هددت حكومات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات جديدة بعد أن اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجمهوريتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا، وأمر بإرسال قوات إليهما في أحدث تصعيد للمواجهة بين موسكو والغرب.
ولم تقدم روسيا أي تفاصيل حول عدد قوات "حفظ السلام" التي يمكن أن تدخل المناطق الانفصالية دونيتسك ولوهانسك، أو متى؟، في الوقت الذي تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها في التحذير من أنَّ موسكو من المحتمل أن تبدأ غزواً واسع النطاق قريباً. لكنَّ روسيا تنفي أنَّها تخطط لأي غزو لجارتها.
تسمح المعاهدات التي وقَّعها بوتين مع زعماء الانفصاليين أمس الإثنين لروسيا بنشر قوات وبناء قواعد عسكرية على أراضيهم.
قفزت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، مع اقتراب النفط من مستوى 100 دولار للبرميل، وهوت الأسهم الروسية وسط مؤشرات على مزيد من التوترات.
وزادت خطوة الكرملين من المخاطر مع الغرب، لكنَّها حتى الآن لا ترقى إلى مستوى الغزو الهائل لمناطق كبيرة من الأراضي الأوكرانية، الذي قال مسؤولون أمريكيون وآخرون، إنَّه ممكن.
في الوقت نفسه، ما يزال هناك أكثر من 150 ألف جندي روسي يحتشدون بالقرب من حدود أوكرانيا، وفقاً لتقديرات غربية. وقال مسؤول أمريكي كبير، إنَّ روسيا تواصل استعدادها لعمل عسكري قد يحدث في الساعات أو الأيام المقبلة. والمجهول الرئيسي هو ما إذا كانت "قوات حفظ السلام" الروسية ستتوقف عند خط التماس بين الانفصاليين والجيش الأوكراني.
العقوبات المنتظرة
أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمراً تنفيذياً يحظر الاستثمار والتجارة والتمويل الأمريكي للمناطق الانفصالية في أوكرانيا، وقالت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، إنَّ عقوبات أمريكية إضافية ضد روسيا ستصدر اليوم الثلاثاء. من المقرر أن تفرض المملكة المتحدة عقوبات على روسيا في أقرب وقت اليوم، في حين سيبدأ الاتحاد الأوروبي الاتفاق على عقوبات على تصرفات بوتين.
في الوقت الراهن، أشار المسؤولون الغربيون إلى أنَّ اعتراف روسيا لم يكن خطوة دراماتيكية كافية لفرض العقوبات الاقتصادية الشديدة التي تم التهديد بها في حالة حدوث غزو واسع النطاق. وقال مسؤول كبير في الإدارة للصحفيين، إنَّ العقوبات المخطط لها حالياً منفصلة عن الإجراءات الاقتصادية الأكثر صرامة التي قالت إدارة بايدن، إنَّها ستفرضها في حالة تحرّك بوتين قدماً في الغزو.
قال وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرجيس للصحفيين في باريس: "لم يكن هذا الغزو الذي يتحدّث عنه شركاؤنا بعد". وأضاف: "لكنَّه تصعيد حاد للغاية للوضع" وألمح إلى أنَّ إجراءات الاتحاد الأوروبي يمكن أن تشمل معاقبة الأفراد المسؤولين عن خطوة يوم الإثنين، فضلاً عن حظر على الشركات الأوروبية من العمل في المناطق المحتلة.
هوت الأصول الروسية لليوم الرابع على التوالي، ليهبط مؤشر "إم أو إي إكس روسيا" ( MOEX Russia) القياسي بنسبة 9.2%، وانخفض الروبل مقابل الدولار. كما تراجع مؤشر "ستوكس يوروب 600"( Stoxx Europe 600 ) بنسبة 1.9% عند الفتح، وبلغت خسائره 0.7% في تمام الساعة 10:15 في فرانكفورت.
أدان خطوة روسيا الأخيرة كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجميع ممثلي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تقريباً الذين تحدّثوا ليلة الإثنين. ودعا سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس.
قالت الولايات المتحدة، إنَّ البيت الأبيض ما يزال منفتحاً على عقد قمة بين بايدن وبوتين- استناداً إلى عدم قيام روسيا بشن هجوم. ومن المقرر أن يلتقي وزير الخارجية أنطوني بلينكين بوزير الخارجية سيرجي لافروف في جنيف الخميس لمناقشة الأزمة.
وكشف منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، للصحفيين أنَّ وزراء الخارجية سيعقدون مجلساً طارئاً في باريس بعد ظهر الثلاثاء لاتخاذ قرار بشأن العقوبات.
عقوبات فردية
ستُعد معاقبة الأفراد المشاركين في قرار الاعتراف بالمنطقتين الأوكرانيتين بمثابة خطوة محدودة يمكن أن تحدث بسرعة نسبية؛ نظراً لأنَّه من المتوقَّع أن يستغرق التوصل إلى اتفاق بشأن عقوبات أوسع، وما يمكن أن يؤدي إلى تلك العقوبات -ضد قطاعات مثل الدفاع والمالية- وقتاً أطول، وقد يتطلب اجتماعاً للقادة.
من جهته؛ أكد خبير سياسي مقرب من الكرملين، أنَّ روسيا لا تخطط حالياً لأي انتشار عسكري خارج الحدود الحالية للمناطق الانفصالية الأوكرانية المعترف بها، وتريد متابعة الدبلوماسية مع الغرب.
نقطة إنطلاق
قال أليكسي موخين، رئيس مركز المعلومات السياسية، ويقع مقره في موسكو، والذي يقدم خدمات استشارية للإدارة الرئاسية، "ما يزال من الممكن حل الأزمة". وقال، إنَّ مطالب روسيا بوقف توسع الناتو، وانسحاب الحلف من شرق ووسط أوروبا ما هي إلا نقطة انطلاق للمفاوضات بشأن الضمانات الأمنية في المنطقة.
يعكس الاعتراف بما يسمى "جمهورية دونيتسك الشعبية"، و"جمهورية لوهانسك الشعبية" اقتناعاً لدى موسكو بأنَّ اتفاقات السلام لعام 2014 المتوقفة لا يمكن إنقاذها، ويجب أن تعمل على استقرار الصراع المحتدم هناك، وفقاً لـِ موخين.
قرار الرئيس الروسي الاعتراف بالانفصاليين ينسف بالفعل سنوات من الجهود الدبلوماسية لتنفيذ اتفاق سلام لحل الصراع الذي أودى بحياة 14000 شخص منذ أن سيطر الانفصاليون المدعومون من روسيا على المنطقتين في عام 2014.
من المقرر أن يصوّت المشرّعون الروس في موسكو للمصادقة على المعاهدات مع الانفصاليين في وقت لاحق من اليوم الثلاثاء، مما يفتح الطريق لمزيد من الدعم المفتوح للكرملين للمناطق التي يدعمها منذ تأسيسها.
حث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الهدوء، في خطاب ألقاه للأمة في وقت متأخر من الليل، قائلاً، إنَّ بوتين في الممارسة العملية قام بمجرد "إضفاء الشرعية" على القوات الموجودة بالفعل في الجمهوريات التي نصّبت نفسها بنفسها منذ عام 2014. وأكد لمواطنيه أنَّ حدود أوكرانيا محمية بأمان، قائلاً: " لا توجد أسباب هناك لليلة بلا نوم".