بعيداً عن عائلات كواندت التي أطلقت شركة السيارات العالمية "بي إم دبليو"، وأجنيلي المرموقة مؤسسة العلامة التجارية "فيات" بالإضافة إلى عشيرة فورد الأميركية، فإن سلالة المليارديرات التي انحدرت من صلب الرجل الذي أسس شركة "بورشه" اقتربت خطوة للأمام الآن من التحول إلى أقوى عائلة في عالم السيارات.
طُرحت "بورشه إيه جي" للاكتتاب العام الأولي في 29 سبتمبر الماضي، وحصدت عائدات بواقع 9.1 مليار دولار لصالح مجموعتها الأم "فولكس واجن إيه جي"، وفق تقييم إجمالي قدره 73 مليار دولار. وهي صفقة معقدة تغلبت على رياح السوق المعاكسة العاتية، وكانت أكبر طرح عام أولي في أوروبا منذ أكثر من عقد.
هذا الاكتتاب العام الأولي يعيد للعائلة أحد الأصول التي طالما رغبت في الحصول عليه، وهو اقتناص حصة أقلية معرقلة في مجلس إدارة "بورشه"، مما يسمح للشركة بتحديد مصيرها بنفسها دون الاضطرار إلى الرجوع في كل شيء للمديرين الكبار في "فولكس واجن" لتقرير مصيرهم. وكان أبناء العمومة بورشه وبييتش، من خلال شركتهم الاستثمارية "بورشه إس إي"، يستحوذون بالفعل على 53.3% من حقوق التصويت و31.9% من إجمالي رأس المال في "فولكس واجن".
نفوذ وسيطرة
يعني ذلك أن شركة "بورشه" تتحكم بشكل فعال في "فولكس واجن" بالكامل، باستثناء حصة أقلية معرقلة تبلغ 20% استحوذت عليها ولاية ساكسونيا السفلى لفترة طويلة، وفقاً لـ"بلومبرغ إنتليجنس". تمتلك عائلة بورشه الآن أيضاً 12.5% من الأسهم المطروحة في "بورشه إيه جي" و25%+1 من الأسهم التي يحق لحامليها التصويت في شركة "بورشه إيه جي" وهذا يوضح مدى قوتهم حالياً.
أوليفر بلوم، الرئيس التنفيذي لمجموعة "فولكس واجن" و"بورشه إيه جي"، الذي لا يملك صلة قرابة مع عائلة "بورشه" قال لبلومبرغ الشهر الماضي: "نفصل بين الشركتين بشكل واضح للغاية. ولن نعاني من نزاع بينهما؛ لذلك سينجح الأمر".
اقرأ أيضاً: أسهم "بورشه" ترتفع في أول ظهور لها بالبورصة وسط أسواق مضطربة
مع هذا، إذا كانت هناك أي كلمة تصف سلوك أبناء العمومة بورشه وبيتش في الشركة فهي "النزاع". فعلى مدى عقود من المنافسات المريرة والمكائد والطعن في الظهر والنازية، تظهر قصة إرث بورشه وبيتش للشركة مثل "الخلافة" ولكن على الطريقة الألمانية. بدأت هذه الخلافة مع فرديناند بورشه، المهندس المفضل لزعيم النازية أدولف هتلر، الذي أسّس شركته التي تحمل اسمه بمدينة شتوتغارت في ألمانيا عام 1931.
حالياً يقترب الجد المسيطر فولفغانغ بورشه، حفيد المؤسس فرديناند البالغ من العمر 79 عاماً، من نهاية حقبة نفوذه كرئيس لمجلس الإشراف على "بورشه إس إي" و"بورشه إيه جي". ويراقب من يعملون مع العائلة الأمور عن كثب لمعرفة من قد يتولى قيادة هذه العائلة النمساوية الألمانية التي لها ماض ملعون بقدر ما هو مرموق. ولا يبدو أحد وكأنه الوريث الأكيد لهذا الدور.
ولادة الأسطورة
طوّر مؤسس الشركة فرديناند بورشه –وهو نمساوي المولد- دبابات عسكرية نازية، وقنبلة طائرة طراز "في-1"، وسيارة "فولكس واجن بيتل"، التي صمّمها استجابة لطلب من هتلر. أسّس بورشه شركته الاستشارية التي تحمل اسمه مع صهره أنطون بييتش وداعمين ماليين آخرين؛ كان القائد الثاني للاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين سيصبح داعماً للشركة، لكن بورشه رفض انضمامه بسبب حاجز اللغة. ظهرت السيارات النادرة، مثل الطراز المثير للجدل "تايب 64" الذي تم تصميمه لإظهار مدى قوة النازية، وجاء كنتاج لصفات التعاون المبكرة في "بورشه".
بحلول 1945، كان بورشه مسجوناً في فرنسا لارتكابه جرائم حرب كضابط في قوات الأمن الخاصة خلال الحرب العالمية الثانية. عندما توفي بورشه في 1951، قُسمت أصوله بالتساوي بين طفليه، فيري ولويز بورشه، التي تزوجت من أنطون بيتش. (وهذا هو السبب في أن نصف عائلة بورشه يحملون اسم بيتش، الذي طالما استخدمه من يحملون كنية بورشه كوسيلة للسخرية وإغاظة أبناء عمومتهم).
طوّر فرديناند وابنه فيري بورشه السيارات والتقنيات لسنوات مع "فولكس واجن"، التي تأسست في 1937 من قبل جبهة العمل الألمانية التابعة للحزب النازي. امتلكت بورشه حصصاً متفاوتة من فولكس واجن منذ خصخصتها خلال 1960. وفي 1993، تولى فرديناند كارل بيش، وهو أحد أفراد عائلة بورشه، رئاسة "فولكس واجن" وظل رئيساً لمجلس إدارتها حتى 2015.
تحصين "بورشه"
أما فيري، الذي قُبض عليه أيضاً بسبب نشاطه في زمن الحرب مع قوات الأمن الخاصة، فحافظ على عمل شركة "بورشه" بينما كان والده في السجن. وكان دوره محورياً في تحويلها إلى قوة منيعة ضد الاستحواذات كما هي اليوم.
في 1948، اجتمع فيري مع أنطون بيتش لوضع الأساس للخطط التي أصبحت في نهاية المطاف بمثابة "قانون فولكس واجن" لعام 1960، والذي منح ولاية ساكسونيا السفلى 20% من أسهم "فولكس واجن" العادية والمُصنّفة على أنها حصة أقلية معرقلة. نظرياً، يحمي هذا القانون الشركة من الاستحواذ القسري، وما يزال مُفعّلاً بقوة حتى الآن.
اقرأ أيضاً: قيمة "بورشه" السوقية تتخطى شركتها الأم مجموعة "فولكس واجن"
طوّر فيري أول سيارة "بورشه" معترف بها على نطاق واسع، وهي "356" الشبيهة بـ"بيتل"، وأصبح رئيساً لمجلس إدارة "بورشه"، وظل رئيس مجلس الإدارة الشرفي للشركة حتى وفاته في 1998. شاركت أخته في إدارة الشركة أيضاً لكن بدرجة أقل. فيما حدّد عهد ابنها فرديناند كارل بيتش على مدى عقود وتيرة نمو "فولكس واجن" في العصر الحديث.
انشقاقات عميقة
تسبّب اجتماع عائلي ومحاولة للصلح قادها فيري، في مدينة تسيل أم زيه بالنمسا في 1970، فقط في تعميق الانقسام. (في أوائل الثمانينيات، حاول إرنست بيتش، أحد أبناء لويز الآخرون، بيع حصته من أسهم العائلة لمستثمرين عرب، لكنه تعثّر عندما جمعت العائلة 100 مليون مارك ألماني لإيقاف الصفقة). أقرّت العائلة بدءاً من 1972 أنه لا يمكن لأي فرد من العائلة العمل مستقبلاً في "بورشه"، التي سيديرها فقط مديرون من خارج العائلة. أنشأ بوتزي بورشه بعد ذلك "بورشه ديزاين" (Porsche Design) كشركة عمليات خارجية، التي صنعت نظارات شمسية وزلاجات وساعات بالإضافة إلى مقتنيات أخرى.
(في 1964، كشف بوتزي النقاب عن أهم منتج منفرد لمصنع "بورشه"، وهي سيارة 911 الرياضية. اليوم، تُدرّ السيارة 30% من أرباح الشركة، رغم أنها تمثّل 14% فقط من حجم المبيعات).
اضطر فرديناند كارل بيتش، ابن خالة بوتزي، أيضاً إلى أن يمتثل لقاعدة العائلة بعدم عمل أي فرد من أفرادها في "بورشه". بعد طرده من وظيفته في "بورشه"، قام السليل، المشهور بقِصَر قامته ومعاناته من صعوبة القراءة، بشق طريقه في صفوف شركة "أودي" (ِAudi) في السبعينيات والثمانينيات، مطوّراً أيقونات مثل سيارة "أودي 100" السيدان وسيارة الطريق والسباق "أودي كواترو". في 1993، أصبح فرديناند كارل بيتش رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لـ"فولكس واجن غروب"، بما فيها "أودي" التي عمل بها سابقاً، كما أضاف لها "لامبورغيني" و"بنتلي" و"بوغاتي" عبر عمليات استحواذ.
هجوم مضاد
أطلق بيتش أيضاً هجوماً مضاداً أسطورياً على "بورشه"، بعدما بدأ ابن عمه، فولفغانغ، الاستحواذ في هدوء على أسهم في "فولكس واجن" مع مطلع الألفية، في محاولة للاستحواذ على الشركة. بعدما تركت الأزمة المالية في 2008 فولفغانغ بورشه يائساً للحصول على المال وغير قادر على إكمال عملية الانقلاب، قلب بيتش الطاولة على ابن عمه وضمّ "بورشه" بدلاً من ذلك لـ"فولكس واجن" في 2009.
كان الهجوم طابع بيتش، الذي سرق بالفعل قلب مارلين بورشه، زوجة ابن عمه، غيرهارد بورشه. تركت مارلين غيرهارد من أجل بيتش، مما تسبّب في اختلال محتمل لموازين القوة في العائلة، لأن مارلين احتفظت بجزء من أسهم غيرهارد بعد طلاقها منه. لم يتزوج بيتش ومارلين قط، لكن الاثنين أنجبا طفلين. في المجمل، كان بيتش أباً لـ13 طفلاً من 4 نساء. وصفت دراسة منشورة بمجلة "فرونتيرز إن سيكولوجي" (Frontiers in Psychology) في 2021 شخصيته بأنها "تمثّل بشكل رئيسي نموذج الحازم-السادي، والواثق-النرجسي، والموسوس-المصاب بجنون الارتياب".
اقرأ أيضاً: تجدد الخلافات في "فولكس واغن" بشأن اختيارات المديرين التنفيذيين
ترك بيتش منصبه كرئيس مجلس إدارة "فولكس واجن" في 2015، وهو توقيت ممتاز جعل خليفته الذي كان ملازماً له، مارتن فينتركورن، يتحمل عاقبة فضيحة انبعاثات الديزل، التي كلفت الشركة أكثر من 30 مليار دولار، وما تزال الشركة تدفع الثمن. قبل وفاته في 2019، وصفت مجلة "دير شبيغل" (Der Spiegel) ثقافة الشركة التي صنعها بيتش في "فولكس واجن" بأنها "كوريا الشمالية دون معسكرات العمل".
يقول مايكل دين، محلل السيارات، لبلومبرغ إنتليجنس إن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين في مجال أعمال العائلة، قليلاً على الأقل. كما يضيف: "الأمور أكثر ودية بكثير في العائلة الآن بعد وفاة (فرديناند) بيتش". لكن مع قرب انتهاء عصر فولفغانغ بورشه، السؤال الآن هو إلى أي مدى ستستمر فترة الود هذه".
ولي/ أولياء العهد
بصفته رئيس مجلس إدارة النشاط التجاري للعائلة، يُعدّ فولفغانغ بورشه متحدث العائلة الفعلي لنسل المؤسس فرديناند بورشه، الذي يتجاوز عدد أفراده 80 شخصاً على مدار 5 أجيال. قاد هاوي الصيد والرسم مسعى إعادة الأسرة في نهاية المطاف إلى وضعها القوي، كما ظهر في الاكتتاب العام الأولي للشركة مؤخراً.
يلعب آخرون أدواراً مهمة أيضاً في أوساط النفوذ، حتى لو تفككت مركزية هيكل العائلة الأساسي بعد رحيل فولفغانغ. ومنهم هانز ميشيل بيتش، ابن لويز وأنطون بيتش وابن خالة فولفغانغ الأكبر قليلاً في العمر، وترتيبه الثاني في الشركة. يتمتع هانز، وهو محامٍ متمرس يتمتع بحياة عامة أقل هدوءاً، بمقعد في مجلسي إدارة "فولكس فاجن" و"بورشه إس إي".
يُعدّ فرديناند أوليفر بورشه، ابن شقيق فولفغانغ وابن بوتزي، مدير كبير هو الآخر، ويعرف باسم أوليفر، وهو أقدم أفراد الجيل الرابع للعائلة بين من شغلوا منصب عضو مجلس إدارة في مجموعة "فولكس واجن" و"فولكس واجن إيه جي" و"بورشه إس إي". لا تتوفر الكثير من المعلومات عن الحياة الخاصة لرجل الأعمال المنعزل والبالغ من العمر 61 عاماً، رغم أنه مرشح بارز لمنصب القيادة بعد رحيل فولفغانغ وهانز ميشيل. يقول دين: "قد يكون أوليفر ولي العهد؛ فهو عضو مجالس إدارة مختلفة".
"الحرب ليست نجمة"
بيتر بورشه، ابن هانز-بيتر بورشه، المهووس بالقطارات، وابن حفيد المؤسس، هو أكبر مساهم في الجيل الرابع من العائلة، بفضل ما ورثه عن أبيه، وهو عضو مجلس إدارة "بورشه". يملك بيتر نفوذاً كبيراً في "بورشه"، لكنه لا يبدي نفس القدر من الرغبة مثل نظرائه في فرض السيطرة على شركات السيارات. نشر المعالِج بالموسيقا في 2012 كتاباً اسمه "الحياة أكثر من مجرد بناء سيارات" (There’s More to Life Than Building Cars).
وصرّح لبلومبرغ في 2016: "لست بحاجة للقضاء على أي شخص لكي أدير العمل"، مُظهراً عقلية مناقضة تماماً للكيفية التي جرى بها إدارة الشركة منذ إنشائها".
اقرأ أيضاً: الرئيس التنفيذي لشركة "فولكس واغن" يوجه دعوة صحوة لمعضلة أسواق المال
ستيفان بيتش، ابن هانز ميشيل، وريث آخر ربما يكون ألطف، فهو عضو في مجلس إدارة "بورشه إس إي"، ويدير شركة إعلامية تقدّم التراخيص للبرامج العائلية. قال ستيفان عن عمله خلال مقابلة في 2021: "كبرنا جميعاً ونحن نشاهد أفلام Star Wars. إذا أخدت في الاعتبار أن الأطفال في عمر ما قبل المدرسة يرون ذلك بالفعل هذه الأيام، ستدرك أن هناك رسالة خاطئة واضحة، فالحرب ليست نجمة".
ورثة آخرون
من بين الورثة الآخرين، لدى ابن شقيقة هانز ميشيل، جوزيف أهورنر، البالغ من العمر 62 عاماً، مقعدٌ في مجلسي إدارة "بورشه" و"أودي"، أما أخته، لويز كيسلينغ، فهي من أعضاء مجلس إدارة "فولكس واجن". وتُعدّ ابنة هانز ميشيل، يوليا كوهن-بيتش، من أعضاء مجلس إدارة "فولكس واجن" هي الأخرى. وهناك مارك فيليب بورشه، أحد أبناء بوتزي، عضو في مجلس إدارة "مان" (MAN)، وهي شركة تجارية للنقل بالشاحنات تتحكم فيها "فولكس واجن"، مع يوليا كوهن-بيتش وابنة عم أخرى، ستيفاني بورشه-شرودر. يشمل أعضاء العائلة الآخرون، المنغمسون في العمل بمجال السيارات، توني بيتش، الذي أنشأ الشركة المصنعة للسيارات الطموحة "بيتش أوتوموتيف" (Piëch Automotive) في 2016.
يمتلك فرديناند ر. ف. بورشه، المعروف باسم فيردي، حساب إنستغرام يحتوي على سيارات بورشه مبردة بالهواء، ويشارك أيضاً في الترويج لسباقات الثلوج السنوية في سانت موريتز. كان فرديناند مؤخراً في لوس أنجلس مع فولفغانغ، لحضور حفلات عشاء خاصة باستضافة جامعي سيارات "بورشه" من كبار الأثرياء. وهناك أيضاً ديانا بورشه، التي لها حساب نشط على إنستغرام، وهي فارسة ركوب خيل متميزة. هؤلاء الأفراد ليسوا على مؤشر بلومبرغ للمليارديرات، ورغم أن ولي العهد الجديد لشركتهم القابضة لن يُعلن عنه رسمياً حتى يناير المقبل، إلا أنهم قد لا يبالون بذلك.
اختتم دين: "أفراد الجيل الأصغر بعيدون عن الأضواء إلى حد كبير، فهم يعتبرون أنفسهم رواد أعمال أكثر من أي شيء".