بدأ الناخبون الفرنسيون، اليوم الأحد التصويت في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي تمثل فيها مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان تهديداً غير متوقَّع لآمال الرئيس إيمانويل ماكرون في الفوز بولاية جديدة.
فتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة السادسة بتوقيت غرينتش في فرنسا، في حين بدأ بعض الفرنسيين في أراضي ما وراء البحار التصويت السبت، ويفترض أن تُعرف التقديرات الأولى حوالي الساعة 18 بتوقيت غرينتش مع إغلاق مراكز الاقتراع الأخيرة.
ودعي نحو 48.7 مليون فرنسي إلى مراكز الاقتراع ليتم اختيار واحد من 12 مرشحاً في الدورة الأولى في نهاية حملة غريبة طغى عليها وباء كوفيد-19 أولاً، ثم الحرب في أوكرانيا التي هيمنت على جزء من النقاشات.
أزمة أوكرانيا والتعافي الاقتصادي
قبل أسابيع فقط؛ كانت استطلاعات الرأي تشير إلى فوز سهل لـ"ماكرون" المؤيد للاتحاد الأوروبي، والذي تعزز موقفه بفضل دبلوماسيته النشطة بشأن أوكرانيا والتعافي الاقتصادي القوي، بالإضافة إلى ضعف المعارضة المتشرذمة في فرنسا.
لكنَّ شعبيته تراجعت لعدة أسباب؛ منها دخوله المتأخر إلى الحملة الانتخابية، إذ لم يعقد سوى تجمع انتخابي واحد كبير، وهو الأمر الذي اعتبره أنصاره أيضاً مخيباً للآمال، وتركيزه على خطة لا تحظى بالشعبية لزيادة سن التقاعد، إلى جانب الارتفاع الحاد في التضخم.
في المقابل، قامت لوبان المنتمية لليمين المتطرف، والمتشككة في الاتحاد الأوروبي، والمناهضة للهجرة بجولة في فرنسا تعلو وجهها الابتسامة والثقة وسط هتافات من أنصارها "سننتصر.. سننتصر".
تعزز موقفها من خلال التركيز المستمر منذ شهور على تكاليف المعيشة والتراجع الكبير في الدعم لمنافسها في اليمين المتطرف إيريك زيمور.
اقرأ أيضاً.. لا يمتلك عقارات أو سيارات.. 1.2 مليون دولار دخل "ماكرون" في 5 سنوات
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
بيد أنَّ استطلاعات الرأي ما تزال تشير إلى أنَّ ماكرون سيتصدر الجولة الأولى، ويحقق الفوز في جولة الإعادة أمام لوبان في 24 أبريل، لكن عدة استطلاعات رأي تقول الآن، إنَّ هذا يقع ضمن هامش الخطأ، بحسب وكالة "رويترز".
ذكرت وكالة "فرانس برس" أنَّ كل استطلاعات الرأي تفيد أنَّ ماكرون ولوبان اللذين سبق أن تواجها في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في العام 2017؛ هما الأوفر حظاً للتأهل للدورة الثانية من الانتخابات، لكنَّها تشير إلى تقلّص الفارق بينهما أكثر فأكثر.
لا تستبعد الاستطلاعات، مع الأخذ في الاعتبار هامش الخطأ، فوز لوبان الذي سيمثل سابقة مزدوجة في ظل الجمهورية الفرنسية الخامسة التي لم يسبق أن حكمتها امرأة أو أي سياسي من اليمين المتطرف.
لكنَّ الدورة الأولى قد تحمل مفاجآت، خصوصاً بسبب العدد الكبير جداً من الناخبين الذين ما زالوا مترددين وعامل الامتناع الهائل عن التصويت.
فرنسا تدعم الوقود للأسر والشركات بـ2.2 مليار يورو
يؤكد الخبير السياسي باسكال بيرينو لوكالة "فرانس برس" أنَّ "هذا الاقتراع هو الأول الذي تبلغ فيه نسبة الأشخاص المترددين أو الذين غيّروا موقفهم هذا المستوى مع 50% تقريباً".
من جانبه، يأمل مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون الذي تضعه استطلاعات الرأي في المركز الثالث خلف لوبان، في إحداث مفاجأة بالتأهل إلى الدورة الثانية.
ويدعو منذ عدة أسابيع ناخبي اليسار المنقسم والممثل بعدة مرشحين، للتصويت لصالحه.
المرشحون الآخرون من اليسار؛ هم المدافع عن البيئة يانيك جادو، والاشتراكية آن هيدالغو، والشيوعي فابيان روسيل، لكنَّ جزءاً من ناخبيهم قد تغريهم فكرة "التصويت المفيد" لصالح ميلانشون.
خلف ميلانشون، تضع استطلاعات الرأي مرشحة اليمين الجمهوري فاليري بيكريس، ومرشح اليمين المتطرف الآخر إريك زمور.
مناوشات انتخابية
يبدأ التصويت في الساعة الثامنة صباحاً (06:00 بتوقيت غرينتش)، وينتهي في الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش، إذ سيتم حينها نشر أول استطلاعات لآراء الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع. وعادة ما تكون هذه الاستطلاعات موثوقة للغاية في فرنسا.
قالت لوبان في تجمع حاشد يوم الخميس: "نحن مستعدون، والفرنسيون معنا" وسط هتافات من أنصارها، ودعت إلى التصويت لها من أجل توجيه "العقاب العادل الذي يستحقه أولئك الذين حكمونا على نحو سيّئ".
أمضى ماكرون البالغ من العمر 44 عاماً، والذي يتولى السلطة منذ عام 2017 الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية في محاولة توضيح أنَّ برنامج لوبان لم يتغير برغم الجهود المبذولة لتلطيف صورتها وصورة حزبها "التجمع الوطني".
قال لصحيفة "لوباريزيان": "مواقفها الأساسية لم تتغير: إنَّها تنتهج برنامجاً عنصرياً يهدف إلى تقسيم المجتمع، وهو قاس للغاية".
ترفض لوبان مزاعم العنصرية، وتقول إنَّ سياساتها ستفيد كل الفرنسيين بغضِّ النظر عن أصولهم.
على افتراض أنَّ ماكرون ولوبان سيخوضان جولة إعادة؛ فإنَّ الرئيس الفرنسي يواجه مشكلة، تكمن في أنَّه قد أخبر العديد من الناخبين اليساريين من منظمي استطلاعات الرأي بأنَّهم لن يصوتوا لصالح ماكرون في جولة الإعادة لمجرد إبعاد لوبان عن السلطة، وذلك خلافاً لما حدث في عام 2017، لذلك سيتعيّن على ماكرون إقناعهم بتغيير موقفهم والتصويت له في الجولة الثانية.
ستظهر انتخابات اليوم من الذي سيحصل على أصوات العدد الكبير غير المعتاد من الناخبين الذين لم يحسموا موقفهم، وما إذا كانت لوبان (53 عاماً) تستطيع تجاوز توقُّعات استطلاعات الرأي، وتحتل الصدارة في الجولة الأولى.
قال جان دانيال ليفي من مؤسسة "هاريس إنترأكتيف" لاستطلاعات الرأي عن محاولة لوبان الثالثة للوصول إلى قصر الإليزيه: "مارين لوبان لم تكن قريبة من الفوز بانتخابات رئاسية بمثل هذا القدر من قبل".
يأمل أنصار المرشح اليساري المتشدد جان لوك ميلينشون الذي يحتل المركز الثالث وفقاً لاستطلاعات الرأي في حدوث نوع آخر من المفاجأة، ودعوا الناخبين اليساريين من جميع الأطياف إلى التحول إلى مرشحهم لينال فرصة التأهل إلى جولة الإعادة.
يتفق ماكرون ولوبان على أنَّ النتيجة مفتوحة على كل الاحتمالات، وقالت لوبان لأنصارها يوم الخميس: "كل شيء ممكن"، في حين حذّر ماكرون أتباعه من التهوين من احتمالات فوز لوبان".