تتميز فيروسات الإنفلونزا بقدرتها على التحور المستمر، ما يجعلها تنتج سلالات جديدة تتحدى الأجهزة المناعية المهيأة لمكافحة السلالات السابقة. هذا التحور الدائم يجعل الإنفلونزا تهديداً مستمراً للبشر والحيوانات، وخاصة الطيور، التي تعد الأكثر عرضة للإصابة بها.
منذ عام 2020، تفشى نوع من الإنفلونزا شديد العدوى يُعرف باسم "إتش5 إن1" (H5N1) الذي أهلك الطيور البرية والمستأنسة. والآن، بدأ هذا الفيروس ينتشر بين أبقار الألبان في الولايات المتحدة، وأصاب العشرات من الأشخاص، معظمهم من عمال المزارع الذين خالطوا الماشية أو الدواجن المصابة. وفي ديسمبر، تم إدخال مريض إلى المستشفى في ولاية لويزيانا بعد إصابته بإنفلونزا الطيور، وهي أول حالة بشرية بأعراض شديدة في أميركا. وأعلنت ولاية كاليفورنيا، التي تعد أكبر منتج للحليب في الولايات المتحدة، حالة الطوارئ لتسريع الاستجابة مع انتشار التفشي بين قطعان الألبان.
أكد كل من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) ومنظمة الصحة العالمية أن الخطر الإجمالي على البشر لا يزال منخفضاً. ومع ذلك، يراقب مسؤولو الصحة العامة أي إشارات على النتيجة الأكثر قلقاً، وهي انتقال العدوى بين البشر، والذي قد يؤدي إلى جائحة عالمية.
متى بدأ انتشار H5N1؟
تم اكتشاف متحور (H5N1) لأول مرة في عام 1996 في الإوز الذي تتم تربيته في جنوب الصين. منذ ذلك الحين، أثبت المتحور قدرته الكبيرة على الانتقال عبر القارات والأنواع المختلفة. تفشت الفيروسات بين الطيور الأسيرة والتجارية على مستوى العالم، ما دفع الحكومات إلى إصدار أوامر بذبح ملايين الطيور للحد من انتشار العدوى.
أدى متحور ظهر في عام 2020، يُعرف باسم (clade 2.3.4.4b)، إلى عدوى في الثدييات مثل حيوانات المنك في إسبانيا وأسود البحر في بيرو. المتحور نفسه ينتشر حالياً بين الطيور البرية والدواجن في الولايات المتحدة، كما استقر بين أبقار الألبان، مع تسجيل حالات إصابة بين العمال الذين يخالطون الحيوانات المصابة.
على الرغم من هذه العدوى، يشير مايكل أوستيرهولم، مدير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا، إلى أن الفترة بين 2017 و2024 كانت الأقل نشاطاً لفيروس (H5N1) بين البشر منذ بداية ظهوره.
ماذا نعرف عن H5N2؟
المعلومات المتوفرة عن "إتش5 إن2" (H5N2) لا تزال شحيحة. فالمتحور مرتبط بـ(H5N1)، وهما ينتميان إلى عائلة فيروسات الإنفلونزا "A". لكن البحث حول "إتش5 إن2" لا يزال محدوداً. اكتسبت هذه السلالة اهتماماً في يونيو عندما توفي رجل في المكسيك بعد إصابته بها، وكانت هذه أول حالة مؤكدة مختبرياً في إنسان.
ما أثار الدهشة هو أن الرجل البالغ من العمر 59 عاماً، والذي كان يعاني من ظروف صحية مسبقة، لم يكن لديه تاريخ في مخالطة الحيوانات التي يُرجح أنها تنقل الفيروس.
ما مدى خطورة إنفلونزا الطيور على البشر؟
إنفلونزا الطيور تشكّل خطراً قاتلاً. منذ بداية عام 2020 وحتى 1 نوفمبر، رصدت منظمة الصحة العالمية 78 حالة بشرية مؤكدة لـ(H5N1) على مستوى العالم، وأسفرت عن 9 وفيات. وأكدت مراكز السيطرة على الأمراض في 18 ديسمبر أن
إدخال مقيم من لويزيانا إلى المستشفى كان أول إصابة شديدة بالبشر في الولايات المتحدة.
حتى الآن، كانت التأثيرات الصحية لمعظم الحالات في الولايات المتحدة محدودة. المرضى الذين تم تشخيصهم بالإنفلونزا الطيور حتى أوائل سبتمبر عانوا من أعراض يمكن علاجها بمضادات الفيروسات، ولم تُسجل أي وفيات.
ما هي الأعراض؟
سُجلت 61 حالة إصابة بإنفلونزا الطيور في الولايات المتحدة هذا العام، معظمها بين العاملين في مزارع الأبقار أو الدواجن، حيث اشتكى العديد منهم من تهيج في العينين. وفي سبتمبر، ظهرت أول حالة في ولاية ميزوري دون أي تعرض للحيوانات المصابة.
تبحث السلطات الصحية عن التهاب الملتحمة (المعروف باسم العين الوردية) كإشارة على احتمال الإصابة بإنفلونزا الطيور، حيث تُعد العين الجزء الوحيد من الجسم البشري الذي يحتوي على مستقبلات "طيور" يستطيع الفيروس الالتصاق بها.
في كولورادو وميشيغان، عانى المرضى من التهابات في الجهاز التنفسي العلوي، ما أثار مخاوف بشأن انتقال العدوى. وأكدت مراكز السيطرة على الأمراض أنها تراقب الفيروس تحسباً لأي طفرات جينية قد تزيد من خطورته، ولم تظهر حتى الآن أي تغييرات مقلقة. كما لم تُسجل أي أدلة على انتقال العدوى بين البشر.
كيف يُعالج المصابون بإنفلونزا الطيور؟
بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يجب علاج المصابين أو المشتبه بإصابتهم على الفور باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات، مثل "تاميفلو" من شركة "روش" (Roche Holding AG). يُوصى بإعطاء الدواء بغض النظر عن شدة المرض أو مدة ظهور الأعراض.
كما أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض تعليمات طارئة للأطباء باستخدام الأدوية مثل "تاميفلو" بشكل وقائي لمن تعرضوا للفيروسات التي لديها احتمالية تطورها لجائحة، في محاولة لمنع العدوى.
هل يوجد لقاح لإنفلونزا الطيور للبشر؟
تُخزن لقاحات إنفلونزا الطيور، لكنها غير متوفرة حالياً للجمهور. طلبت الولايات المتحدة من شركة "سي إس إل سيكيرس" (CSL Seqirus) إنتاج 4.8 مليون جرعة هذا الصيف، لإضافتها إلى مئات الآلاف الموجودة بالفعل.
مع ذلك، يُحذر الخبراء من أن أي سلالة مستقبلية تنتقل بين البشر قد تتطلب لقاحاً مختلفاً. ولا توصي مراكز السيطرة على الأمراض حالياً بتطعيم العمال الزراعيين لأن الإصابات كانت خفيفة نسبياً.
من جهتها، خصصت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية 176 مليون دولار لشركة "موديرنا" (.Moderna Inc) لاختبار لقاح (mRNA) يستهدف عدة سلالات من الإنفلونزا، بما في ذلك الفيروسات الحالية لإنفلونزا الطيور، بهدف تحديث التكنولوجيا بسرعة إذا لزم الأمر.
في الوقت نفسه، تبحث وزارة الزراعة الأميركية حالياً إمكانية تطوير لقاح (H5N1) للأبقار، وفقاً لإريك ديبل، المستشار الرئيسي المؤقت للاستجابة لـ(H5N1). ووافقت الوزارة على عدة تجارب ميدانية لضمان سلامة اللقاحات المصممة لحماية الأبقار من إنفلونزا الطيور.
ما مدى تأثير إنفلونزا الطيور على الأبقار والطيور في أميركا؟
حتى 18 ديسمبر، تأكدت إصابة 865 قطيعاً من الأبقار في 16 ولاية أميركية بإنفلونزا الطيور. وتشير مراكز السيطرة على الأمراض إلى أن الأبقار تنقل العدوى لبعضها بعضاً من خلال الحليب المصاب. تُستخدم آلات الحلب التجارية على العشرات من الأبقار يومياً، ويمكن أن تظل قطرات الحليب المعدية على المعدات الملوثة لساعات.
مع ذلك، يُرجح أن الأرقام المعلنة أقل من الواقع بسبب تحديات الاختبارات. حالياً تُستخدم أدوات مراقبة المياه العادمة التي استُخدمت سابقاً لتتبع "كوفيد-19" لمراقبة إنفلونزا الطيور بين البشر والأبقار. ومنذ أبريل، أصبح اختبار أبقار الألبان المتنقلة بين الولايات إلزامياً، وعززت وزارة الزراعة الأميركية جهود المراقبة بإصدار أمر فيدرالي في 6 ديسمبر لجمع واختبار عينات الحليب الخام على المستوى الوطني.
لم توصِ السلطات بإعدام الأبقار المصابة، التي غالباً ما تتعافى، في حين أُعدمت ملايين الطيور. شمل ذلك أكثر من 120 مليون طائر في أنحاء البلاد.
أما الحليب الناتج عن الأبقار المصابة، والذي قد يكون متغير اللون أو كثيفاً، فيتم التخلص منه. ومع ذلك، تشير وزارة الزراعة الأميركية إلى أن الخسائر لن تؤثر بشكل كبير على الإمدادات.
طالما أن منتجات الألبان مبسترة، وهي عملية تقتل الفيروسات ومعظم البكتيريا، فإن استهلاك المنتجات مثل الحليب والجبن والآيس كريم آمن. وتوصي وكالات الصحة الأميركية بتجنب الحليب الخام والمنتجات غير المبسترة.
ما الذي يبحث عنه العلماء؟
اكتشف العلماء مؤخراً أن ضرع الأبقار يحتوي على مستقبلات يمكن أن تلتصق بها فيروسات الإنفلونزا البشرية والطيور. وجود كلا النوعين من المستقبلات يجعل من الممكن للحيوانات الأخرى، مثل الخنازير، نقل الأمراض بين الأنواع، كما حدث خلال جائحة إنفلونزا الخنازير القاتلة عام 2009. يثير هذا الاكتشاف القلق بشأن ما قد يحدث إذا أصيبت البقرة بإنفلونزا الطيور والإنفلونزا البشرية في الوقت نفسه.
في أواخر أكتوبر، أعلن مسؤولون حكوميون أن خنزيراً في مزرعة صغيرة في ولاية أوريغون ثبتت إصابته بإنفلونزا الطيور (H5N1) للمرة الأولى في الولايات المتحدة. هذا التطور أثار مخاوف العلماء لأنه قد يساعد الفيروس على التطور بشكل أكبر ويزيد من خطر انتقاله إلى البشر.