معادلة الصين.. دعم بوتين أمام العقوبات الأمريكية مع تفادي الخسائر الاقتصادية

بوتين متحدثاً بحضور شي بينغ، أمام المنتدى الاقتصادي الشرقي الذي انعقد في فلاديفوستوك بروسيا في سبتمبر 2018 . - المصدر: بلومبرغ
بوتين متحدثاً بحضور شي بينغ، أمام المنتدى الاقتصادي الشرقي الذي انعقد في فلاديفوستوك بروسيا في سبتمبر 2018 . - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بلغ دعم الصين لروسيا حيال الحرب في أوكرانيا حدوده القصوى، مع بدء الخسائر الداخلية للرئيس شي جين بينغ التي تفوق مكاسب المواجهة ضد الولايات المتحدة.

وسواء كانت الحرب تجارية، أو مواجهة حقيقية، كما هي الحال في أوكرانيا؛ فقد أظهرت الصين أنَّها ستعمل على الحيلولة دون أن تضرّ صراعاتها الجيوسياسية مع الولايات المتحدة بالاقتصاد المحلي. فالتدهور السريع جرّاء جائحة "كوفيد"، والحاجة إلى المحافظة على الاستقرار في عام محوري بالنسبة لـِ بينغ، كل ذلك يرجّح بألا يسمح الزعيم الصيني بأن يؤثر غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا على الأوضاع الداخلية لبلاده.

بدت إشارات الضغوط المحلية واضحة أمس الثلاثاء، عندما أدت التحذيرات الأمريكية للصين، إذا قدّمت الدعم المالي والعسكري لروسيا، إلى تعميق مخاوف المستثمرين من احتمال انفصال أكبر اقتصادين في العالم. وانخفض مؤشر الأسهم الصينية المُدرجة في هونغ كونغ بـ 6.6% إلى أدنى مستوى منذ 2008، كما هبط مؤشر شنغهاي المركّب بأدنى مستوى في عامين. وارتفع ما يسمى بمقياس الخوف، على غرار مؤشر "في آي إكس" (VIX) بالولايات المتحدة، بنسبة 78% خلال اليومين الماضيين.

وقف التصعيد

في ضوء هذه الخلفية؛ أبلغ وزير الخارجية الصيني وانغ يي نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أنَّ بكين تريد تجنّب المزيد من الخسائر الناجمة عن العقوبات التي تعصف بالأسواق العالمية. وبحسب بيان وزارة الخارجية للمحادثة بين الطرفين؛ قال وانغ يوم الإثنين الماضي، إنَّ "الصين ليست طرفاً متورطاً بشكل مباشر في الأزمة، ولا تريد أن تتأثر بالمزيد من العقوبات".

ويتواكب هذا البيان مع دعوات الصين إلى الحدّ من التصعيد، حتى في الوقت الذي تحاول فيه بكين إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في التحريض على الحرب، وترويج دبلوماسييها لنظريات المؤامرة الروسية بشأن المعامل الحيوية في أوكرانيا. يبدو أنَّ تصرفات بكين محسوبة، وتستهدف تقليص فرص انجرارها إلى مواجهة عالمية، أو دفع اقتصادها نحو هوة التدهور في الوقت الذي تبحث عن سبل لتجاوز تأثيرات الجائحة.

قال جوزيف توريغيان، الأستاذ المساعد بالجامعة الأمريكية، الذي سيصدر قريباً كتاباً عن صراعات السلطة في الاتحاد السوفيتي والصين بعد جوزيف ستالين وماو زيدونغ: "ستسعى الصين إلى المحافظة على شراكتها الاستراتيجية مع روسيا الاتحادية، وفي الوقت نفسه، العمل من أجل تعويض التكاليف الاقتصادية والمتعلقة بسمعتها". وأضاف: "كما أنَّ الصين لم تغامر بمصالحها الاقتصادية لمساعدة روسيا في التغلب على العقوبات الغربية".

تحديات مضاعفة

ضاعفت الحرب في أوكرانيا التحديات أمام شي بينغ، في عام تعهد فيه صانعو السياسة في الصين بوضع الاستقرار السياسي على رأس الأولويات. يحتاج رئيس الحزب الشيوعي إلى إعادة توطيد سمعته كأقوى زعيم للصين منذ ماو قبل تعديل وزاري مرتين خلال عقد، وذلك في النصف الثاني من العام الجاري، والذي من المتوقَّع أن يُمدّد فترة ولايته إلى 15 عاماً غير مسبوقة.

يمنح ذلك شي بينغ حافزاً قوياً للامتثال للعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، حتى بعد سنوات من الخلاف مع واشنطن، وإعلان شراكة "بلا حدود" الشهر الماضي مع موسكو. وقد تبنّت الصين استراتيجية مماثلة طوال صراعها التجاري مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، من خلال اتباع لهجة متشدّدة في خطابها، مع العمل في الوقت نفسه على تجنّب أي عمل انتقامي يمكن أن يضرّ الشركات والصناعات الصينية.

أثار اجتماع استمر ست ساعات بين كبار المسؤولين الأمريكيين والصينيين يوم الإثنين الماضي التكهنات بشأن محادثة مرتقبة بين شي بينغ وجو بايدن. وقال البيت الأبيض، إنَّ المحادثات في روما بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان والدبلوماسي الصيني الكبير يانغ جيتشي كانت "جوهرية"، فيما وصفتها بكين بأنَّها كانت "بنّاءة".

"عالم مختلف جداً"

قالت فيفيان بالاكريشنان، وزيرة الخارجية السنغافورية في مقابلة ستُبثّ خلال قمة "بلومبرغ لايف آسيان للأعمال" المقبلة: "القضية الكبرى الآن هي القرارات والإجراءات التي تتخذها الصين"، مضيفةً أنَّ بكين لها "تأثير بالغ" على روسيا. وإذا تعمّق هذا التشعُّب بشكل أكثر على الاقتصاد العالمي، وسلاسل التوريد، والتكنولوجيا؛ فسيكون هذا عالماً مختلفاً للغاية".

أصدر مبعوث الصين في واشنطن أمس الثلاثاء واحدة من أكثر حالات الرفض وضوحاً من جانب بكين حتى الآن، وهي أنَّها لم تصدر أي تحذير مُسبق بشأن حرب روسيا. وكتب السفير كين غانغ مقالة بصحيفة "واشنطن بوست" أشار خلالها إلى أنَّ الصين بذلت "جهوداً ضخمة" للضغط من أجل إجراء محادثات سلام، كما وصف تهديدات المسؤولين الأمريكيين بأنَّ الصين ستعاني من عواقب أي محاولة لمساعدة روسيا على الإفلات من العقوبات بأنَّها "غير مقبولة".

الصين تضاعف نطاق تداول اليوان للروبل بعد تحركات قياسية

وأضاف في المقالة: "التقارير بأنَّ الصين كانت تعلم، أو تقبل، أو تدعم ضمنياً هي محض تضليل. فلو كانت الصين على عِلم بالأزمة الوشيكة، لكنَّا بذلنا قصارى جهدنا لمنع وقوعها".

تكبّدت الصين بالفعل بعض التكاليف لعدم إدانتها علناً للهجوم الروسي على دولة ذات سيادة. وأدّت الحرب إلى عقد مقارنات بين جهود بوتين لاستعادة ما يراه من الأراضي المفقودة، ومطالبات الصين الإقليمية بمناطق مثل تايوان. وأرجع محللون السبب في التراجعات الأخيرة بالسوق الصينية إلى مخاوف من أن تقع بكين في نهاية المطاف في معسكر موسكو.

قال ألكسندر غابويف، وهو زميل بارز ورئيس برنامج "روسيا في آسيا والمحيط الهادئ" التابع لمركز "كارنيغي" في موسكو: "تتوخى الصين تحوطاً شديداً في رهاناتها. وهناك دعم لهذا النوع من المخاوف الروسية المشروعة بشأن البنية الأمنية الأوروبية والانتقاد الموجّه للناتو، ولكن هذه أيضاً طريقة للقول، إنَّ التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة سيئة".

استثمار شي بينغ

أي خسائر تكبّدتها الصين حتى الآن تعد ضعيفة مقارنة بتعرّضها لألم الانجرار تحت وطأة عقوبات غير مسبوقة دمّرت العملة الروسية، وأدت إلى نزوح الشركات الأجنبية، وعزل موسكو عن واردات التكنولوجيا الرئيسية. دفع ذلك بعض المحللين الصينيين البارزين مثل هو وي، نائب رئيس مركز أبحاث السياسة العامة التابع لمجلس الدولة الصيني، إلى الدعوة إلى انفصال واضح عن روسيا "في أقرب وقت ممكن" حتى تتمكّن الصين من "إنقاذ نفسها من العزلة".

حيازات الأجانب للسندات الصينية تتراجع بنسبة قياسية في الشهر الماضي

سرعان ما تم حذف مقالة تبرز نصيحة "هو" من شبكة الإنترنت في الصين، والتي تخضع للرقابة المشدّدة من خلال دعم روسيا وانتقاد الولايات المتحدة، في حين يتم التقليل من شأن ما يجري في أوكرانيا، والتقارير حول سقوط ضحايا بين المدنيين. ومع ذلك؛ أظهرت المقالة قلق بعضهم بشأن المسار الذي تسلكه البلاد بعد أربعة عقود من النمو الاقتصادي مدفوعاً بعلاقات أوثق مع مناطق، مثل: أوروبا، واليابان، والولايات المتحدة.

من جانبها، قالت أليسيا جارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين في شركة "ناتيكسيس" (Natixis)، إنَّ دعم الصين لروسيا قد يتحول إلى "حبة سامة"، محذّرةً من أنَّ المستثمرين بدأوا يتجرّعون الاثنين معاً. وأضافت: "عندما تبدأ الشركات في الحديث عن مشاريع جديدة محتملة تؤسّسها في الصين؛ فإنَّها تتأنى الآن بالقول: "لننتظر فترة، فلا نريد أن ينتهي بنا الأمر بالاستثمار في دولة مكتفية ذاتياً عن العالم مثل روسيا".

الشركات الأمريكية في الصين مترددة بشأن زيادة الاستثمار

وفي الوقت نفسه، فرض الغزو الروسي مزيداً من التدقيق الدولي على تايوان، والذي رجّحت إليزابيث ويشنيك، كبيرة الباحثين في معهد "سي إن إيه" (CNA) للأبحاث ومقره فرجينيا، في إشارة إلى تايوان، بأن "تحظى بدعم غربي أكبر على حساب طموحات جمهورية الصين الشعبية هناك".

وأضافت ويشنيك: "لدى شي بينغ الكثير ليخسره، كونه قد انخرط بشكل شخصي في علاقته مع بوتين. فالفشل الواضح لسياسته تجاه روسيا في تحقيق مكاسب استراتيجية، وإحداث خسائر استراتيجية بدلاً من ذلك؛ من شأنه أن يضرّ بجهوده لتمديد فترة رئاسته".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك