جلس أحمد عبد الله، الصيدلي المصري الشاب، يترقب قدوم مولوده الأول للنور، بينما كان يتابع قيام حكومة بلاده بتشكيل لجنة استشارية لمراجعة أسعار الأدوية كل 6 أشهر. تتملكه الحيرة ويفكر في تداعيات هذا القرار على مجال عمله في الأشهر المقبلة، فقد تآكل رأسمال صيدليته الصغيرة الواقعة في أرجاء صعيد مصر إثر زيادات متتالية في أسعار الأدوية مع نقص المعروض منها، ما دفعه للعمل في شركة أدوية خاصة، والبعد مؤقتاً عن إدارة صيدليته.
شكلَت الحكومة المصرية لجنة استشارية تتولى مراجعة أسعار الدواء كل 6 أشهر، في محاولة منها لمراعاة مصالح المواطنين والشركات مع تذبذب سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية منذ تحرير سعر الصرف فى مارس 2024، بحسب وصف مسؤول حكومي تحدث لـ"الشرق" شريطة عدم ذكر اسمه لحساسية الملف.
تهاوت العملة المصرية بنحو 60% فى ليلة واحدة عقب تحرير سعر الصرف في مارس الماضي. ومنذ ذلك الحين تشهد ثالث أسوأ عملة أداءً أمام الدولار خلال العام الجاري، سلسلة من التقلبات فى نطاق يترواح وفقاً لأسعار صرف البنك المركزي بين 46.8 جنيه و49.6 جنيه.
تستورد البلد العربي الأكثر اكتظاظاً بالسكان نحو 90% من الخامات الدوائية من الخارج.
أسعار الأدوية
تقصر مصر تسجيل وتسعير وتداول ورقابة سوق المستحضرات والمستلزمات الطبية على "هيئة الدواء المصرية" التي انتقلت إليها هذه التخصصات حصراً قبل 4 سنوات، بدلاً من وزارة الصحة والسكان.
وبحسب المسؤول الحكومي فإن اللجنة ستصدر توصياتها لهيئة الدواء التي ستتولى إصدار قرارات الزيادة أو الخفض على نحو دوري حسب أوضاع السوق، وأضاف: "عمل اللجنة لن يقتصر فقط على بحث أسعار الدواء فى ضوء تغير سعر الصرف والمعطيات الاجتماعية، بل سيمتد للنظر في أسعار الأدوية التي يتم توريدها للمستشفيات الحكومية أيضاً".
قال يس رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية لشؤون الإعلام والتواصل المجتمعي ودعم الاستثمار، فى بيان صادر أمس، إن التسعيرة الجبرية للأدوية بمثابة اختصاص أصيل لهيئة الدواء المصرية دون غيرها، وأن اللجنة المشكلة لمراجعة الأسعار تتمحور وظيفتها في الحوار فقط مع الأطراف والوزارات والجهات المعنية لتحديد الموعد المناسب لتنفيذ قرارات التسعير حسب المعطيات الاقتصادية والاجتماعية.
الدولار ركيزة التسعير
رئيس شعبة الدواء بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية علي عوف أوضح لـ"الشرق" أن على الشركات الراغبة فى زيادة أسعار منتجاتها أن تتقدم بطلبات رسمية لهيئة الدواء المنوط بها الفحص والبت فى الطلبات، موضحاً أن اللجنة الجديدة ستخلق حواراً بين الأطراف المعنية فى ضوء التغيرات المستمرة فى سعر الصرف، وضبابية مستقبل سعر الدولار.
عوف أشار إلى أنه رغم تصنيع مصر 94% من الدواء محلياً، إلا أن 90% من المواد الخام المستخدمة فى تصنيع الأدوية يجري استيرادها من الخارج. مضيفاً أنه في حال انخفض سعر الدولار أمام الجنيه فى البنوك، فمن حق المواطن حينها أن يطالب بتخفيض أسعار المنتجات الدوائية، وكذلك العكس حفاظاً على مصالح الشركات العاملة فى السوق.
عوف ذكر أن متوسط الزيادة فى أسعار مئات الأنواع من الأدوية الأكثر شيوعاً في البلاد سجل ارتفاعاً بنسبة 25% منذ تحرير سعر صرف الجنيه.
نقص المعروض
عانت سوق الدواء المصرية من نقص في بعض الأصناف وزيادات متتالية في الأسعار خلال السنوات الماضية، بسبب نقص المواد الخام اللازمة للإنتاج، أو تكدس الأدوية بالموانئ لعدم توفر السيولة الدولارية المطلوبة للإفراج عنها.
مساعد رئيس هيئة الدواء يس رجائي قال لـ"الشرق" إن معدلات إنتاج الأدوية فى البلاد عادت إلى مستوياتها الطبيعية حالياً، ويتم بشكل دوري الإفراج عن المادة الخام اللازمة لتصنيع الناقص منها، لافتاً إلى أن التسعير الجبري يعتمد على ركيزتين هما السعر العادل لمراعاة البعد الاجتماعي للمواطن، وضرورة توفير المستحضرات الدوائية، وفق تعبيره.
أفرجت مصر عن بضائع بقيمة 14.2 مليار دولار من الجمارك فى آخر شهرين، حسبما كشف المتحدث باسم الحكومة المصرية، محمد الحمصاني في تصريحات لـ"الشرق" في وقت سابق من الشهر الجاري.
فيما توقع مُصنع دواء اشترط عدم ذكر اسمه لـ"الشرق" أن أزمة نقص الأدوية ستبدأ فى الاختفاء تدريجياً بعد موافقة هيئة الدواء في نهاية المطاف على تحريك أسعار مئات الأصناف. وقال: "أكبر مشكلة فى السوق خلال الفترة الماضية كانت ارتفاع تكلفة الدواء على الشركات المنتجة في ظل ثبات سعر المنتج بسعر الجنيه قبل التعويم".