أقرَّ مجلس النواب الأمريكي الجمعة أكبر حزمة تمويل لمشروعات البنية التحتية في الولايات المتحدة منذ عقود، وهو ما يعد انتصاراً للرئيس الأمريكي جو بايدن، مطلقاً بذلك عملية إنفاق جديد بقيمة 550 مليار دولار، على الطرق والجسور، وخدمات النقل العام، بالإضافة إلى مشروعات أخرى على مدى الأعوام المقبلة.
جاء التصويت بموافقة 228 صوتاً مقابل رفض 206، وأُرسل التشريع إلى بايدن للتوقيع عليه. وصوَّت 13 من الجمهوريين لصالح مشروع القانون، كما صوَّت ضده 6 من الديمقراطيين، وهو ما يدل على وجود توترات داخل أروقة الحزب الديمقراطي كادت أن تسفر عن تعطيل صدور التشريع، إذ لم يكن بالإمكان إقراره من دون الحصول على الأصوات المؤيدة التي تنتمي إلى الحزب الجمهوري.
اقرأ أيضاً: معركة زيادة الإيرادات في الكونغرس تقلّص خطة بايدن الضريبية
جاء إقرار التشريع تتويجاً ليوم وجدت فيه رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي نفسها مضطرة لمواجهة خلافات اللحظة الأخيرة بين التقدُّميين في الحزب من جهة، والمعتدلين من جهة ثانية، وهو الأمر الذي احتاج إلى مفاوضات مكثفة دامت لساعات، وتدخل الرئيس الأمريكي للتوصل إلى حلٍّ لها.
وصف الرئيس الأمريكي في بيان له في وقت سابق السبت، الموافقة على القانون بأنَّها "خطوة كبيرة تقود البلاد إلى الأمام".
الضرائب وحزمة الإنفاق
مع ذلك، لم يتمكن بايدن أو بيلوسي من اقتناص تصويت داخل مجلس النواب في الوقت ذاته على ما يفوق 1.75 تريليون دولار من الضرائب وحزمة الإنفاق التي تمثل جزءاً كبيراً من جدول الأعمال المحلي المتبقي، الذي يخص بايدن. عوضاً عن ذلك؛ صادق مجلس النواب على اتخاذ خطوة إجرائية بالترتيب للقيام بعملية تصويت في أعقاب عودة المشرعين من عطلة الأسبوع المقبل، وقيام مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي بتسليم تحليل حول التكلفة.
يعتبر ذلك بمثابة تنازل جرى في اللحظة الأخيرة لمجموعة صغيرة من الأعضاء المعتدلين الذين كانوا يرفضون التصويت لصالح حزمة الإنفاق دون الحصول على تقرير احتساب التكلفة لمكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي. تنازل الأعضاء التقدُّميون أيضاً من خلال تأييد تشريعات البنية التحتية، قبل إجراء التصويت على حزمة الإنفاق الأكبر حجماً.
قال بايدن في البيان الذي صدر عنه، إنَّه يتطلَّع إلى توقيعها لتصبح قانوناً سارياً، وإنَّ "الأجيال والشعب الأمريكي عموماً، "سوف ينظر اعتباراً من الآن إلى الخلف، وسيعلم أنَّ ذلك الوقت هو الذي حققت فيه أمريكا انتصاراً على صعيد المنافسة الاقتصادية خلال القرن الـ21".
جاء بيان بايدن المبتهج بعد أن قضى قادة مجلس النواب والبيت الأبيض ساعات عدة في محاولة التمسك بمواصلة عملية التشريع، مع إبداء جناحي الحزب الديمقراطي لتحفظات لديهما.
اقرأ المزيد: هكذا يمكن أن تنجح خطة الديموقراطيين لفرض "ضريبة المليارديرات"
من جهتها، قالت براميلا جايابال، عضو بمجلس النواب، ورئيسة التجمع التقدمي في الكونغرس الأمريكي: "تحدثت إلى الرئيس مرات عديدة خلال اليوم، ويوجد لدى الرئيس تقدير لقيامنا بالعمل بحسن نية، من أجل التوصل إلى التوافق مع زملائنا". وتابعت: "سنستمر في تبادل الثقة مع بعضنا، نظراً لأنَّ الحزب الديمقراطي متوحد خلف ذلك الأمر، ونتفق حول أنَّ إنجاز مشروعَي القانون، يعدُّ مسألة مهمة لنا".
قالت مجموعة المعتدلين في بيان لهم، ومن بينهم العضوان في مجلس النواب ستيفاني مورفي وجوش غوتهايمر، إنَّهم سيكونون ملتزمين بالتصويت لصالح الحزمة الاقتصادية "بنموذجها الحالي"، شريطة أن يتوافق ما يأتي في تقرير احتساب التكلفة لمكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي مع توقُّعات البيت الأبيض المتعلقة بالتكلفة والإيرادات.
خلقت ردود الأفعال طوال اليوم، والتهديدات من كلا الفريقين بالعمل على إفشال أي جهد مبذول في هذا الشأن، حالة من الإحباط لدى بعض المشرِّعين.
قال عضو مجلس النواب عن ولاية كاليفورينا جاريد هوفمان، الذي ينتمي إلى فريق التقدُّميين: "اعتقدنا مع بداية ذلك اليوم بأننا توصلنا إلى اتفاق، وكنا نظن أنَّنا سنجري عملية الإدلاء بأصواتنا –كان الحماس يغمرنا للقيام بعمليات الاقتراع، وإذ بمجموعة محدودة من زملائنا تغيّر من موقفها".
اقرأ أيضاً: قيمتها 555 مليار دولار.. تفاصيل خطة "بايدن" المناخية لتحجيم "الانبعاثات"
على الرغم من ذلك، لم يكن جميع أفراد فريق التقدميين مستعدين لقبول الاتفاق. جاءت عمليات التصويت بـ"لا" من جانب 6 ديمقراطيين، وهم جزء من مجموعة التقدميين الذين يشار في الأغلب إليهم بفريق: ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وجمال بومان من مدينة نيويورك، وإلهان عمر من ولاية مينيسوتا، ورشيدة طليب من ولاية ميشيغان، وكوري بوش من ميزوري، وأيانا بريسلي من ولاية ماساتشوستس.
قالت إلهان عمر في بيان لها: "ليس بإمكاني دعم مشروع قانون للبنية التحتية دون أن أشعر بالذنب لأنَّني قمت بعملية التصويت من دون أن يسبقها أولاً التصويت على أجندة الرئيس للأغراض الطارئة".
صوَّت بـ"نعم" 13 عضواً من الجمهوريين، من بينهم فريد أبتون من ولاية ميشيغان، وجيف فان درو من ولاية نيوجيرسي، وجون كاتكو من مدينة نيويورك.
ضغوط بايدن على الديمقراطيين
في ظل وجود شكوك تحيط بعملية التصويت في أغلب فترات اليوم، اتصل بايدن هاتفياً بأعضاء في مجلس النواب من الديمقراطيين، وقام بتأجيل خططه للعودة من واشنطن يوم الجمعة إلى منزله في ولاية ديلاوير. واستمر من داخل البيت الأبيض في ممارسة الضغوط على الديمقراطيين حتى حلول الليل.
يصل إجمالي تكلفة مشروع قانون الأشغال العامة إلى ما يزيد على 1.2 تريليون دولار مع احتساب مخصصات الإنفاق الاعتيادية على الطرق السريعة من بينها. قام بايدن بالترويج لها على أساس أنَّها تحرك حاسم من أجل التصدي لتحدي صعود الصين، كما أنَّه يعدُّ اختباراً للقدرات الخاصة بعملية صنع القرار في واشنطن في ظل عهد الانقسامات الحزبية الشديدة.
احتج الجمهوريون في مجلس النواب على أنَّ الخطة لا تعطي الاهتمام الكافي للطرق، وأنَّ إقرارها "سيفتح" الباب واسعاً لفاتورة الإنفاق الاجتماعي، وهو ما سيسفر عنه ارتفاع في التضخم.
اقرأ المزيد: بايدن: لا أتوقّع زيادة إنتاج تحالف "أوبك +" لخفض الأسعار
من جهتها قالت كاثي ماكموريس رودغرز، عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري بولاية واشنطن، خلال نقاش داخل القاعة: "لا يعبِّر مشروع قانون البنية التحتية الخاص بمجلس الشيوخ والضرائب الكبيرة وطفرة الإنفاق، عن إرادة الشعب الأمريكي. وأضافت: "ستؤدي الأجندة المتطرفة للديمقراطيين الخاصة بإنفاق مبالغ مالية لا طائل من ورائها، إلى ارتفاع التكاليف، وسيكون خلق حياة أفضل للناس أمراً أكثر صعوبة".
دفعة شعبية
جاءت المصادقة على قانون مجلس النواب رقم 3684 بعد أن فشل الأعضاء الديمقراطيون في الالتزام بموعدين نهائيين خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، لاتخاذ قرار حول مشروع القانون، وذلك برغم مناشدات الرئيس الأمريكي الشخصية.
من المحتمل أن يؤدي هذا النجاح في كسر الجمود في العلاقة بين فريقي المعتدلين والتقدميين من الديمقراطيين- علماً أنَّهما كانا قد دخلا في صراع حول بنود مشروع قانون إنفاق اجتماعي أكبر، ورفع الضرائب، وموعد تفعيل قانون البنية التحتية- إلى إعطاء دفعة لمكانة بايدن الشعبية، التي يحتاجها بشدة. تقهقرت تقييمات أداء الرئيس في غضون الأشهر الأخيرة، في ظل الانسحاب بطريقة فوضوية من أفغانستان، والتضخم المرتفع، وتزايد تفشي فيروس "دلتا" المتحول.
ألقى بعض الديمقراطيين المسؤولية بالنسبة إلى خسارة الانتخابات في ولاية فرجينيا، وتحقيق فوز بفارق ضئيل في الانتخابات لحاكم ولاية نيوجيرسي الحالي يوم الثلاثاء، على الفشل في إصدار تشريع بأجندتهم التي كان قد جرى الوعد بها.
عطَّل التقدُّميون على مدى شهور عدة مشروع قانون البنية التحتية بطريقة عملية، وامتنعوا عن تقديم التأييد -اللازم لإقراره– إلى أن يحظوا بموقف مسيطر على حساب المعتدلين في الحزب، خلال الصراع على مشروع القانون الأكبر بالنسبة إلى الديمقراطيين فقط.
تبلغ حالياً قيمة ما يطلق عليه مشروع قانون المصالحة، الذي يوسِّع من الإنفاق على البرامج والتدابير الاجتماعية لمعالجة التغير المناخي، علاوة على زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء، ما يفوق 1.75 تريليون دولار، وهو ما يقل عن مبلغ 3.5 تريليون دولار كان مطروحاً في وقت ماضٍ.
موقف التقدّميين
أصرَّ فريق التقدُّميين على التوصل إلى اتفاق -أو حتى إجراء عملية تصويت فعلية- في مجلس الشيوخ على مشروع قانون المصالحة، قبل أن يقدّموا التأييد لعملية سن قانون البنية التحتية. وفي ظل المصادقة على التشريع الخاص على البنية التحتية؛ سيتمثَّل الخطر في أنَّ الأعضاء الليبراليين سيفقدون بعد الآن السيطرة على الأعضاء المعتدلين في مجلس الشيوخ، الذين شككوا في الرعاية الطبية، وإجازة رعاية الأسرة مدفوعة الأجر، ورسوم الميثان، والضرائب على النيكوتين، وتدابير الهجرة التي يتضمنها المشروع الآخر للقانون.
قالت أوكاسيو كورتيز: "لدي اعتقاد بأنه يوجد قلق هائل".
قال زعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيني هوير، إنَّه سيجري إقرار التشريع قبل حلول عطلة عيد الشكر في 25 من نوفمبر الجاري. قال المعتدلون في بيان لهم، إنَّهم سيسمحون بإجراء عملية التصويت بحلول 15 نوفمبر الجاري على أقصى تقدير.
تصويت مجلس الشيوخ
على الرغم من ذلك، قد يؤدي ذلك إلى تأخير الإجراء النهائي حتى شهر ديسمبر المقبل، إذ يتوجب على الكونغرس الأمريكي مواجهة الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق التمويل الحكومي المزمع في 3 ديسمبر المقبل، وزيادة سقف الديون المسموح به، وكلاهما سيسفر عن وجود نزاع مع الجمهوريين. لا توجد لدى مجلس الشيوخ شكوك في أنَّ التشريع سيشهد تعديلات، وهو ما يعني أنَّه سيكون مضطراً إلى القيام بعملية تصويت مرة ثانية.
صادق مجلس الشيوخ على خطة البنية التحتية البالغة 550 مليار دولار في 10 أغسطس الماضي مع موافقة 69 صوتاً في مقابل رفض 30 صوتاً من كلا الحزبين. قام 19 من أعضاء الحزب الجمهوري بالانضمام، من بينهم زعيم الأقلية ميتش ماكونيل، إلى كافة أعضاء مجلس الشيوخ الـ50 الذين اتحدوا مع الديمقراطيين على تأييد مشروع القانون.
يأتي من بين مقومات مشروع القانون عبر أعوامه الثمانية، والخاص بالمشروعات العامة:
- 110 مليارات دولار تقريباً مخصصة للإنفاق الجديد على الطرق والجسور.
- 73 مليار دولار مخصصة لإجراء عملية تحديث لشبكة الكهرباء.
- 66 مليار دولار مخصصة لخطوط السكك الحديدية، وشركة ركاب السكك الحديدية الوطنية (أمتراك).
- 65 مليار دولار مخصصة لإجراء عملية توسيع لخدمة بث النطاق العريض.
- 55 مليار دولار مخصصة للمياه النظيفة.
- 39 مليار دولار مخصصة لقطاع النقل.
قال مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي، إنَّ مشروع القانون سيؤدي إلى زيادة عجز الميزانية الفيدرالية بحوالي 256 مليار دولار على مدى العقد القادم.