في منتصف ليل 17 أبريل الماضي، عندما اجتاحت موجة جديدة مميتة من فيروس كورونا الهند، علم مفوض بلدية "مومباي"، "إقبال سينغ شاهال" أن ستة مستشفيات في مدينته سينفد منها الأكسجين في غضون ساعات مما يعرض حياة 168 مريضاً للخطر.
وسط التدافع الذي أعقب ذلك، جرى نقل المرضى إلى المستشفيات المؤقتة التي أنشأها فريق "شاهال" خلال الموجة الأولى للمدينة في عام 2020. لم يجرِ تفكيك المرافق حتى عندما انخفضت حالات الإصابة. على عكس معظم المستشفيات الهندية التي اعتمدت على الأسطوانات، فقد جرى تجهيزها بأنابيب تمد أسِرَّة المرضى بالأكسجين مباشرة، فنجا كل الـ 168 شخصاً.
تلك الليلة - التي يصفها "شاهال" بأنها الأكثر رعباً على الإطلاق، تُقدم نظرة على التكتيكات التي استخدمتها العاصمة المالية للهند، لإخماد تفشي المرض بشكلٍ أسرع، ومع عددٍ أقل من الضحايا، مقارنة بأجزاء أخرى من البلاد.
إصابات أقل
سجلت "مومباي" 2784 حالة وفاة منذ بدء الموجة الثانية في الأول من مارس الماضي، أي نحو ربع العدد البالغ 10595 في العاصمة نيودلهي. حتى المحكمة العليا في الهند اقترحت إمكانية تبني جوانب من نموذج "مومباي" في أجزاء أخرى من البلاد مثل نيودلهي.
على النقيض من ذلك، فإن العدد القياسي للوفيات اليومية التي تواصل الهند الإبلاغ عنها، إلى جانب انهيار النظام الصحي في أجزاء من البلاد، قد سلط الضوء على أوجه القصور الواسعة في الحوكمة والتخطيط العام على المستوى الوطني. وأبلغت البلاد عن 4529 حالة وفاة، يوم الأربعاء، وهو معدل غير مسبوق.
يعزو "شاهال" نجاحات المدينة جزئياً إلى النظام اللامركزي الذي شكله فريقه خلال الموجة الأولى، والذي تضمن "غرف حرب" في الأحياء لإدارة المشكلات حسب المنطقة.
كما أجرى تغييرات واسعة في الطريقة التي تحصل بها المدينة على الأكسجين الطبي وتستخدمه، مع إنشاء مخزون للطوارئ وأنظمة تتبع للناقلات. لذلك، حتى مع مطالبة العائلات في جميع أنحاء الهند بشدة بالإمدادات على وسائل التواصل الاجتماعي، أبلغ مرضى "مومباي" عن حدوث مشكلات بطريقة أقل.
نموذج مختلف في "مومباي"
يبلغ عدد سكان "مومباي" 16 مليون نسمة، منتشرين عبر ناطحات السحاب المتلألئة والمجمعات السكنية والأحياء الفقيرة المترامية الأطراف، حيث تعتبر "مومباي" ثاني أكثر مدن العالم كثافة سكانية، وفقا لبيانات من الأمم المتحدة.
يوجد حوالي 32 ألف شخص في الكيلومتر المربع الواحد. وهذا يجعل الدروس من العاصمة المالية للهند ذات قيمة خاصة مع تزايد المخاوف بشأن تفشي المرض في أماكن مزدحمة أخرى بداية من بانكوك (عاصمة تايلاند) وصولا إلى كاتماندو (عاصمة نيبال).
وأكد "شاهال" في مقابلة عبر "زووم" أنه كان يعلم أنها ستكون حرباً طويلة الأمد، مضيفاً أن ابتكار الأنظمة وتشغيلها على نظام التشغيل التلقائي يعد أمراً أساسياً لنموذج "مومباي".
وفي تاريخ 11 مايو الجاري، كان لدى "مومباي" ما يقرب من نصف عدد حالات الإصابة بالفيروس النشطة بالمقارنة بالعاصمة نيودلهي. لم يرد وزير صحة دلهي "ساتيندار غاين" ووزير الصحة الرئيسي بحكومة الهند "أشيش شاندرا فيرما" على المكالمات التي تطلب التعليق.
المخاطر لا تزال قائمة
مع ذلك، فإن المخاطر على "مومباي" لم تنته بعد. فقد سجلت المدينة 689 ألف حالة تقريباً منذ بدء تفشي وباء فيروس كورونا، بعد إضافة 1544 حالة يوم 16 مايو.
يستعد "شاهال" لموجة ثالثة من خلال إنشاء مستشفيات ضخمة للأطفال، لأن خبراء الصحة العامة حذروا فريقه من احتمال إصابة المزيد من الأطفال في الموجة المقبلة.
تعد إدارة مسار الفيروس في "مومباي" أمراً بالغ الأهمية بالنظر إلى الخسائر البشرية المحتملة من تفشي الوباء الجامح. وباعتبارها العاصمة المالية للهند، تعد المدينة أيضاً ذات أهمية مركزية لاقتصاد البلاد المنهك بالفعل.
تضم "مومباي" البورصة الرئيسية في البلاد، حيث تعتبر هي المكان الذي يوجد فيه المقرات الرئيسية للشركات متعددة الجنسيات الكبيرة مثل "يونيليفر" والشركات المالية العالمية العملاقة بداية من مجموعة "سيتي غروب" إلى شركة "كيه كيه أر آند كو". كما أنها موطن البنك المركزي للبلاد وصناعة السينما الهندية العملاقة المعروفة باسم "بوليوود".
ارتفاع الروبية الهندية
انفصلت الأصول المالية الهندية عن حالة انتشار الفيروس الوطني. ارتفعت الروبية بنسبة 1.5%، لتتحول إلى العملة الأفضل أداء في آسيا هذا الشهر، وسط آمال بحملة تطعيم أسرع للناس في الأشهر المقبلة. كما ارتفع مؤشر الأسهم القياسي بنحو 3% في مايو وحتى الأسبوع الماضي.
ويعزو "شاهال"، البالغ من العمر 55 عاماً، اكتسابه لتلك المهارات الإدارية إلى نشأته في أسرة عسكرية، حيث كان والده ضابطاً في الجيش الهندي. على مدى العقود الماضية، شغل سلسلة من المناصب البيروقراطية، بما في ذلك العمل على تنفيذ اقتراح لإعادة تطوير حي "دهارافي" -وهو من بين أفقر أحياء "مومباي" وثاني أكبر الأحياء الفقيرة في قارة آسيا ويضم 700 ألف منزل ومليون نسمة- وتوجيه إصلاح شامل لأنظمة الري في ولاية "ماهاراشترا".
السيطرة على العدوى
كان عليه أن يبذل ما في وسعه بأقصى سرعة خلال شهر مايو من العام الماضي، عندما طلب منه رئيس وزراء حكومة "ولاية ماهاراشترا"، "أودهاف ثاكيراي"، رئاسة مؤسسة "مومباي" الكبرى البلدية في ذروة الموجة الأولى في "مومباي". كانت الجثث تتراكم في مستودعات الجثث، وكان أكثر الأحياء الفقيرة كثافة في المدينة، "دهارافي"، يكافح أزمة تفشي فيروس كورونا سريعة النمو.
علمته دروس العام الماضي أهمية اتباع نهج محلي وعزل المرضى بسرعة، وهو نموذج يسميه "مطاردة الفيروس". ذهب فريقه من باب إلى باب في حي "دهارافي" بحثاً عن الأشخاص الذين يعانون من الأعراض، وعزلوا في النهاية 150 ألف شخص من الحي الفقير، وهي خطوة أوقفت سلسلة انتقال العدوى.
في ذلك الوقت، ألغى "شاهال" أيضاً المقر المركزي الذي يعالج أزمة تفشي الوباء في المدينة، وأنشأ غرف مكافحة محلية في كل قسم من الأقسام الإدارية الأربعة والعشرين – الضواحي أو الأحياء - في المدينة.
ساعد هذا النهج المحلي في التصدي للوباء، حيث تضررت الأحياء الثرية بشكل أكبر خلال الموجة الثانية. كانت غرف المكافحة المحلية تحصل على تقارير نتائج الاختبار، وقللت من انتشار العدوى من خلال توجيه المرضى المصابين إلى أقرب مستشفى متاحة.
تفاوضت إدارة المدينة مع المستشفيات الخاصة لتخصيص أسِرَّة لمرضى كوفيد بالأسعار التي تحددها الحكومة.
وأشار "شاهال" إلى عقدهم شراكة ممتازة بين القطاعين العام والخاص على صعيد المستشفيات التي لا تزال غير معمول بها حتى اليوم في بقية البلاد.
عندما نفد الأكسجين خلال الموجة الثانية، بدأ "شاهال" في الحصول على الأكسجين من الولايات المجاورة. كما منعت السلطات المدنية في "مومباي" المستشفيات من إضافة أسِرَّة تزيد على سعتها التخزينية للأكسجين، لتفادي النقص الذي عصف بالمدن الأخرى.
التطعيمات
تعتقد الدكتورة "هيتال مارفاتيا"، الأستاذ ورئيس قسم الأذن والأنف والحنجرة في مستشفى "كيه إي إم" في "مومباي" أن من خلال المعرفة الأكثر المكتسبة بعد تجربتهم في العام الماضي، وسَّعت مؤسسة "مومباي" الكبرى البلدية بنيتها التحتية بسرعة بما في ذلك الأسِرَّة والمعدات والأطباء عندما ضربت الموجة الثانية البلاد بطفراتها الخطيرة.
هذه المرة، كانت معظم أسِرَّة المستشفيات بها خطوط أنابيب أكسجين متاحة بسهولة، على حد قولها.
في بعض الأحيان، وفقا لـ "شاهال" كان عليه ببساطة إيجاد طرق مبتكرة لاستخدام الموارد المحدودة. عندما كان هناك نقص في سيارات الإسعاف، اتصل بلجنة الانتخابات في المدينة وحول 800 سيارة أرسلوها إليه إلى سيارات إسعاف من خلال نصب فواصل بين السائق والراكب.
ومع ذلك، كانت "مومباي" بؤرة لتفشي الفيروس مرتين، ويحذِّر الأطباء المحليون من أن المخاطر مستمرة. كما وجه فريق "شاهال" انتقادات لما وصفه البعض بأنه نهج فوضوي في حملة التطعيمات.
توقعات بزيادة الإصابات مرة أخرى
قال الدكتور "فيكاس أوسوال"، أخصائي أمراض الرئة الذي يعمل في عيادات في حي "دهارافي" وأجزاء أخرى من "مومباي": "على الرغم من أن الرسم البياني لحالاتنا من المصابين قد انخفض الآن، إلا أنني أقول إن هذه ليست النهاية ".
وأضاف: " نتوقع ارتفاعاً في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في غضون أسبوعين من الآن، حيث إن مراكز التطعيم شهدت زحاماً مفرطاً، ولا يجري إدارتها على نحو صحيح".
يعترف "شاهال" بوجود بعض المخاطر، لكنه أشار إلى أنه بصدد تجهيز المزيد من المستشفيات الضخمة بطاقة 6500 سرير إضافي، ويحاول استيراد اللقاحات مباشرة من الشركات الدولية.
تلقت "مومباي" ثلاثة عطاءات لاستيراد لقاح "سبوتنيك" الروسي، حسبما صرح لتلفزيون "بلومبرغ" في مقابلة يوم الأربعاء، مضيفا أن المدينة ستخفض معدل النتائج الإيجابية لفحص الإصابة بفيروس كورونا إلى 2% بحلول نهاية شهر مايو الجاري.
أكثر من 20% من الاختبارات في الهند تسفر عن نتائج إيجابية، وهي أعلى بكثير المعدل المستهدف في منظمة الصحة العالمية حيث يجب أن تكون النسبة أقل من 5% لكي تعطي مؤشرا على أن وباء فيروس كورونا تحت السيطرة.
ويشدد "شاهال" على أنه كلما زادات عملية التطعيم، زادت فرصهم في تقليل خطر الموجة التالية.