بوتين رجل المخابرات السوفياتية يستمتع بالقلق الذي يسببه في كثير من بقاع العالم معتقداً أن الخوف يصب في صالح قوته دائماً

بوتين فائز ما دامت قطة شرودنغر حية

فلاديمير بوتين - المصدر: بلومبرغ
فلاديمير بوتين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ثمة وجهة نظر بديلة حيال المواجهة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والغرب بشأن أوكرانيا. ربما خلق بوتين أزمة متعمداً أن يكون كل شيء ممكناً في آن معاً، وأن يبقى كذلك. يمكنه حالياً أن يغزو أو ألّا يقدم على ذلك، وهو الذي ينكر تلك النية بوجه يخلو من أي تعبير. كما يمكنه التصعيد والتهدئة وأن يلعب دور المعتدي أو الضحية.

فلنطلق على هذه السيناريوهات المتنافية والممكنة في نفس الوقت مسمى "التراكب" الاستراتيجي (سترون سبب ذلك قريباً). يدرك بوتين، بعقل دربته المخابرات السوفيتية، أن قرصنة التصورات بهذه الطريقة تمنحه قوة. طالما بقي كل شيء ممكناً ولا يمكن استبعاد أي سيناريو، فإن بوتين يحوز اهتمام العالم.

هكذا هو الحال، فلا تكاد القوى العظمى ودبلوماسييها تفعل شيئاً بخلاف التنقل بين اجتماعات معه أو حوله. كما تتأرجح أسواق الأوراق المالية وأسعار الطاقة مع ما يقول أو يوحي. تحبس دول بأكملها أنفاسها، وبديهي أن أولها أوكرانيا، حيث عُلق كل شيء بدءاً من خطط الأفراد الحياتية وصولاً للمشاريع الاستثمارية للشركات.

لكن إلى متى يمكن أن يستمر تراكب الاحتمالات هذا؟ سيتعين على بوتين في مرحلة ما أن يخطو خطوة ثم أخرى وتتخذ أوكرانيا والغرب، إن بقوا متحدين، ردة فعل. قد تسير الأمور على ما يرام بالنسبة لبوتين وقد لا يكون ذلك، وينبغي أن يقلقه ذلك. قد تكون قوته بالفعل في ذروتها، قبل أن يصبح مسارها الوحيد متجهاً إلى الأسفل في المستقبل.

أينشتاين وقطة شرودنغر

يعيد هذا الموقف إلى الأذهان تجربة فكرية شهيرة في الفيزياء تسمى "قطة شرودنغر". حملت اسم إرفين شرودنغر، الحائز على جائزة نوبل، الذي حاول في محادثة مع ألبرت أينشتاين دحض حجة في الميكانيك الكمي. كان مفهومه بأن الجسيمات دون الذرية يمكن أن توجد في تراكب لحالات مختلفة في نفس الوقت، يشبه ذلك إلى حد ما جيش يغزو ولا يغزو في آن معاً.

تخيل شرودينغر قطة في صندوق يحتوي أيضاً على جسيم مشع. ستتسبب هذه المادة بمجرد تحللها بانفجار يقتل القطة. لكن الجسيمات المشعة في حالة تراكب، ما يعني أنها تتحلل ولا تتحلل في نفس الوقت. إذاً القط ميت وحي في نفس الوقت.

هذا غير معقول وهو بيت القصيد، فكذلك هو الحال مع تراكب بوتين الدائم المتمثل بالهجوم وعدم الهجوم والتسلل (في الفضاء الإلكتروني وأماكن أخرى) وعدم التسلل، وتخريب النظام الدولي والادعاء بأنه يريد فقط إعادة تصميمه. أساساً، لا يمكنك نشر جيش غزو قوامه أكثر من 100 ألف جندي بالقرب من الحدود إلى الأبد؛ عليك في النهاية استخدامه، أو الانسحاب.

قليل من الغموض

لم يستخدم الغرب من جانبه حتى الآن سوى قليل من الغموض التكتيكي. في صراع محتمل مختلف، بين الصين وتايوان، كانت الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي غير واضحة عمداً بشأن ما إذا كانت ستدافع عن الجزر من هجوم بر الصين الرئيسي. لكن في المواجهة مع بوتين، استبعد حلف الناتو وأعضاؤه فعلياً القيام برد فعل عسكري على غزو أوكرانيا.

يترك هذا لهم فقط مجموعة إجراءات أكثر ليونة للتهديد بها، وهي تتراوح بين فرض عقوبات على أهل السطوة من الروس إلى فصل البنوك الروسية عن أنظمة الدفع الدولية أو ودفن خط أنابيب غاز جديد بين روسيا وألمانيا في البحر دون أن يستخدم. هذه أدوات بديهية إلى حد ما ما يجعلها قابلة للقياس بالنسبة لبوتين، بحيث يمكنه تقدير التكلفة، ومع ذلك يقرر أن أوكرانيا المتعثرة تستحق العناء.

يبذل بوتين قصارى جهده لزيادة الغموض أكثر من أي وقت مضى، وقد تمعن بشأن اتخاذ خطوات "عسكرية تقنية" إضافية فيما هو يتوقع العقوبات الغربية. لا يستطيع أحد أن يخمن ما هي تلك الخطوات. لقد كان على اتصال بقادة فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، وأصدر أصدقاؤه تلميحات بأنه قد ينشر أسلحة نووية روسية في أمريكا اللاتينية، ما يثير شبح عودة أزمة الصواريخ الكوبية.

من الواضح أن بوتين رجل المخابرات السوفياتية يستمتع بالقلق الذي يسببه في كثير من بقاع العالم، معتقداً أن الخوف يصب في صالح قوته دائماً. لكن لعبته ساخرة وخطيرة. لقد وضع قطة في صندوق، ثم حشاها بعداد غايغر وجسم مشع وصاعق.

يتساءل العالم حالياً عما إذا كان هذا الخليط سينفجر أم لا، وبوتين يحب ذلك. لكنه نسي أنه قد يتضح في النهاية أن القطة ليست أوكرانيا أو حلف "الناتو" بل هي بوتين نفسه.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة