لنفترض أنَّ شريك حياتك أصيب بـفيروس كوفيد-19 في العمل، وتعرَّضت للعدوى منه. هل يمكنك مقاضاة صاحب عمل شريك حياتك على الضرر الذي تعرَّضت له؟ هذا هو السؤال الذي طرحته دعوى قضائية جرى رفعها مؤخراً في محكمة فيدرالية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وقد تكون النتيجة مهمة للغاية.
تجادل "كوربي كوسيمبا" بأنَّ زوجها أصيب بالعدوى عندما نَقل صاحب عمله -شركة "فيكتوري وودوركس"- العمال إلى موقعٍ جديدٍ، بزعم انتهاك الشركة لبروتوكولات السلامة.
ثبتت إصابة الزوجين بفيروس كورونا في منتصف شهر يوليو الماضي، وتعرَّضت "كوربي كوسيمبا"، البالغة من العمر 65 عاماً، التي وُصِفت في الدعوى القضائية أنَّها "شخصٌ معرَضٌ لخطرٍ كبير بسبب عمرها وصحتها"، إلى حالة خطيرة، وقضت أسابيع على جهاز التنفس الصناعي.
والسؤال هو ما إذا كان صاحب العمل انتهك واجباً ليس فقط تجاه الموظف، ولكن أيضاً تجاه زوجته، بعد السماح للزوج بالتعرُّض للإصابة بفيرس كوفيد-19.
ملايين الأشخاص معرضون للعدوى
الإجابة ليست تافهة، فوفقاً لرسالة بحثية جرى نشرها في شهر نوفمبر 2020 في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية "جورنال أوف ذي أمريكان ميديكال أسوسيشن"، يعيش أكثر من 20 مليون شخص، وهم معرَّضون بالفعل لخطر أعلى للإصابة بفيروس كوفيد-19 مع عمال يُعدّون أساسيين، ولا يمكنهم العمل من المنزل أو التوقُّف عن أعمالهم.
ويمثِّل الكثير من الأشخاص الذين من المحتمل أن يتعرضوا للإصابة بالمرض، والكثير من المدَّعين المحتملين.
وعلى الرغم من وصف وكالة بلومبرج للقاضي في قضية "كوسيمبا" بأنَّه "متشكك"، لكن لا ينبغي أن نتسرع في افتراض أنَّ الدعوى ستنتهي بالرفض.
تتضمَّن القضية ما يعرف باسم ضرر "نقل المرض للمنزل". وتنشأ الدعوى المعتادة التي يجري اعتبارها "نقل المرض إلى المنزل" عندما يمرض أحد أفراد الأسرة بعد عودة الزوج إلى المنزل من العمل في ملابس تحمل كميات ضئيلة من السموم، مثل مادة " الأسبستوس "، أو مادة الرصاص، الموجودة في مكان العمل.
ويجادل بعض العلماء في أنَّ انتقال فيروس كوفيد-19 المنزلي المكتسب في مكان العمل يجب أن يعامل بالطريقة نفسها.
ولكن حتى في القضايا المتعلِّقة بالسموم في الملابس، فإنَّ المحاكم منقسمة حول ما إذا كان على أرباب العمل واجب حماية أفراد الأسرة.
سابقة قضائية
وهناك قضية كلاسيكية تحمل صفة "بلا واجب"، وهي قضية "هولدمابف في أيه سي آند إس إنك " (Holdampf v. AC & S. Inc.)، التي نظرت فيها محكمة للاستئناف بدائرة نيويورك في عام 2005. وزعمت المدعية أنَّها أصيبت بورم خبيث عن طريق غسل ملابس عمل زوجها، التي كانت ملوثة أحياناً بالأسبستوس. ورفضت المحكمة الابتدائية الدعوى، وصادقت على القرار أعلى محكمة في الولاية، معتبرة أنَّ صاحب العمل ليس مطالباً بواجب رعاية زوجة الموظف.
لكن في المقابل توصَّلت ولايات أخرى إلى استنتاج معاكس. ومن بين أحدث القضايا التي سمحت بإقامة دعوى قضائية ضد جامعة جورجيا الجنوبية، وصدر الحكم في عام 2018 من قبل المحكمة العليا في "ديلاوير".
لم تكن الحقائق مختلفة عن وقائع شركة "هولدمابف"، وهي دعوى قضائية نيابة عن الزوجة (المتوفاة في هذه الحالة) التي ادَّعت أنَّها مرضت بسبب بقاء مادة "الأسبستوس" في ملابس زوجها، عندما عاد إلى المنزل من العمل.
ورأى القضاة أنَّ الدعوى القضائية يمكن أن ترفع ضدَّ كلٍّ من صانع الملابس (لعدم تقديمه تعليمات بشأن الغسل الآمن)، وصاحب العمل (لأنَّه إذا كانت الشركة المصنِّعة مسؤولة، فلن يكون من العدل، أو حتى من الناحية العملية تحصين أصحاب العمل من العقاب).
كثيراً ما كانت ولاية كاليفورنيا، التي رفعت "كوسيمبا" دعواها القضائية فيها، تملك اختصاصاً قضائياً يتعلَّق بمسؤولية "نقل المرض إلى المنزل"، ضمن حدود.
في عام 2016، وفي قضية رفعها ابن أخت أحد الموظفين الذي زعم أنَّه مرض لأنَّه مكث في منزل عمه ثلاثة أيام في الأسبوع لمدَّة ست سنوات؛ احتجت المحكمة العليا للولاية من أنَّ الضرر متاح فقط، عندما يستطيع صاحب العمل توقُّع "انتظام وشدة الاتصال الذي يحدث في منزل العامل".
عندما تكون المدعية زوجة، يجرى تطبيق هذه القاعدة بسهولة. لكنَّ "كوسيمبا " تواجه عقبات أخرى، وفي مقدَّمتها إثبات أنَّ حالة زوجها ناجمة عن الإصابة بفيروس كوفيد-19 بالفعل في مكان العمل.
غموض الفيروس يقضي على العديد من الدعاوى
وقد أدَّى عدم القدرة على مواجهة هذا التحدي إلى القضاء على العديد من الدعاوى القضائية المرفوعة من قبل الموظفين، ويبدو أنَّه سبَّب شكَّ قاضي المحاكمة الواضح في الدعوى الحالية.
لنفترض، مع ذلك، أنَّ "كوسيمبا" انتصرت؛ فإنَّ العديد من الشركات ستبكي من الهلاك المالي. ولكن من الصعب معرفة ما إذا كانت على حق.
في العادة، نريد من الجميع، بما في ذلك الشركات، استيعاب التكاليف التي تلقيها أفعالهم على الآخرين.
قد تضع قيوداً على المسؤولية، نظراً لصعوبة التنبؤ بالتكاليف. وفي حالة طوارئ معينة، تكون باهظة الثمن، وهنا، ببساطة ليست لدينا معلومات كافية لعمل تنبؤات.
هذا لا يعني أنَّه ليست لدينا بيانات على الإطلاق، فنحن نعلم، على سبيل المثال، أنَّ احتمالية انتقال فيروس كوفيد-19 في المنزل أعلى من احتمال انتقال فيروسات الجهاز التنفسي الأخرى ذات الصلة، لأنَّنا نعلم أنَّ الاحتمال يرتفع مع زيادة عدد أفراد الأسرة.
ونعلم أيضاً أنَّ معدَّلات الإصابة الإجمالية تكون أقل عندما يبقى العمال في منازلهم. وما لا نعرفه هو عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالفعل بالمرض نتيجة انتقال العدوى في مكان العمل، ناهيك عما حدث في منازلهم.
في وقت مبكر من تفشي وباء كورونا، نتج انتشار المرض في المنازل المرتبط بالعدوى في مكان العمل بشكل كبير عن تفشي الفيروس في أماكن التصنيع، والزراعة، والنقل، والتخزين.
ووجدت دراسة نشرت في المجلة الطبية البريطانية "بريتش ميديكال جورنال"، بتحليل الإحصائيات حتى شهر يوليو 2020، أنَّ العمال الأكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس كوفيد- 19 كانوا العاملين في مجالات الدعم الطبي، والخدمات الاجتماعية، والنقل. ويفترض أحدهم أنَّ أسرهم تشارك المخاطر. ومن ناحية أخرى، في الأشهر التالية، اتخذ أرباب العمل المزيد من الاحتياطات.
للأسف، بدون أرقام جيدة، لا يمكننا تقييم التأثير المحتمل لانتصار "كوسيمبا".
ولكن إليك توقُّع يسهل القيام به: إذا انتصرت، فسيتبع ذلك المزيد من الدعاوى القضائية.