كان "تشاك باندرانت"في عام 1961، طالباً جامعياً في سنته الدراسية الأولى، ولم يملك آنذاك سوى 80 دولاراً، قطع بها نصف الولايات المتحدة متجهاً نحو مدينة سياتل لكسب المال من صيد السمك. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف عن الصيد.
تبلغ ثروة "باندرانت"، مؤسس شركة "ترايدنت سي فودز" وصاحب الحصة الأكبر فيها، قبل ثلاثة أعوام، ما لا يقل عن 1.1 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
ويعود ثراؤه إلى الجرأة التي تمتع بها، إذ قام في أوائل ثمانينيات القرن الماضي بإقناع الأمريكيين بتناول سمك البلوق في مطاعم الوجبات السريعة، مع أنه كان يعتبر وقتها من الأسماك غير الصالحة للأكل. وحتى يومنا هذا، تقوم شركته بشحنه - إلى جانب سمك السلمون والقد - إلى سلاسل متاجر كبرى، مثل "كوستكو"، و"سيفوي" .
عمل "باندرانت" على توطيد علاقاته بالسياسيين، الذين سنوا لاحقاً التشريعات التي دعمت تجارة "ترايدنت" من خلال فرض القيود على مصايد الأسماك الأجنبية؛ كما تستغل الشركة توجه المستهلكين المهتمين باتباع نمط حياة صحي نحو تناول المأكولات البحرية.
وبحسب مؤشر بلومبرغ، يملك "باندرانت" 51 بالمئة من شركة ترايدنت الخاصة، التي بلغت إيراداتها 2.4 مليار دولار في 2016، وفقاً للمعلومات التي تم جمعها من المجموعات التجارية في القطاع.
وقدر مؤشر بلومبرغ في 2017 قيمة الشركة بنحو 2.1 مليار دولار، بناءً على مقارنتها مع خمس شركات عامة نظيرة لها، بما في ذلك "كلير ووتر سي فود إنك" و"أوشينا غروب إل تي دي". وتشغل "ترايدنت"، التي لا تزال تعمل بشكل مستقل تماماً، نحو 16 مصنعاً لتجهيز الأسماك و41 سفينة صيد.
وكتبت الشركة على موقعها الإلكتروني: "لسنا مسؤولين أمام البنوك الاستثمارية، كما هو الحال بالنسبة لشركات المأكولات البحرية الأخرى، نحن مسؤولون فقط أمام عملائنا وصيادي الأسماك والموظفين في شركتنا".
عيّن "باندرانت"، الذي رفض الإدلاء بأي تصريح لنا، ابنه "جو"، رئيساً تنفيذياً للشركة في عام 2013، وتوقف عن المشاركة في الإدارة اليومية للشركة، ولكن صديقه القديم "برنت باين"، المدير التنفيذي لنقابة يونايتد كاتشر بوتس ، يؤكد أنه "مجازف كبير، مقبل على انتهاز الفرص".
لم يكن يعرف مسبقاً بقطاع الأسماك
تعد قصة "تشاك باندرانت" أسطورة في قطاع الأسماك، فضمن فيديو ترويجي للشركة صُور قبل عامين، قال ابنه "جو": "لم يكن والدي يعلم شيئاً عن القوارب أو عن صيد وتجهيز سمك السالمون أو السلطعون، لكن كل ما فعله هو مشاهدة فيلم "نورث تو ألاسكا" لـ "جون واين"، وسمع بإمكانية كسب المال من خلال الصيد في مكان يبعد آلاف الأميال من مكان إقامته".
ووفقاً لصحف سياتل وموقع "ترايدنت" الإلكتروني، كان "باندرانت" في فترة توقف عن الدراسة في البرنامج التمهيدي للطب البيطري في تينيسي عندما سافر إلى سياتل، متوجهاً إلى خليج بريستول في ألاسكا، حيث كان ينام على الأرصفة ويقوم بأي عمل يُعرض عليه.
بعد بضع سنوات، بحث "باندرانت" عن طريقة لبدء مشروع تجاري في قطاع الأسماك، والتقى برجلين يعملان في صيد السلطعون - هما "كارا نيس" و"مايك جاكوبسون"- وفي عام 1973 قام الثلاثة بجمع أموالهم لبناء قارب "بيليكين"بطول 135 قدماً، الذي غير صناعة المأكولات البحرية، وفقاً لتاريخ شركة "ترايدنت" على موقعها الإلكتروني.
لحم السلطعون
في ذلك الوقت، كان معظم الصيادين يأخذون صيدهم إلى الميناء، حيث عملت الشركات المصنعة على استخراج اللحم من السلطعون قبل إرساله إلى السوق، ولعل هذه العملية قللت من الوقت المتاح للصيد، إلا أن "باندرانت" جهز قارب "بيليكين" وزوده بأوعية ومعدات لتجميد السلطعون، مما سمح للصيادين بالبقاء لمدة أطول في البحر.
بحلول أوائل ثمانينيات القرن الماضي، بدأت مخزونات السلطعون في التراجع، فقرر "باندرانت" استغلال سمك البلوق، وهو من الأسماك القاعية التي تعيش بالقرب من قاع البحر ويتواجد بأعداد وفيرة في بحر بيرنغ، ورغم أن هذا السمك كان منتشراً في آسيا على عكس الولايات المتحدة الأمريكية، رأى "باندرانت" أن الأمريكيين قد يحبونه عند تذوقه.
كانت أول صفقة بيع أتمها "باندرانت" مع سلسلة مطاعم "لونغ جون سيلفر"، وفقاً للمقال الذي نشرته مجلة "إيفانسفيل بيزنس" عام 2013، وقام "باندرانت" حينها، أثناء زيارة تسويقية، بتقديم سمك البلوق إلى المدير التنفيذي للمطعم، الذي قال إنه أحب سمك القد، لكن باندرانت لم يقدم له سمك القد بل سمك البلوق.
مهد ذلك إلى بدء التعامل مع شركتي "ماكدونالدز"، و"برغر كينغ"، وتجار التجزئة مثل شركة "كوستكو"، الذين أصبحوا جميعهم يستخدمون سمك بلوق منخفض التكلفة في صنع الساندويشات، وأطباق السمك والبطاطا، والصلصات الشبيهة بصلصة السلطعون.
سمك السلمون المعلب
دخول "ترايدنت" سوق التجزئة جعل منها شركة أسماك كبرى، فقد واصل "باندرانت" جهوده لبنائها كشركة متكاملة أصبحت الآن تقوم بكل شيء، بدءاً من صيد السمك وتجهيزه بكميات كبيرة وحتى بيع منتجات مميزة، مثل سمك السلمون المعلب وأصابع سمك البلوق.
ويقول "ديفيد فلوهارتي"، الأستاذ المساعد في الشؤون البحرية والبيئية في "جامعة واشنطن": "لقد أدرك باندرانت أنه بحاجة إلى إنشاء شركة متكاملة، ليتمكن من إنتاج كمية كبيرة من الأسماك المجهزة لكبار تجار التجزئة والمستهلكين على مستوى المؤسسات".
المنافسة الأجنبية
تعاونت شركة "ترايدنت" مع شركات أمريكية أخرى وتوجهت إلى الكونغرس لطلب المساعدة في الحد من المنافسة الأجنبية، وبدعم من سيناتور واشنطن آنذاك، "وارين ماغنوسون"، وسناتور ولاية ألاسكا، "تيد ستيفنز"، أقر الكونغرس قانوناً دفع الحدود التي يسمح عندها لقوارب الصيد الأجنبية بالعمل إلى مسافة 321 كم تقريباً بعيداً عن الشاطئ بعد أن كانت تبعد عنه 20 كم تقريباً فقط.
وفي عام 1998، أنهى الكونغرس العمل بالقانون الذي يحد من عمل الشركات الأجنبية بالقرب من حدود الـ 321 كم بتسجيلها كشركات تجارية أمريكية، إذ اشترط القانون أن تكون الشركات العاملة في المحيط الهادئ مملوكة بنسبة 75 بالمئة لأمريكيين. وهنا يقول "باين"، من "يونايتد كاتشر بوتس" إن "باندرانت" كان أحد رائدي مشروع القانون، وقد ساهم ذلك في ازدهار عمله".
يدعم الطلب المتصاعد على الأسماك اليوم تجارة "ترايدنت"؛ إذ يسعى المستهلكون إلى إضافته إلى حميتهم الغذائية كمصدر صحي للبروتين. وبحسب بحث أجرته الأمم المتحدة، قفز مؤشر أسعار الأسماك، وهو مؤشر "أوسلو سي فود"، أكثر من 300 بالمئة خلال السنوات الخمس الماضية، نتيجة زيادة الطلب على سمك السلمون وارتفاع الأسعار.
ويؤكد "باين" أن تشاك باندرانت" لطالما كان مولعاً بـ"هنري فورد"، أحد أشهر رجال الأعمال الأمريكيين ومؤسس شركة "فورد لصناعة السيارات"، ويقول: "أخبرني مرة إن كل صناعة تحتاج إلى قائد قوي، فذلك يساعد الشركات الصغيرة. وسأكون أن ذلك القائد القوي".