اختبار جديد للدم يبين إمكانية الكشف عن خطر الإصابة بالمرض قبل سنوات من ظهور الأعراض

هل ترغب أن تعرف إن كان ألزهايمر سيصيبك؟

أيدٍ ممسكة ببعضها البعض - المصدر: بلومبرغ
أيدٍ ممسكة ببعضها البعض - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

توصل باحثون قبل بضعة أعوام إلى اكتشاف مقلق، وهو أن أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر كانت تنمو فيها كتل غير منتظمة من بروتينات غير اعتيادية لمدة 15 أو 20 عاماً قبل تشخيص إصابتهم. يعني ذلك أن تلك الترسبات التي تبدو مرضية تتراكم بصمت في أدمغة الملايين الذين يبدون أصحاء في خمسينياتهم وستينياتهم.

في الآونة الأخيرة، وجد العلماء أن بإمكان اختبار للدم أن يكتشف هذا الضرر الصامت بدقة مفاجئة. يعاني نحو 13% من الأشخاص بين عمر 75 و85 عاماً مرض ألزهايمر، أي أن فئة كبيرة من أناس أصغر سناً ينبغي أن تكون نتائج فحصهم إيجابية. لكن هل الأفضل حقاً أن نعلم ما إن كنا سنصاب بهذا الداء؟

هنالك عقاقير قليلة تكافح أعراض ألزهايمر لمن يعانونه، ولا توجد عقاقير لمن لم تظهر عليهم أعراضه بعد. العقاقير الرائدة هي حقن باهظة الثمن من أجسام مضادة تزيل أغلب الترسبات الواضحة، المسماة النشوانيات، لكنها لا تبطئ تدهور الخلايا العصبية. أظهرت تلك العقاقير قدرة محدودة فحسب على إبطاء تقدُّم المرض، ولا يوجد ما يعكس مساره.

اختبار جديد

يقيس اختبار الدم الذي أثار كل هذه الضجة مستوى بروتين اسمه (p-tau 217). بينت دراسة نُشرت هذا الشهر في دورية "نيتشر ميدسِن" (Nature Medicine) وأخرى نُشرت في يناير في دورية الجمعية الطبية الأميركية أن هذا الاختبار له كفاءة تقنيات تشخيص أخرى لمرض ألزهايمر، مثل التصوير المقطعي البوزيتروني وتحليل عينة من السائل النخاعي الشوكي المستخرجة عبر بزل قَطَني.

يعني ذلك أن الاختبار يُرجّح ألا يكون مؤشراً على خطر الإصابة بألزهايمر، ولكنه يشير إلى وحود خلل دماغي.

يتصور بعض الأطباء أن اختبارات الكشف عن مرض ألزهايمر ستصبح روتينية مثل اختبارات الكوليسترول، رغم أن النتائج حتماً يُرجّح أن تكون مرعبة أكثر بكثير وأقل من حيث جدوى التعامل معها.

قال هنريك زيتربيرغ، أستاذ الكيمياء العصبية بجامعة غوتنبرغ في السويد، إن الاختبار يعمل بكفاءة لأنه "يعكس حقاً علم الأمراض الأساسي لمرض ألزهايمر". يمكن للمرض أن يبدأ حين يتكتل بروتين يسمى "نشواني بيتا" (beta amyloid) خارج الخلايا العصبية، لكن ذلك وحده لا يسبب التلف، لذا فإن اختبارات الكشف عن "نشواني بيتا" ليست تنبؤاً يقينياً بوجود المرض.

تطور المرض

يبدأ تطور مرض ألزهايمر الفعلي حين تحدث تغيرات داخل الخلايا العصبية، بما فيها تراكم بروتين آخر يسمى "تشابكات تاو" (tau tangles). تأخذ الخلايا العصبية في تلك المرحلة بالانكماش، وتنتج في هذه العملية بروتيناً معدلاً هو "p-tau 217".

لكن لا يتضح ما الذي يمكن لمن يكتشفون أن لديهم مستويات مرتفعة من بروتين "p-tau 217" أن يفعلوه. قال سكوت سمول، خبير علم الأعصاب في جامعة كولومبيا، إن السؤال كان حاضراً في نقاش مع زملائه، وقال أغلبهم إنهم كانوا ليباشروا باستخدام أحد العقاقير الأجسام المضادة المتاحة.

تنجح تلك العقاقير في إزالة طبقات النشوانيات تلك بشكل استثنائي. قال سمول إن هذه الطبقات هي أكثر العلامات وضوحاً على وجود المرض عند التشريح، إذ تشبه "أعشاشاً وترية" تغزو الدماغ. لكن العلماء لا يتفقون بعد على الرابط بين طبقات النشوانيات والتأثيرات الإدراكية الناجمة عن المرض.

أوضح سمول أن العقاقير لا تزيل "تشابكات تاو" أو تحول دون موت الخلايا العصبية، بل تُبطئ تقدم المرض بنحو 30% في أفضل الحالات.

تطوير العقاقير

كان عقار "أدوكانوماب" (aducanumab) من شركة "بيوجين" أول دواء أجسام مضادة يحصل على ترخيص إدارة الغذاء والدواء الأميركية، وحقق الدواء نجاحاً هائلاً ويبلغ سعره لكل مريض 56 ألف دولار سنوياً.

لكن "بيوجين" تخلت عنه في نهاية الأمر بسبب عدم اتساق في نتائج تجاربه السريرية وتأثيراته الجانبية الخطيرة. وافقت إدارة الغذاء والدواء العام الماضي على عقار "ليكانيماب" (lecanemab) المشابه الذي أظهر أدلة أكثر اتساقاً في إبطاء الأعراض بنسبة متواضعة، لكنه ينطوي أيضاً على خطر تورم ونزيف الدماغ.

يقلق بعض الأطباء من أن صناعة الأدوية ستستغل الخوف من مرض ألزهايمر لتبيع مزيداً من هذه العقاقير المكلفة إلى أناس لا يُرجّح أنهم سيستفيدون منها.

عرضت جمعية ألزهايمر، بالتعاون مع لجنة من العلماء، العام الماضي مقترحاً لوصف الأشخاص الأسوياء إدراكياً بأن لديهم "المرحلة الأولى من مرض ألزهايمر" إذا كانت نتائج فحصهم إيجابية للمؤشرات الحيوية في الدم مثل "p-tau 217". قال إريك ويديرا، أستاذ الطب وأمراض الشيخوخة في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، إن عديداً من أعضاء اللجنة تربطهم صلات بصناعة الأدوية.

لدى البعض فرصة لكسب المال إن استطاعوا إعادة تعريف المرض ليشمل من لا تظهر عليهم أي أعراض فيما لا تقدم إعادة تصنيف المرض فائدة واضحة للمرضى، الذين قد يواجهون ضرراً نفسياً إلى جانب الرفض والتمييز الاجتماعي إن تسربت المعلومة.

قلق ومخاوف

لا يوجد اختبار مثالي، لذا لا مفر من أن تظهر بعض النتائج الإيجابية الزائفة أو أن يعاني البعض من تدهور بطيء لدرجة أنه يُرجّح وفاتهم لسبب آخر قبل أن يلاحظوا الأعراض. كان ويديرا قلقاً من أن الاختبارات قد تجد طريقها بشكل غير معلن إلى اختبارات الدم المعتادة، إذ سينتاب الهلع ملايين الأشخاص حين يعلمون أنهم مصابون.

رغم هذه المخاوف، فإن الباحثين سعداء بمدى قوة اختبار الدم هذا لأنه يسرّع تقدمهم نحو تطوير علاجات أفضل.

لا ينال من لا تظهر عليهم أعراض الموافقة على تناول العقاقير التي تحتوي على الأجسام المضادة، لكن هناك منطقة رمادية نظراً لأن أغلبنا يعاني زلات ذهنية عرضية. كما أن الأطباء قد يكتبون وصفة طبية بالعقاقير لحالات غير مخصص لها قبل ظهور أعراض.

سيتطلب الأمر بعض الوقت والدراسات الوبائية الجيدة لتحديد طريقة تفسير اختبار الكشف عن بروتين "p-tau 217". لكن ما مدى ارتفاع القراءة التي ينبغي اعتبارها غير عادية أو جديرة بالعلاج؟

نهج مختلف

يمكن أيضاً أن تحول الأجسام المضادة القائمة دون الإصابة بالمرض إن تناولها المريض في وقت مبكر بما يكفي. تجري ريسا سبرلينغ، الباحثة في جامعة هارفرد، تجارب سريرية على أناس لا تظهر عليهم أعراض باستخدام اختبار الكشف عن "p-tau 217" لفحص متطوعين.

يسلك آخرون نهجاً مختلفاً يأملون أنه سيُقرّبهم من السبب الجذري للمرض. قال سمول من جامعة كولومبيا إنه يدرس التغيرات في الطريقة التي تنتقل بها البروتينات داخل الخلايا. شبّه سمول الأمر بترسبات الكوليسترول في الشرايين. بإمكانك أن تجعل العقار يستهدف إزالة الترسبات، لكن استخدام العقاقير للحيلولة دون إنتاج الكبد للكوليسترول الزائد أكثر فاعلية في المقام الأول.

إن أكبر آمال الباحثين هي أن تكون العقاقير الوقائية ممتازة لدرجة أن تصبح نتيجة الفحص الإيجابية لبروتينات مرض ألزهايمر لا تسبب مخاوف تفوق ما يصاحب ارتفاع مستوى الكوليسترول. لكن لا يزال أمامهم شوط طويل ليقطعوه نحو هذا.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

فى هذا المقال

الآراء الأكثر قراءة