إجماع الحلف، معرباً عن قلقه من التوسع. وقال للصحفيين: "لأتحدث بشكل محدد، عقد ممثلو هذين البلدين اجتماعات مع أعضاء حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي، كذلك كانت السويد تقدم الأسلحة لهم أيضاً".

في غضون ذلك، قال المتحدث باسم أردوغان إنه لا يغلق باب الحلف في وجه الدولتين، وإنه من الممكن إقناع تركيا بالتخلي عن اعتراضاتها. في هذا الإطار، سوف تنصاع السويد وترسل وفداً إلى أنقرة لمعرفة ما الذي يتطلبه تغيير موقف أردوغان. كما قال نينيستو إنه سيجري اتصالاً آخر مع الرئيس التركي، ومن المرجح أن يعمل زعماء دول أخرى أيضاً على تليين موقف أنقرة.

مزيد من الاهتمام

السيناريو الأفضل من وجهة نظر الناتو هو أن يرضى الزعيم التركي بالاهتمام الذي سيحصل عليه، بما أن لديه نقطة ضعف تجاه دائرة الضوء الدولية. إذ يمكن لبعض التصريحات الشكلية حول التعاطف مع مخاوف أنقرة من قبل الفنلنديين والسويديين، بالإضافة إلى وعد بالتيقظ تجاه أي نشاط معاد لتركيا على أراضيهما أن يتيح لأردوغان الإدعاء أمام جمهوره المحلي بأنه تمكّن من انتزاع تنازلات مهمة من الأوروبيين.

ولكن بدون شكّ سوف يطالب أردوغان بالمزيد، ومن بين طلباته أسلحة أكثر تطوراً من شركائه في الناتو، وربما بعض المساعدات المالية. إلا أن الدول الأعضاء في الحلف الساعية للحصول على موافقة أردوغان لا ينبغي عليها مجاراته في هذه المطالب، إذ إنه في وضع لا يسمح له بالتمسّك بموقفه لفترة طويلة.

شعبية مهددة

الجمهور المحلي هو المفتاح لفهم ما يشغل ذهن أردوغان حالياً. فالأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا، والتي يعدّ ارتفاع التضخم وانهيار الليرة التركية من أبرز المؤشرات على حدتها، جعلت الرئيس التركي الآن أكثر من أي وقت مضى في عقدين، يقبع في موقع هشّ سياسياً إزاء وجوده في السلطة. حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع نسبة تأييده، فيما تظهر النقابات العمّالية القوية تململها، وتحشد الأحزاب المعارضة قواها، ويظهر خصوم جدد له.

وقبل أقل من عام على موعد الانتخابات الرئاسية، فإن أردوغان بحاجة ماسة لتحقيق انتصار ما. حيث كان قد تراجع عن تفاخره المعهود، ووضع جانباً ازدراءه المزمن تجاه حكّام الخليج، في محاولاته المحمّلة بالأمل بأن ينقذوا الاقتصاد التركي. ولكن، حتى لو تحققت الاستثمارات الموعودة بمليارات الدولارات، ستمرّ سنوات قبل أن يشعر المواطنون الأتراك العاديون بأي منفعة منها.

أما على الساحة الدولية الأوسع، أردوغان الذي كان يُغضب شركاءه في حلف شمال الأطلسي على مدى سنوات بسبب اعتباره فلاديمير بوتين "صديقاً عزيزاً" له، يبدو شخصية هامشية في المواجهة الأخطر بين الحلف وروسيا منذ الحرب الباردة. (سعى الرئيس ليعلب دور وسيط السلام بين موسكو وكييف، إلا أن محاولاته لم تؤت بثمارها).

وبالاستعداد للانتخابات في العام المقبل، سيقوم أردوغان على الأرجح بمزيد من الخطوات المتهورة. فمن المتوقع مثلاً أن يكرر تهديده السابق بفتح الباب أمام طوفان من اللاجئين نحو أوروبا، إلا إذا قدّم له الاتحاد الأوروبي المزيد من المساعدات. وحالياً فإن التحدي الذي يواجه شركاء تركيا في الحلف والدول الساعية للانضمام، يتمثل بأن يتمكنوا من البقاء في حالة من تمالك الأعصاب الجماعي.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك