تَصلُ شحنات من عينات اختبارات الكشف عن كورونا، أربع مرات يومياً إلى المختبر. معظمها يتم توصيله في شاحنات شركة "يو بي إس" المخصصة لنقل الطرود، وبعضها عن طريق البريد، وآخرها يصل عادة قبل منتصف الليل بقليل.
وفي داخل هذه الشحنات، يحوي كل كيس بني اللون قارورة محكمة الغلق، مملوءة باللعاب الذي تحول إلى اللون الأزرق الفاتح بفعل سائلٍ يعملُ على تعطيل نشاط فيروس كورونا، إن وجد، ولكنه يحافظ على الحمض النووي للفيروس، حتى يمكن اكتشافه. ويَشغل المختبر الطابق الرابع في أحد المباني الذي سيصبح مركزاً للتكنولوجيا الحيوية في نهاية الأمر.
ويضم بهو المبنى بعض التماثيل البسيطة، وتحيط به الأراضي الزراعية والبنايات. ويعتبر موقعه ملائماً كونه يقع على بعد 10 أميال (1 ميل= 1,609 كم) فقط من وسط مدينة سانت بول، ولكن ذلك ليس بنفس أهمية قربه من مستودع شركة "خدمة الطرود المتحدة".
وعندما تم افتتاح المختبر في أوكدايل في أواخر أكتوبر من العام الماضي، اعتاد الموظفون على تكديس الأكياس التي تحوي العينات في عربات صغيرة. لكن بحلول أوائل نوفمبر، لم تعد تلك العربات كافية.
ومن ثم، بدأوا باستخدام الحاويات، لكن ذلك كان يتطلب منهم التدلي إلى داخلها مراراً وتكراراً. ومع اقتراب عيد الشكر، تحولوا إلى استخدام صناديق "غايلورد"، التي تتميز بسهولة سحبها، مما سمح لهم بتفريغ الصناديق بشكل أسهل، ويحتوى كل صندوق منها على نحو 900 عينة.
كان ذلك بمثابة أحد التعديلات الطفيفة التى فرضت نفسها مع تزايد سرعة انتشار الفيروس. كما كانت مصطلحات مثل معدلات الحالات الإيجابية، ومعدلات الاستشفاء، وسعة العناية المركزة، وعدد التكاثر الأساسي وخسارة الأرواح، من بين العديد من المؤشرات التي تصف جائحة "كوفيد-19".
وبنهاية الخريف، كانت كل المقاييس تتحرك في الاتجاه الخاطئ. أولاً: في الولايات المحيطة بولاية مينيسوتا، داكوتا الشمالية والجنوبية، وأيوا، وويسكونسن، ثم في مينيسوتا.
وعندها بدأت حكومة الولاية جهداً طموحاً لتشجيع كل مقيم على الخضوع للاختبار للكشف عن الفيروس بسهولة وبسرعة ومجاناً.
الاختبارات.. وسيلة الدفاع الأولى أمام الفيروس المتحول
ولا تعد مينيسوتا أكبر الولايات الأمريكية ولا أكثرها ثراءً لكنها تحظى بحاكمٍ تقدمي، وفائض في الميزانية سمح لها بزيادة التمويل الفيدرالي، وإنفاق ما يقرب من 150 مليون دولار على إجراء الاختبارات حتى الآن.
هذا بالإضافة إلى وجود فريق لمكافحة الأوبئة يعمل بشكلٍ جيد، وهي موطن مجموعة "مايو كلينك" وجامعة مينيسوتا، التي تعد واحدةً من أفضل المؤسسات البحثية العامة في البلاد.
قد تفسر كل هذه المزايا سبب كون الولاية واحدة من الولايات القليلة التي تقوم بتنفيذ استراتيجية لإجراء الاختبارات كان يجدر بالحكومة الفيدرالية تبنيها، وهي ذات الإستراتيجية التي ساعدت هونغ كونغ وكوريا الجنوبية وتايوان على تجنب أسوأ ما في الدمار الناتج عن الوباء. خاصة أن الاختبارات لا تتطلب تطورات علمية درامية أو تَحمُّل أي مخاطر صحية محتملة.
ويقول آشيش جها، عميد كلية الصحة العامة بجامعة براون: "أحب ما تفعله مينيسوتا. نحن بحاجة إلى كثير جداً من تلك الإجراءات".
وبدلاً من ذلك، كانت كل ولاية أمريكية تعمل بمفردها، كما يقول حاكم مينيسوتا، تيم والز: "لقد كان فشلاً كارثياً على المستوى الفيدرالي".
وعلى الرغم من طرح اللقاحات ببطء، وإمكانية إجراء الاختبارات الذاتية داخل المنزل بشكلٍ محدود، غير أن رفع القيود في وقتٍ مبكرٍ جداً، مرة أخرى، أمر وارد الحدوث. وستعني النُسَخ الجديدة من الفيروس الأكثر قابلية للانتقال زيادة التعرض والعدوى، الأمر الذي قد يستلزم تحسين الاختبارات لاكتشاف هذه التغيرات الجينية.
ولا تزال المعركة بين الناس والفيروس قائمة، وهم يواصلون توفير العديد من الفرص للفيروس الانتهازي. ومن ثم، سيكون الاختبار ضرورياً خلال معظم العام الحالي، إن لم يكن لفترة أطول.
ويذكر أن إدارة بايدن وعدت بجعل إجراء الاختبارات إحدى أولوياتها. وحتى عندما ينحسر الوباء، فإن فيروس كورونا باقٍ.
مختبرٌ علمي يواجه الوباء
وفي حين لم تعتمد جميع الاختبارات المقدمة في ولاية مينيسوتا خلال الأشهر الأخيرة من عام 2020 على عينات اللعاب. لكن تقريباً كل الاختبارات التي اعتمدت على اللعاب، بغض النظر عن مكان جمعها في الولاية، وصلت إلى ذلك المختبر في أوكدايل. وهو مشروع مشترك، نوعاً ما، بين ولاية مينيسوتا و شركة "إنفينيتي بيولوجي إكس"، التي طورت أول اختبار لعاب مصرح به للاستخدام في حالات الطوارئ، وهي تدير المختبر، مع شريكتها "فولت هيلث"، التي تشرف على جمع عينات اللعاب.
ويكفي لوحٌ واحد من الكواشف، مع 16 صندوقاً من المنتجات الطبية، لإجراء عشرة آلاف اختبار. وهي التي بدت كثيرة بالنسبة لـ "جيني وارد"، مديرة المختبر.
وفي نوفمبر من عام 2020، كان معدل الإيجابية في مينيسوتا 14%. واصطفت 25 من صناديق العينات على الأقل داخل المختبر.
وكان المختبر يعالج اختبارات صندوق واحد في اليوم، ثم زاد العدد لاثنتين. وإذا وصل عددها إلى ثلاثة، فسيبلغ المختبر الحد الأقصى لطاقته، مما يعني أنه سيعمل كل يوم دون توقف على إجراء 210 ألف اختبار أسبوعياً.
وقبل عيد الشكر، كان طاقم العمل في المختبر يضم 80 شخصاً، ويحوي زوج من البرادات فائقة التبريد المليئة بالعينات الإيجابية، ومعاطف جديدة مصممة للعمل بالمختبر. ولكن بحلول نهاية العام الماضي، كانت مديرة المختبر قد قامت بتشغيل البرادات الاحتياطية، ووظّفت 20 شخصاً آخرين، وطلبت معاطف إضافية للمختبر. كما جاءت نتائج الاختبارات إيجابية لحوالي 400 ألف من سكان الولاية، البالغ عددهم 5.6 مليون نسمة، وقام مختبر أوكدايل بإجراء أكثر من 800 ألف اختبار.
ووصفت "وارد" فترة الخريف وأوائل الشتاء قائلةً: "إنها أسوأ مما كنت أتوقعه. لقد كنت أتوقع أن يكون الوضع سيئاً، لكنني لم أكن أعرف إلى أي مدى سيصل ذلك".
وكانت ميريديث فاديس، مسؤولة عن عمليات الصرف الصحي في المدينتين، منيابولس الأكثر سكاناً في مينيسوتا، وسانت بول عاصمة الولاية، بالإضافة لمسؤولياتها عن عمليات النقل الجماعي، وتخطيط استخدام الأراضي. وفي مارس من عام 2020، أصبحت فاديس مديرة العمليات في الولاية لاختبارات "كوفيد-19"، وهي الوظيفة التي ظلت تشغلها لبقية العام.
وفي البداية، كان تركيز ولاية مينيسوتا على إجراء الاختبار للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض وأولئك المعرضين لمخاطر عالية، مثل الموظفين في مصانع الأغذية التي تفشى فيها المرض، والعاملين بالمستشفيات، والمقيمين والموظفين في مرافق الرعاية طويلة الأجل. وتقول فاديس إنه في تلك الأوقات المبكرة، قامت الولاية بإجراء أقل من 2000 عينة من مسحات الأنف يومياً.
وفي 25 مايو من العام الماضي، قُتل أحد ضباط شرطة مينيابوليس جورج فلويد. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، تظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص في مينيسوتا وحدها، احتجاجاً على الظلم العنصري. وشجعت ولاية مينيسوتا، مثل غيرها، أولئك الذين تظاهروا وهتفوا فى المسيرات الاحتجاجية، على إجراء الاختبارات. فتجاوز عدد الاختبارات التي قامت الولاية بإجرائها 10 آلاف اختبار يومياً. لكن الاحتجاجات لم تُسرِّع من انتشار الفيروس، إذ لم تتخطى معدلات الإيجابية بين المتظاهرين 1.8%.
وبعد تخفيف بعض القيود وتجاهل البعض الآخر، توفي 1800 شخص وتم نقل 6500 آخرين إلى المستشفى بحلول أواخر الصيف. وتبنت فاديس وفريق العمل إستراتيجية جديدة. وقدر معهد هارفارد للصحة العالمية أن الولاية ستحتاج إلى إكمال 17500 اختبار يومياً للتقليل من انتشار فيروس كورونا خلال شتاء مينيسوتا القاسي، و63500 اختبار للقضاء عليه.
وتعاون مسؤولو الصحة مع جامعة مينيسوتا ومايو كلينك في الأشهر الأولى من الوباء لتهيئة القدرة على إجراء الاختبارات لما يصل إلى 45 ألف شخص يومياً باستخدام مسحات الأنف. وحالياً، الولاية بحاجة إلى رفع قدراتها لإجراء ما يقرب من 20 ألف اختبار إضافي.
لاعبون جدد في القطاع الطبي بعد الجائحة
أسس جيسون فيلدمان، المدير التنفيذي السابق لشركة "أمازون"، شركة "فولت هيلث" في عام 2019، بالتعاون مع كلير كوكرين، المديرة التنفيذية السابقة لشركة "بلو أبرون"، كخدمة طبية تقدم الزيارات الطبية للمرضى في المنازل وعبر الإنترنت. وشغل فيلدمان منصب الرئيس التنفيذي، بينما أصبحت كوكراين مديرة العمليات.
وبعدما جمعت "فولت هيلث" 30 مليون دولار في أوائل عام 2020، قال فيلدمان لمدونة "تك كرانش": "أخبر أي شخص أن عليه أن يذهب للطبيب ليفحص صحة قلبه، ومن المحتمل ألا يفعل، لكن إذا أخبرته أنك ستجلب له طبيباً لتحسين قدرته الجنسية، فيصبح الأمر قصة مختلفة".
وقد تخصصت شركة "فولت هيلث" في تقديم الأدوية والوصفات الطبية للعلاج بالتستوستيرون، للمساعدة في تقليل القلق وتحسين نمو واستعادة شعر الرأس، بحيث قدمت "فولت هيلث" مجموعة أدوات تحسين الصحة الجنسية الخاصة بها.
وكانت شركة "فولت هيلث" تعمل أيضاً مع مختبر لدراسة الجينات الوراثية في جامعة روتجرز على تطوير اختبار خصوبة من شأنه تحديد العمر الحقيقي للحيوانات المنوية للرجال.
وقد كانت علاقة الشركة بمختبر الجامعة وليدة الصدفة، إذ كان المختبر يعمل على تطوير اختبار تفاعل "البوليميراز المتسلسل" (PCR) المستند إلى اللعاب، لتحديد الإصابة بفيروس كورونا الجديد. وقد صرحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بإجراء الاختبار لاستخدامه في حالات الطوارئ في المنزل في مايو من عام 2020.
وهكذا، حولت "فولت هيلث" خدمتها للتطبيب عن بعد للتركيز على "كوفيد-19". وفي أغسطس، تحول مختبر جامعة روتجرز إلى شركة خاصة تحمل اسم "إنفينيتي بيولوجي إكس"، والمدعومة بأسهم خاصة.
ويقول الدكتور أندرو بروكس، الرئيس التنفيذي والمدير العلمي للشركة: "كل الأمور الجيدة التي حدثت بالتزامن مع "كوفيد-19" تم اكتشافها بالصدفة"، مشيراً إلى أن مشروع اختبار الخصوبة ما يزال جارياً، وبالمثل تستمر "فولت هيلث" في تقديم "مجموعة أدوات تحسين الصحة الجنسية" الخاصة بها.
وأرادت فاديس، بالتعاون مع فريق عمل جامعة مينيسوتا، جعل الاختبار متاحاً ليتم إجرائه في وقت مناسب وبشكل دقيق، بحيث يتمكن الجميع من تحديد ما إذا كانوا مصابين بالعدوى سواء ظهرت عليهم أعراض "كوفيد-19" أم لا.
وتعد معالجة اختبارات المضادات، التي تكشف عن بروتين الفيروس، غير مكلفة وتتم معالجتها بسرعة، ولهذا يوصي العديد من مسؤولي الصحة العامة باستخدامها على نطاق واسع.
لكن هذه الاختبارات تعتبر أقل حساسية من اختبارات الـ (PCR)، التي ترصد العدوى حتى عند وجود مقدار ضئيل فقط من البروتين المميز للفيروس. كما تعمل اختبارات المضادات بشكل أفضل عندما يكون الناس في ذروة الإصابة. ولم يعتقد فريق عمل مينيسوتا أن ذلك سيكون جيداً بما يكفي.
ووفقاً للبيانات التي نشرتها إدارة الغذاء والدواء، فإن اختبارات اللعاب في "فولت هيلث" تتمتع بنفس حسساسية ودقة اختبارات تفاعل الـ (PCR) لمسحة الأنف.
ويمكن إرسال مجموعات الاختبار إلى منازل الأشخاص، وحتى عند إجرائها في مواقع الاختبار، فإن عملية جمع عينات اللعاب تتطلب وجود عدد أقل من المتخصصين الطبيين ومعدات الحماية الشخصية من اختبار مسحات الأنف أو الحلق، كما أن البصق في أنبوب مريح أكثر من إجراء المسحات. وعلاوة على ذلك، يتم إبطال مفعول الفيروس عن طريق رج الأنبوب ببساطة، وهو أمر يساعد على التخلص من المخاوف التي تحيط بعملية نقل العينات.
وقامت ولاية مينيسوتا باستئجار مقر المختبر وشراء المعدات اللازمة بإجمالي نفقات بلغ 4.7 مليون دولار.
ومن جانبها، أسست "إنفينيتي بيولوجي إكس " المختبر خلال ثمانية أسابيع. وعندما يحين الوقت الذي لم تعد فيه مينيسوتا بحاجة إلى المختبر، ستحتفظ "إنفينيتي بيولوجي إكس" بالمعدات مثل ماكينات "تشيماجيك 360" التي سميت باسم شخصيات مسلسل "ساوث بارك"، كما أطلق على أجهزة "كوانت ستوديو 5" أسماء شخصيات مسلسل "ذا آدمز".
الشباب يُظهرون أعلى معدلات للإصابة بدون عوارض
وفي يناير من العام الحالي، أعلنت مينيسوتا أنه نظراً لأن اختبارات اللعاب أسهل من حيث الإدارة، ويمكن لمختبر "أوكدايل" استيعاب المزيد من العينات، فسيكون هذا هو النوع الوحيد من الاختبارات التي تقدمها الولاية في جميع المواقع العشرين المخصصة لإجراء اختبارات الكشف عن الفيروس.
وبعد أيام قليلة من افتتاح مختبر "فولت هيلث"، زارت الدكتورة ديبورا بيركس، منسقة الاستجابة للوباء في البيت الأبيض، الولاية وقالت: "لدينا قلق عميق بشأن مينيسوتا في هذه اللحظة". وأوصت بأن يخضع كل شخص من سن 18 إلى 35 (أكثر من مليون شخص) للاختبار مرة قبل عيد الشكر، ومرة أخرى قبل نهاية العام. وأبلغ الشباب عن أعلى معدلات للإصابة، وبدا أنهم لا تظهر عليهم أعراض حال إصابتهم، فهم لا يزالون اجتماعيين، وكانوا يسافرون لقضاء العطلات.
وطلب أحد علماء الأوبئة بالولاية من جميع مؤسسات التعليم العالي اختبار طلابها، بمساعدة شركة "فولت هيلث" في بعض الحالات، والعيادات الصحية المجتمعية في حالات أخرى.
وقال دان هوف، مساعد مفوض مكتب حماية الصحة: "قالوا بالطبع نعم، إنها مينيسوتا".
وقامت الإدارة في كلية غوستافوس أدولفوس، في سانت بيتر بإرسال رسائل هاتفية وأخرى عبر البريد الإلكتروني لإبلاغ جميع الطلاب في الحرم الجامعي بإقامة برنامج اليوم الواحد لجمع العينات.
وطلبت إدارة الكلية من المدربين حث لاعبيهم، ومن المعلمين تذكير طلابهم بالمشاركة. كما قدمت الكلية هدايا لأول 250 شخصاً حضروا، وهي لعبة أحاجي من ذات الألف قطعة. وقدمت أيضاً سماعات الأذن "آيربود برو" ومكبر للصوت "جي بي إل" كجوائز.
وبالفعل اصطف حوالي مائة شخص في طابور خارج صالة الألعاب الرياضية في يوم جمعة مشرق بارد في 13 نوفمبر من 2020، في انتظار بدء الاختبار. وقد ارتدى أكثرهم الأقنعة. وبحلول نهاية اليوم، تم اختبار حوالي 60% من طلاب الكلية المؤهلين البالغ عددهم ألف و800 طالب، إلى جانب ما يقرب من 200 من أعضاء هيئة التدريس والموظفين، وجاءت نتائج 20 شخصاً إيجابية فقط.
لكن الوضع ساء في جميع أنحاء الولاية بشكل أسرع مما توقعه معظم الناس. وفي 19 نوفمبر، أي قبل أسبوع من عيد الشكر، أصدر حاكم الولاية بياناً، قال فيه أن 29 أسبوعاً من الفحوصات أظهرت 100 ألف إصابة في مينيسوتا، وبعد ستة أسابيع إضافية فقط بلغت حالات الإصابة 200 ألف إصابة. وتوقع حاكم الولاية أنه خلال ثلاثة أسابيع فقط، سيقترب العدد الإجمالي من 300 ألف إصابة.
كما قام الحاكم بإصدار قرارٍ يفرض على الحانات والمطاعم التوقف عن تقديم الخدمات في الداخل، وإغلاق صالات الألعاب الرياضية والمسارح.
وقد جعل هذا الجهد المبذول لاختبار الشباب، على وجه التحديد، أقل أهمية. وإجمالاً، تم إجراء الاختبار لحوالي 380 ألف شخص في مينيسوتا خلال الأسبوع السابق لعيد الشكر. وبحسب فاديس فإنه من الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً بين هؤلاء على وجه اليقين.
وبعد الأمر التنفيذي للحاكم، حدد فريق العمل أولوية جديدة لفصل الشتاء للتأكد من إمكانية اختبار جميع أولئك الذين شغلوا وظائف هامة. ويسأل هوف: "كيف؟ لا أدري، سنكتشف ذلك". وهوف وفاديس كلاهما ركز الجهود على شريحة واحدة فقط لمواجهة الوباء.
ويقول مايكل أوسترهولم، عالم الأوبئة بجامعة مينيسوتا ومستشار إدارة بايدن: "نعلم أنه لا يمكننا القضاء على هذا الوباء عن طريق إجراء الاختبارات". لكن في مينيسوتا، كما يقول: "كان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ بدون الاختبار".
ويلاحظ الحاكم أنه عندما كان لدى نورث داكوتا وساوث داكوتا أعلى معدلات إيجابية في البلاد، احتلت مينيسوتا المرتبة 21، مضيفاً: "كانت استراتيجيتنا فعالة. لكن الحجم الهائل للحالات أضعف فعاليتها".
اختبارات مكثفة
تحصلت مينيسوتا على أسعار مخفضة على الاختبارات، مع تلقي وعد من الشركات بمعالجة ما يصل إلى 30 ألف اختبار في اليوم، وإتاحة النتائج في غضون 48 ساعة من وصول العينات إلى المختبر. وقد خصصت مينيسوتا 30 مليون دولار على الأقل لتمويل برنامج الاختبار.
ويقول فيلدمان: إن ولايات ميشيغان، ونيو مكسيكو، ووايومنغ، يريدون تأسيس معامل لـ "إنفينيتي بيولوجي إكس"، لكن هذا الشتاء، ومع عدم التأكد من التمويل الفيدرالي، فهم لا يمتلكون الميزانية الكافية لتمويل تلك المختبرات.
وقد احتشد سكان مينيسوتا في جميع مواقع الاختبار العشر بمجرد أن بدأت تلك المواقع جمع اللعاب في أواخر أكتوبر من العام الماضي.
و قالت فاديس: "لقد تزاحم السكان في ساحة انتظار السيارات قبل الافتتاح، ليخضعوا للاختبار. واستعانت "فولت هيلث" بأشخاص من شركة "والت ديزني" ممن يتمتعون بخبرات الإدارة التنفيذية المباشرة، كما قامت بتدريب أعضاء من الحرس الوطني للإشراف على عملية جمع العينات.
ويقول فيلدمان: إن العديد منهم ممارسون طبيون من نوع ما، على الرغم من أنه ليس من الضروري أن يكونوا كذلك. ويستغرق تعلم كيفية الإشراف على جمع اللعاب من المرضى، وتغليف العينة حوالي 30 دقيقة.
وهناك أيضاً تدريب ثقافي. فيقول فيلدمان: "نحن نُعلِم الحراس أن يكونوا ودودين للغاية، حتى لا يشعر أي أحد بالخوف".
وتعد مينيسوتا موطناً لعدد كبير من الصوماليين وشعب الهمونغ، ما جعل العثور على عدد كافٍ من الموظفين الذين يمكنهم ترجمة المصطلحات الطبية بلغاتهم، تحدياً بشكل خاص.
المخللات لتسهيل إفراز اللعاب!
ووجهت فاديس، التى خضعت للاختبار بصفة دورية، نصيحة لمن يخضعون للاختبار لأول مرة بإحضار بعض المخللات: "لا يمكنك تناولها حتى تنتهي من اجراء الاختبار، ولكن إذا شممت رائحتها فهذا يساعد على إفراز اللعاب".
حيث تتطلب الاختبارات الكثير من اللعاب، ما يجعلها تمر في بعض الأحيان بأحد نوافذ بيع مطاعم "آربيز" لإحضار المخللات، وأضافت أن الليمون قد يفي بالغرض أيضاً إذا لزم الأمر.
وبحلول أوائل نوفمبر من 2020، كان معدل الإيجابية في مينيسوتا أكثر من 15%، ووصل إلى 30٪ في أماكن مثل سانت كلاود.
وأبلغ الأطباء والممرضات في أكبر مدن الولاية عن نقص في الأسرَّة في وحدات العناية المركزة، وعن طول مدة انتظار المرضى في غرف الطوارئ.
وكانت "فولت هيلث" قد فتحت باب التسجيل عبر الإنترنت للحصول على مجموعات الاختبار المنزلية في 12 نوفمبر، والتي سجل 30 ألف شخص في خدماتها.
وبحسب فاديس فإن الطلبات أثقلت كاهل كل من "يو بي إس" و "فولت هيلث". وفي أحد الأيام نشرت صحيفة "ستار تريبيون" أكثر من 10 صفحات لأسماء الوفيات، وبعدها سجل الناس للحصول على 153 ألف اختبار خلال الأسبوع التالي.
ولم يتم استعادة المجموعات بالمعدلات المتوقعة، واتضح أن الناس كانوا يقومون بتخزين الاختبارات. وتقول فاديس: "نحن نعلم أن سكان مينيسوتا مهتمون حقاً بالأشياء المجانية. فهم سيطلبون الاختبارات لأنها مجانية، لكنهم لن يستخدموها".
وتفضل فاديس ألا يفعل الناس ذلك. وتابعت: "إنها ليست فكرة رائعة أن يكون لديك اختبار في خزانة الأدوية الخاصة بك". وحتى الآن، تم طلب ما يقرب من 400 ألف مجموعة للاختبارات ضد الفيروس، وأعيد أقل من 15 ألف إلى المختبر.
ولقد أثقل سكان مينيسوتا كاهل خدمة عملاء "فولت هيلث" عبر الإنترنت أيضاً بألطف الطرق الممكنة، حيث اعتاد مشرفو مرحلة جمع اللعاب على بدء المكالمة عبر تطبيق "زووم" بسؤال المرضى: "هل حصل تماس بينك وبين أي شخص مصاب بالفيروس مؤخراً؟"، وهنا غالباً ما كان سكان مينيسوتا ينتهزون الفرصة لمشاركة جميع أنواع التفاصيل التي حدثت في حياتهم خلال الأسبوعين الماضيين. بينما سأل البعض حول الوباء، وكان لدى آخرين أفكار حول كيفية محاربته، فيما أراد الكثير الدردشة وحسب.
ومن ثم كان على شركة "فولت هيلث" استبدال نص السؤال بحيث أصبح المشرفون أكثر تحديداً الآن من خلال التنويه للعملاء: "سأطرح عليك سلسلة من الأسئلة للإجابة عليها بنعم أو لا".
كيف تبدو الأمور في المختبر؟
وفي المختبر، الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو العملية نفسها، فذلك غير مسموح به. حيث تتألف عملية إجراء الاختبار من 12 خطوةً تستغرق من أربع إلى ست ساعات.
وفي يوم من شهر نوفمبر 2020، وصلت دفعة العينات في الصباح بالفعل. وعندما تأتي العينات، يتم تطهير الجزء الخارجي من كل أنبوب تجميع بمحلول الإيثانول. ثم يقوم الموظفون بتسجيل الأنابيب على الكمبيوتر، ثم فصلها ووضعها في الفتحات المخصصة لها على الرفوف، والتي يتم وضعها على جهاز "جانوس". ويقوم الجهاز بنقل القليل من اللعاب من كل أنبوب إلى قنينة صغيرة خاصة به، ويضع 96 عينة على لوح بلاستيكي يشبه قرص العسل. ومن ثم يتم وضع اللوح داخل ماكينة "تشيماجيك 360"، التي تستخدم قضباناً وحبيبات مغناطيسية لحماية الحمض النووي الريبي الفيروسي، ومحلول عازل لإزالة كل شيء آخر.
وما يتبقى هو عينة وراثية نقية. يتم دمجها وهي في داخل لوح الاختبار، مع ثلاثة ألواح أخرى لإنتاج لوحٍ واحد جديد بحجم هاتفين محمولين متراصين، ويضم هذا اللوح الناتج عينات صغيرة من البصاق المرسل من 384 شخصاً. ثم يأتي اختبار الـ "PCR". حيث يمر اللوح عبر جهاز تدوير حراري، يقوم بتسخينه وتبريده بنمط محدد مسبقاً. وتزداد علامات الـ"فلورسنت" مع كل دورة، مما يشير في النهاية إلى العينات التي تتواجد بها الفيروسات.
وفي نهاية اليوم، يتم التخلص من القوارير التي تحتوي على عينات تبين أنها سلبية. بينما يتم تخزين الإيجابية منها في المجمدات فائقة التبريد لأغراض البحث في المستقبل، بما في ذلك تتبع التغيرات الجينية في الفيروس. وأخيراً، يُعلم مختبر"فولت هيلث" الأشخاص بنتائجهم في غضون 24 ساعة من استكمال إجراءات الاختبار.
وتقول وارد، مديرة المختبر، بينما تمشي من غرفة إلى أخرى، ترى المختبر يعالج العديد من العينات بحيث تبدو عملية تأمين الإمدادات صعبة. وتعتبر بعض المستلزمات، مثل الكواشف، ضرورية، فإذا لم يكن لدى المختبر الأدوات المحددة التي يحتاجها، فلن يتمكن من العمل، وهو الأمر الذي لم يحدث أبداً.
ولكن على الجانب الآخر يمكن تأمين بعض العناصر الأخرى من جهات بديلة. فمثلاً، تُستخدم الماصات والأطراف لسحب اللعاب من كل عينة. وفي وقت من الأوقات لم تكن تلك الأدوات متوفرة بالكميات المطلوبة، وكان على المختبر أن يجد بائعاً جديداً ويستثمر في المعدات لضمان إمدادات ثابتة.
كما يفضل الموظفون الأغطية اللولبية على أنابيب الاختبار، والتي تكون أسهل في الاستخدام، ولكن لفترة من الوقت كان يتعين عليهم التعامل مع أغطية الدفع بدلاً من ذلك. ونظراً لأن موارد المختبر من الملصقات اللازمة لإنشاء الرموز لتتبع العينات كانت قد نفدت مؤقتاً، فقد مرت مديرة المختبر بشركة "ستابلس" في طريقها إلى العمل في ذلك الصباح لجلب بعض الملصقات.
وتتكدس مجموعات الاختبار للموظفين على طول جدار مكتب "وارد"، وتتراكم الوجبات الخفيفة مثل التفاح والبرتقال والمكسرات وألواح البروتين فوق مكتبها. وقرابة الظهر، تتلقى مكالمة مفادها أن الغداء الذي طلبته للجميع قد وصل. ثم تتلقى "وارد" مكالمة أخرى، تخبرها أن العينات الخاصة ببعض أوائل المستجيبين في مينيسوتا في طريقها إلى المختبر، والتي تم اختبارها بسرعة، حين قالت للسائق: "اتصل بي عندما تصل، وسوف أركض لاستلامها".