الغزو الروسي على أوكرانيا سُمّي على نطاق واسع: "أول حروب التيك توك"، ويرجع ذلك إلى طوفان مقاطع الفيديو التي توثّق مواجهات من الخطوط الأمامية، (أو تزعم بأنها كذلك على الأقل). لكن هذا الفيض من المحتوى الحربي - غالباً غير معروف المصدر- على وسائل التواصل الاجتماعي، جعل عملية التأكد من مصداقية هذا المحتوى أصعب من أي وقت كان.
أخبار زائفة
حيث إن أياً من مقاطع الفيديو من المحتمل أن يكون من صنع البروباغاندا الروسية أو الأوكرانية، أو حتى من صنع مراهق أمريكي يجلس في تينيسي ويتطلع لتحقيق ربح سريع من إعادة نشر المحتوى. تعليقاً على ذلك، فإن إيليا سيمينوف، 25 عاماً، وهو مصمم مواقع مقيم في كييف ويقول إن القوات الروسية متجهة إلى تطويق المدينة، أضاف: "علينا التحقق من كل شيء".
"تيك توك" تعلق خدمات البث المباشر في روسيا بسبب قانون "الأخبار الزائفة"
هذه الكمية الهائلة من المعلومات المغلوطة، جددت الاهتمام بعدد من المؤسسات الإخبارية التابعة للدول، والتي يعود تاريخها إلى بدايات الحرب الباردة. حيث كانت "خدمة بي بي سي العالمية" لديها محطة ناطقة باللغة الروسية استمرت بين عامي 1946 و2011. لكن الهيئة البريطانية واصلت توظيف عشرات الصحفيين الذين يقدمون تقارير إعلامية باللغة الروسية والأوكرانية لمواقعها بهذه اللغات على الإنترنت، فضلاً عن إعادة إطلاقها لإذاعة تبث عبر الموجات القصيرة في المنطقة.
منصات جديدة
من جهة أخرى, فإن الإذاعة المدعومة أمريكياً "راديو سفوبودا" (Svoboda)، وهي إحدى إذاعات "أوروبا الحرة"، كانت قد أطلقت البث الروسي والأوكراني في الخمسينيات من القرن الماضي، تمتلك حالياً تواجداً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي المحلية.
وفي حين يستهدف لاعبون عالميون آخرون مثل "راديو فرنسا الدولي"، وإذاعة "صوت أمريكا"، بث برامجهم باللغات المحلية في المنطقة أيضاً، إلا أن "بي بي سي" و"سفوبودا" كانتا أسرع في التكيف مع متطلبات العصر. حيث تنشر خدمات المحطتين الناطقتين بالأوكرانية تحديثات منتظمة على "تيلغرام"، وهو تطبيق مشفر للمراسلة، يقول سيمينوف، إنه يستقي معظم أخباره منه. وحازا على متابعين وصلت أعدادهم لمستوى متابعي القنوات الأوكرانية مثل "زد إن" (ZN.ua) و "سينسور" (Censor.net).
وخلال الأسبوع الأول من الغزو، تضاعف عدد زوار موقع "بي بي سي" الروسي بمقدار ثلاث مرات، ليبلغ 10.7 مليون زائر. بينما أتاحت الهيئة البريطانية نفس المحتوى حالياً على "تور" (TOR)، وهو متصفح يتحايل على هيئات الرقابة الروسية التي منعت الوصول إلى موقع القناة على شبكة الإنترنت العامة.
قيود أقل
يتسنى لتلك المحطات اتخاذ مثل هذه الخطوات كونها لا تخضع لتحكم المساهمين مثلما يحدث في معظم المؤسسات الإخبارية. وعلى الرغم من أنها جميعاً تتلقى تمويلاً حكومياً، مما يتركها عرضة للانتقادات بدعوى أنها أبواق بروباغندا، إلا أنها تلقت مدحاً حتى في خضم الحرب الباردة، حيث قال عنها المنشق التشيكي الذي أصبح رئيساً لاحقاً فاتسلاف هافيل، إنها تمثل منارات للحقيقة في خضم بحر من الأكاذيب.
وكانت الآونة الأخيرة، شهدت تساؤلات باتت مألوفة من المشرعين في واشنطن ولندن عن جدوى تمويل إذاعات البث الدولية، وهو ما أثر على ميزانيات هذه الإذاعات. في الوقت الذي تطرح فيه روسيا قوانين يمكن أن توقع على الصحفيين أحكاماً بالسجن تصل لمدة 15 عاماً كعقوبة على نشرهم أخباراً تعتبرها الحكومة الروسية "مزيفة"، مما دفع "بي بي سي" و"راديو سفوبودا" والعديد من الوكالات الأخرى بما في ذلك "بلومبرغ نيوز" إلى وقف نشر تقارير من داخل البلاد مع الاعتماد على التغطية من الخارج، وفي خضمّ كل ذلك تصبح أهمية هيئات البث العامة أكثر وضوحاً، حتى بعد مرور عقود على تأسيسها.